الشعوب على اختلاف دياناتها وثقافاتها وحضاراتها تقيس مدى تقدمها أو تخلفها، صحتها وسقمها، يقظتها أو نومها، من خلال صلاح أو فساد نظامها التربوي، وقدرة أبنائها على المراجعة والتقييم والإنقاذ الوطني، ومن ثم الثورة البيضاء على الذات المريضة والضمير الميت الذي يسعى للفتك بأهم مؤسسة اجتماعية. إن المدرسة نقطة البداية، ومنها ومن خلالها نستطيع أن نعبّد طريقنا للنهوض الاجتماعي والنجاحات المعرفية والعلمية، أو النكوص إلى قاع الجهل والتخلف، وامتهان الفساد اللا محدود. نظامنا التربوي لا يفتقر إلى المباني اللازمة والمنهج، بل إلى الإنسان الذي يؤمن بالتربية كمدخل لبناء وتشكيل الإنسان وتجهيزه للعصر، يعشق رسالته، يرى نجاحه وفشله فيما يؤدي من جهد، ويراقب ربه وضميره، وتزداد سعادته كلما لاحظ تغيراً ملموساً وتطوراً وازدهاراً في واقع المجتمع. مدارسنا غير ذلك؛ جافة في كل مفرداتها، المادية والبشرية، صحراء قاحلة، إذا أجبرتك الظروف لتزور إحداها فكن مستعداً للصدمات الضميرية والوجدانية والنفسية، بوابتها ومداخلها، ساحتها ومتنفساتها لا ترى فيها ذوقاً أو جمالاً أو تربية للإنسان، طواريدها وأمام الفصول زبالات متناثرة، بقايا البوفيات والمقاصف اللا صحية تضيف إلى الأمراض التي تزرعها يومياً في أبنائنا رمياً للقمامة وإهمالاً في التعاطي مع قدسية المدرسة وأهميتها. مدارسنا بلا نظافة، بلا جمال، بلا تربية على القيم والمبادئ، حلبات صراع بين الإدارة المدرسية «المؤبدة» والمعلمين، بين المعلمين والطلاب، إدارة معتقة قد تكلّست، مؤبدة لا ندري منَْ وراءها. التربية في مدارسنا مفقودة، أجراس الخطر قد قرعت لكننا لم نسمعها، تناسينا المدرسة ونسينا فيها أبناءنا، أهملناها فكانت جريمة في حق حاضرنا ومستقبلنا، وطالما فسدت المدرسة فقد تحولنا إلى الجهل والتخلف والفساد من باب آخر بعدما كنا قد خرجنا وضحيّنا بآلاف الشهداء لكي نرى النور، فإذا بنا نسد الأفق بأيدينا ونعود إلى ظلمة الفساد واللا ضمير واللا وطنية. المدرسة في كل العالم روضة من رياض الجنة؛ تديرها مجموعة من ملائكة الرحمة والمحبة، مصنع إنساني، حضاري، علمي، معرفي، أخلاقي، ثقافي، ووطني، مزرعة للإبداع والنبوغ، وسط نظيف وحيوي لتربية الإنسان وغزل وعيه بالقيم ومحبة وعشق الوطن، إنها بوابتنا إلى العصر، مدارسنا قد غدت جزراً يحكمها الأشباح. مدارسنا دخلت ضمن الملكيات الخاصة، لكنها للأسف خرجت من المجال التربوي ناهيك عن التعليمي، كل منها ترتبط بفتوات ومتنفذين، هم جدار وقرون حمايتها الدائمة. إلى متى ستظل مدارسنا بهذه الصورة والمضمون اللا تربوي يأكلها العبث والفساد والاستهتار بحاضر ومستقبل وطن بأكمله؟!. متى سنفيق لنكون في المدار الصحيح مع الشعوب الأخرى؟!. الجواب بالفعل سيكون.. مفقوداً!.