أفلحت إيطاليا بكأس العالم.. وهدأت النفوس، ليعود كثيرون من الناس إلى الفراغ.. أصحاب الموتورات الكهربائية تخلصوا من موديلات قديمة.. رأيت شاباً يتذلل لصاحب فندق؛ لأن لا أكثر من ألف ونصف يستطيع دفعه لغرفة فيها قناة الرياضة. سنة خمس وسبعين كنت في القاهرة، استضافني أستاذ درّسني في منزله.. شعرت بأن شيئاً غير عادي في المنزل.. طوارئ بكل معنى الكلمة.. تقدم الغداء ساعتين على الموعد.. الأسرة تستعد لحدث عظيم.. حاولت ألا أكون جداراً.. افتعلت خفة دم مزيفة.. الأسرة يراهن بعضها بعضاً.. اليوم يوم الفصل، قالها الأب الوقور.. لأول مرة أسمع هذا الاسم البغيض: الأهلي - الزمالك. الزوجة: إن ما ورّيناكم يا بتوع الخيبة!!. الزوج: لما نشوف. الابن: ده انتو خايبين، من زمان!!. الصغير: ضربتنا اسرائيل؛ لأن الجيش كان يشجع الزمالك!!. بدأ اللعب.. بدأت الملاحظات الصوتية، غاية في التشنج.. يتخلى الأب عن وقاره، فينط في الهواء.. الأم «مديرة مدرسة معلمين» ترقص مصرياً بما يساوي خمسين ثانية.. البنت تخرج لسانها لأبيها.. الأخ يصفع أخاه الصغير بشكل موجع، يوم حامي الحرج.. بطيء اللحظات أبطأ من ليل امرئ القيس، فأنا غريب، تخلى عني الجميع في منزل يحتفل بصخب منقطع النظير.. شوارع القاهرة فارغة.. رأسي فارغ من الهواء.. أول ما دخلت انقطع الاتصال بين المجاملة المصرية المعهودة وبيني.. ربما تخيلت صوت الزوج يقول للأستاذ حمدي: هو ده وقته.. ضيف إيه وهباب إيه؟! يا الله يا سيدي!! وبالطبع فقد انصرفت الأسرة لطبعها في مثل هذه الحالة، فلا شيء يعلو على صوت الكرة. في صباح اليوم التالي كانت الصحف الرسمية تظهر الكرة وهي تخترق شباك الأهلي، وكان هناك استطلاع لرأي القيادات السياسية، فكل واحد حلل الحدث العظيم من وجهة نظره.. واستمر الحدث بين الشرح والتفسير لمدة طويلة. كنت أحسب أن الشعب المصري الوحيد المجنون في الكرة، ولكني وجدت الشعب التونسي من خلال فريقه «الترجّي» يعشق نفس الجنون، فلقد حصل لي موقف مشابه. ويلحق الشعب اليمني الذي يستعد لمشاهدة الكرة بأغصان القات «المبودر» بالسُّم ليكون ضمن الشعوب المجنونة بلا شيء.