قد تنسى الشعوب والمجتمعات الكثيرين ممن مرّوا من أبنائها، لكنها من المستحيل جداً ان تنسى هامات وقامات ومفكرين وعمالقة التنوير ورجال الإصلاح الاجتماعي ومن شيدوا لها جسور العبور إلى المجد، وكانوا حُداتها إلى المستقبل وحراكها الإنساني ونبضها الذي لم يتوقف، وشبابها المتجدد الذي لم تقهره الظروف وتحينه المراحل والمنعطفات الصعبة. الأستاذ/أحمد محمد نعمان رحمه الله أحد أولئك العمالقة الذين حُفرت سيرتهم وأفعالهم ومراحل نضالهم في صفحات التاريخ الوطني، شكل طريقين أساسيين للثورة اليمنية، الأولى للتحرر من الجهل والتخلف، والثانية للتحرر من الحكم الاستبدادي الفردي المتهالك، ولم يفرق رحمه الله بين الطامتين اللتين أصابتا اليمن الأرض والإنسان. كان رحمه الله يرى ان الجهل «سر مأساتنا» والتركة التي أثقلت عقولنا وجمدت تفكيرنا وأحالتنا إلى خارج التاريخ بشراً معطلاً عن الفعل والإدراك. لقد أدرك الأستاذ النعمان رحمه الله من خلال مشواره التربوي والتعليمي الطويل ونضاله الدائم أن التربية والتعليم بوابة الوطن إلى النور والمعرفة والعلم والتقدم والنهوض والتحرر والاستقلال، وان المدرسة شمعة الوطن التي ستضيء الدروب وتقلب كل المعادلات الخاطئة وتغير كل المفاهيم والقيم والعادات المغلوطة التي ترسبت في وعي الإنسان اليمني وتفكيره، وهي الطريق الآمن إلى الحاضر الجميل والمستقبل الأجمل. إنه رجل بحجم الوطن وقضيته التي يحملها، لم يكن ينظر إلى الثورة على أنها تغيير الأشخاص والأسر والقبيلة والمنطقة التي تتولى الحكم وتقود سياسة ومصير البلاد والعباد، فقد كان الأمر بالنسبة إليه إعادة صناعة الواقع وبناء وتغيير الإنسان، وإشراك كل شرائح المجتمع في إدارة الحياة الاجتماعية، والتحرر الفعلي من سيطرة الوهم السلالي والمناطقي على مقدّرات الوطن، لأنه مسؤولية كل أبنائه. كانت بلقيس «الكلية» والرمز الحضاري في وعي النعمان الأستاذ والمربي والمناضل والمصلح وقائد التنوير الاجتماعي مشروعاً بحجم الحلم والطموح الوطني للانعتاق من القهر والظلام والاستبداد والتخلف والجهل والفوضى، وكانت عدن مدينة الحب وساحة التنوير الاجتماعي على موعد مع النعمان وحلمه ومشروعه . تفاعل أبناء عدنواليمنيون جميعاً مع كل مرحلة من مراحل وخطوات بلقيس التنويري والنضالي معاً، وما هي إلا شهور حتى أخذت كلية بلقيس تدفع بأبناء اليمن إلى التغيير والتفاعل الاجتماعي مع مراحل ومنعطفات النضال والتحرر والاستقلال الوطني وإعادة تشكيل صورة ومضمون اليمن الجديد. من يقرأ الأستاذ النعمان التربوي، المصلح، التنويري، العالم الرباني، المؤرخ، المناضل، الحكيم، يقف أمام رجل من الطراز الوطني الفريد إلى جانب ما يتميز به عن أقرانه من المناضلين بنكرانه للذات واحترامه للإنسان وسعيه الدؤوب لتربيته وإصلاحه وتنويره. إنه صاحب مشروع إنساني، وحامل فكر تنويري لا يقل شأناً عن عظماء التاريخ الإنساني، ألا يستحق الأستاذ النعمان أن نحتفي به ونعطيه حقه؟!. الإجابة عند أولئك الذين كانت كلية بلقيس بالنسبة لهم جسراً إلى المجد والريادة الوطنية .