عدن مدينة المواقف العظيمة، والصفحات الوطنية الرائعة، وما كانت خلال مراحلها النضالية والكفاح الوطني السلمي والمسلح إلا في المكان اللائق بها. احتضنت التاريخ اليمني المعاصر بعظمائه، اتسعت لمشاريعهم التنويرية والإيقاظية الكبيرة، غدت متنفساً لأحلامهم وطموحاتهم الوطنية، استحقت وبجدارة أن يطلق عليها مدينة التنوير والإبداع والتعايش الإنساني، وملتقى الحضارات والثقافات «العربية، الأفريقية، الأوروبية، الأسيوية، الهندية». تلاقت في عدن أحلام ومعاناة اليمنيين وتطلعاتهم، استوعبت أفكارهم، ومثلت خلال فترة العشرينيات وحتى نهاية عقد الستينيات من القرن العشرين إحدى منارات الإيقاظ والتنوير العربي إلى جانب القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد، استطاعت أن تؤسس اللبنات الأولى والضرورية للحركة الفكرية والسياسية والتعليمية والتنمية الاجتماعية في عمق المجتمع اليمني، شكلت وصاغت وعي وشخصية وتفكير وعقلية الإنسان اليمني بصورته وخارطته الجديدة. الأستاذ النعمان أحد أولئك العظماء الذين حملتهم جماهير عدن فوق الأكتاف، مثلما حمل هو مشروعه التنويري الإيقاظي ليطوف به العالم باحثاً عن اليمنيين حيثما وجدوا، ومن ثم عاد إلى مدينة عدن ليمارس الحفر والنحت في الوعي اليمني، يحاول بكل ما أوتي من قدرة ومعرفة وهمّة وتضحية أن يستزرع الأمل في صحراء العقلية اليمنية. آمن رحمه الله بأن الحياة الكريمة تولد من رحم المعاناة ومدارات المجهول وتشعباته ومفاجآته. التقى مشروع النعمان الإنساني بمشاريع إيقاظية مماثلة، قادها رجال آمنوا بأن لكلٍ دوره ومسؤوليته، أمثال لقمان والأصنج وباشراحيل ومحمد عبده غانم ولطفي جعفر أمان والشيخ/عبدالله علي الحكيمي، وغيرهم ممن امتلأت بهم مدينة عدن ومازالت تفاخر بأنها احتضنتهم في أصعب اللحظات. جاهر النعمان بمبدئه القائل بأن الوطن حب وتضحية ومواطنة صالحة فاعلة وعمل يصنع لحظات التغيير والتبديل للحاضر ويرسم الصورة الحقيقية والمناسبة للغد، فكانت كلية بلقيس وما أسسته من حلم وتاريخ، ورفدت الوطن بأدوات ووسائل التغيير الحقيقية للواقع اليمني إحدى مسارات مشروع الإيقاظ والتنوير للأستاذ النعمان. وعبر الاتحاد اليمني خاطب الجماهير اليمنية في الداخل والخارج في الشمال والجنوب وعمل على تهيئتها للمعركة الكبرى التي تنتظر الإنسان اليمني. يعد الأستاذ النعمان أحد أبرز رموز الفكر الإسلامي اليمني في العصر الحديث، ومع ذلك بقيت مؤلفاته ورسائله وكتاباته ومقالاته وآراؤه متناثرة، يتم تداولها بصورة تدعو للتساؤل، مع أنه انطلق من عمق الحضارة اليمنية ومدارات التاريخ وقيم ومبادئ ووسطية الإسلام الحنيف. عالج خلال مشواره الوطني والفكري الأوجاع بحكمة وروية ومنهج أخلاقي وإنساني وعشق لا متناهٍ للتضحية من أجل الحياة، ومع ذلك ظل وللأسف غريباً في وطن ما بخل يوماً في التضحية من أجله. تحاول جامعة عدن على استحياء الاقتراب من عظمة وتاريخ وفكر ونضال وحنكة وحكمة ووطنية وتضحية وقامة الأستاذ النعمان رحمه الله في ندوة علمية على غرار الندوة التي عملتها للمرحوم/محمد علي لقمان المحامي. واعتقد الجميع بأنه سيحظى بالاهتمام والعناية والرعاية الرفيعة والتجهيزات بما يوازي مكانة وتاريخ وعظمة هذا الرجل ورصيده الوطني الممتد حتى يومنا هذا، إلا أن ثمة جموداً وتثلجاً أصاب تلك الخطوة وأفرغ العمل من الهمة، وأحال الأستاذ النعمان إلى ما يشبه الغريب في قومه وبين أهله. هل عظماؤنا أصبحوا غرباء في زمن اللاوعي، نضعهم في مدارات الرضا والسخط من هذا أو ذاك، نحيلهم إلى براويز مفرغة من مضمونها ومحتواها، نمحور التاريخ ونفصله كيفما نشاء، نرحل النعمان وأمثاله ممن صنعوا الحاضر إلى غربة التاريخ والجغرافيا؟!. أتمنى أن أكون مخطئاً فيما استبقته، وأن تبعث جامعة عدن النعمان بما هو أهل له، وأن توازي التحضيرات لندوته تاريخه ومكانته واحترام الشعب اليمني لدوره ونضاله. الأيام القادمة كفيلة ببرهنة الواقع.