ما من شك بأن التساؤل قد يثير حفيظة البعض، ولا يعجب في المقابل الكثيرين من الناس لما ينطوي عليه من تموضع لا إرادي في حلمنا وطموحنا الاجتماعي؛ ويدعو بصوت جهوري مرتفع إلى البحث الجاد عن الحلقة المفقودة في وعينا وتفكيرنا الرسمي والشعبي تجاه المعلم الإنسان والمواطن الأهم بين شرائح المجتمع. إن نظامنا التربوي والتعليمي واقع تحت أيدي جماهير غفيرة ممن لا يؤمنون به ولا يخلصون لقيمه ومبادئه وأهدافه الوطنية الكبرى؛ الأمر الذي أصاب مؤسستنا التربوية والتعليمية بأوسخ وأقذر أنواع وأشكال الفساد والعبث اللا إنساني واللا ضميري ومستنقعات التزوير!!. التربية والتعليم رسالة إنسانية عظيمة، ولابد لمن ينتمي إليها أن يكون قادراً على التمييز والإدراك الواعي للرسالة التي يحملها، والوظيفة التي ينظر إليها على أنها ليست أكثر من حافظة للتوقيع في بداية ونهاية الدوام اليومي، والتأكيد على الحضور، ومنع أي نقصان قد يصيب المرتب؛ بينما يكون المعلم المؤمن بعظمة الرسالة التي يحملها مستغرقاً في استزراع المعرفة في عقول وأفئدة الأجيال اليمنية، يشكل القيم والأخلاق والدين والانتماء والهوية وقدسية الحرف والكلمة بصمت وتفانٍ ليضيء الدرب وينير لنا الطريق. هذا المعلم الذي لا نشعر باحترام المجتمع له، يمثل الجسر الأوحد للمشروع النهضوي الذي يطمح إليه اليمن الجديد، ولن يعبر الوطن واليمنيون جميعاً إلى التطور والتنمية والنماء والأمن والاستقرار والعلم والمعرفة إلا من خلاله ومن بين يديه، ومن يعتقد غير هذا فهو إلى الجهل والتخلف والحمق يسير ويتجه. ثمة وعي مشوّه، وجهل مركب لايزال يعشش في عقول وتفكير وتصرفات بعض الناس من العامة والمسؤولين والنخب الديكورية، نلحظه في نظرتهم الدونية للتربية والتعليم وللمعلم ولكل من ينتمي إلى المؤسسة التربوية العظيمة؛ حتى أصبح المجتمع اليمني يصف مهنة المعلم التربوي ب«مهنة البؤساء والمحرومين». وما علم الجميع بأن المعلم التربوي بوصلة التغيير المنشود، والتاريخ خير شاهد في القديم والحديث على ذلك؛ لأنه ما من أمة أو شعب أو مجتمع نهض وتطور وتحضّر وأخذ الصدارة في التفوق العلمي والمعرفي والصناعي والتكنولوجي إلا وكان المعلم والتربوي الجسر الذي يعبر عليه، والعقل الذي يشكل له الحاضر والمستقبل. علينا أن نعيد الاعتبار الذاتي والموضوعي، المادي والمعنوي، الاجتماعي والإنساني للمعلم اليمني وكل المنتمين إلى رسالة التربية والتعليم، مهما كانت الأعباء المترتبة على ذلك العمل الوطني المسؤول. وكلنا ثقة بأن المجتمع اليمني سيتقبل الظروف ويتحملها، لعلمه بالنتائج العظيمة التي ستكون وراء احترام وتقدير وتحسين أوضاع المعلم اليمني ليصبح الأفضل معيشة ومكانة وعطاءً وبناءً للمجتمع. لماذا وصل حال المعلم اليمني إلى هذا المستوى من التأزم والإحباط والإحساس الخاطئ بالدونية والتشبع بثقافة التسيب والعبث واللامبالاة تجاه المسؤولية والأمانة العظيمة التي تحملها؟!. ألا يجدر بهذا المربي الإنسان أن نميّزه بنظام وهيكل خاص ومستقل كونه صمام أمان الحاضر والمستقبل؟! فهل لنا من وقفة جادة نكرّم بها المعلم الإنسان، وننظف التربية من الحزبية المدمرة والصراعات السياسية التي مالت بالتربية والتعليم نحو الإتجاه الخطأ؟!.