إن التربية حين تنحرف عن مسارها الأخلاقي والقيمي تتحول إلى محرقة اجتماعية وعلمية، حضارية وإنسانية، تستنفد كل طاقات ومقومات وإمكانات التنمية البشرية، فيصاب الواقع الاجتماعي بالشلل والحاضر والمستقبل بالعجز التام.. من المؤكد أن الغش في الامتحانات موجود في كل مجتمع، لكنها حالات فردية سرعان ما تجد العلاج والردع معاً، وتتعاون المدرسة والأسرة والمؤسسات ذات العلاقة بهما في تشخيص الأسباب والدوافع ومن ثم المعالجة السريعة لها باعتبارها حالات شاذة يعاد تأهيلها نفسياً وتربوياً ومعرفياً، حتى لا تتحول إلى وباء اجتماعي ومصدر إعاقة في طريق التنمية، وتلوث قد يصيب العملية التربوية والتعليمية بمرض معدٍ، كما أنه يهدد الحياة اليومية بالفساد. المصيبة الكبرى أن يتحول الغش في مدارسنا إلى ظاهرة منظمة وغير منظمة تديرها شلل وجماعات من المعلمين ومديري المدارس والمشرفين على اللجان الامتحانية، ومقاولون معتمدون يقودون هذه الظاهرة في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الجميع، مقابل عمولة تُجمع حسب الروايات والأخبار مقدماً من كل طالب عبر سماسرة معتمدين أيضاً، وصل الأمر في بعض المناطق والمحافظات إلى الحجز المسبق في طابور التسهيلات الخاصة بعملية الغش. الغش في الامتحانات وفي كل مناحي الحياة أصبح هو الواقع، والشاذ هو من لا يغش ولا يتعاطى مع رذيلته وقيمه اللا أخلاقية مثله مثل المسؤول النظيف والموظف الشريف مسكين ولا مستقبل له، وحتى أجهزة الدولة العليا لا تأبه لمثله ولا تكرّم دوره ونضاله. نحن إذاً دون المجتمعات البشرية كلها حالنا استفحلت فيه الأخطاء حتى تحولت هي الأخرى إلى واقع معيش، واستوطنت ضمائرنا الأمراض والتشوهات حتى غدونا مجتمعاً ملوثاً بالفساد يحتاج إلى قوة وقدرة عظيمة لتعيد تنظيفه وتعقيمه ومعالجة جادة وسريعة لا تقبل التسويف والخطابات البليغة. لابد من ثورة تربوية شاملة تقتلع الفساد التربوي وتحقق التغيير في الوعي والتفكير والممارسة؛ تنطلق من قناعات المعلمين واحترامهم للرسالة العظيمة، ومن عمق مكاتب وإدارة التربية مثلما تنطلق من قيمة الوزارة والبيت معاً. نعيد من خلالها غرس القيم الأخلاقية والتربوية في حياتنا وعقول وضمائر أجيالنا، مثلما نعيد الاعتبار للعملية التربوية والتعليمية باعتبارهما طريقنا الوحيد إلى إعادة بناء المجتمع النظيف في قيمه وتفكيره وسلوكياته وتربيته وثقافته ونظام حكمه وتعاطيه مع التعددية والنظام الديمقراطي برمته. إن المجتمع الذي تتربى أجياله على الغش والتسلق اللا أخلاقي إلى مراتب ومستويات ووظائف لم يؤهل لها، لا يكون قادراً على التعاطي مع الحياة والإضافة إليها، بل يتحول إلى طاقات معطلة وقراصنة وقطّاع طريق وأشباح وبقايا بشر. إلى متى تلازمنا هذه الأخطاء القاتلة، إنها تدمر الوطن كله، وتخلق الكادر البشري الملوث في ضميره وقيمه ووطنيته، المصاب بسلسلة طويلة من العاهات القاتلة للحاضر والمستقبل؟!. إصلاح وتنظيف التربية والتعليم «المدرسة والإدارة» من القمة إلى القاعدة، ومن الوزارة إلى المدرسة، أصبح ضرورة وطنية عاجلة، وواجباً دينياً مقدساً، يرقى إلى مرتبة الجهاد في سبيل الله. فهل تستجيب القيادة والحكومة والوزارة والمجتمع قبل أن تقتل تلك الظاهرة الخبيثة والمنظمة «الغش» اليمن كله ماضيه وحاضره ومستقبله.. فهل من مجيب؟!.