من صلب مهام الجهات الرسمية في بلادنا حماية المواطن من أي مخاطر تهدد حياته جراء الأفعال الخاطئة التي يقترفها البعض ممن لا هم لهم سوى كسب المال وبأي طريقة كانت، ومن تلك الأفعال الضارة بالمجتمع برزت في محافظة عدن ظاهرة خطيرة تهدد حياة وسلامة الناس وتنذر بكوارث كبيرة في حالة عدم اتخاذ الإجراءات الصارمة حيالها وردع المخالفين حفاظاً على سلامة المجتمع وأمنه، وتتمثل هذه الظاهرة في استخدام مياه الآبار المالحة في صناعة البردين والبلاط المحلي والخرسانات المسلحة، حيث تشكل منتجات هذه المصانع مخاطر كارثية على المباني التي تشيد أو التي يعاد ترميمها المعتمدة على مخرجات تلك المعامل التي لم يراع أصحابها المواصفات الصحيحة ولم يقدروا المخاطر التي ستحدث جراء استهتارهم بحياة الناس. وكان المكتب التنفيذي بمحافظة عدن قد وقف في اجتماعه خلال شهر ديسمبر من العام المنصرم 2006م أمام هذه الظاهرة وتم تكليف كل من الهيئة العامة للموارد المائية والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس ومكتب الأشغال العامة بتحديد نسبة ملوحة المياه المستخدمة في صناعة البردين والخرسانات المسلحة وإلزام أصحاب المعامل بتلك المواصفات مع اتخاذ الإجراءات بحق المخالفين. وفق تقرير للهيئة العامة للموارد المائية فرع عدن نبه الى خطورة استخدام المياه المالحة في صناعة البردين والطوب والتي تزيد نسبة الأملاح المذابة فيها عن (300) ميكروموز/سم ووصف التقرير هذه الخطورة بالتأثيرات السلبية لاستخدام المياه الجوفية المخالفة للمواصفات القياسية والمتمثلة في التفاعل الحمضي لهذه المياه مما يتسبب في التآكل والتفتت لحبات البردين والطوب، بالإضافة الى احتواء المياه على نسبة كبيرة من كبريت الهيدروجين والأملاح الجافة والكلور والأكسجين المنحل والمواد العضوية وكبريتات الكالسيوم التي تشكل بعض الترسبات لكبريتات الكلس وهيدورجين المغنسيوم الذي يؤدي الى تغيير في صفات المواد المكونة للبردين والطوب الأحمر، حيث إن زيادة الأكسجين في الماء يؤثر على المواد الحديدية والمعدات والمواد الخرسانية والذي يسبب الصدأ ثم التآكل.. هذا مقتطف من تقرير الهيئة العامة للموارد المائية بعدن الذي أعدته لجنة فنية من فرع الهيئة ومن المؤسسة المحلية للمياه والهيئة العامة للمواصفات بعد نزولها الميداني الذي شمل (87) معملاً للبردين والطوب في مديريتي دار سعد والمنصورة، كما شمل (24) بئراً من الآبار العشوائية التي تغذي هذه المعامل بالمياه غير المطابقة للمواصفات. حيث أجرت اللجنة خلال نزولها التحاليل الكيميائية والفيزيائية للمياه المستخدمة في تلك المعامل.. إننا ونحن نستعرض هذا التقرير ندرك مدى الخطورة المحدقة بالمواطنين وممتلكاتهم جراء جشع البعض واستهتارهم بالنظم واللوائح العلمية، ونعلم جيداً ما يمكن أن تلحقه هذه الممارسات من كوارث لا تحمد عقباها.. إذاً فإن الأمر يتطلب إجراءات صارمة ولا يمكن أن يغفل هذا التقرير المعد من قبل الهيئة العامة للموارد المائية ويظل حبراً على ورق في أدراج المكاتب. كما يجب أن ننوه الى أن تلك الآبار العشوائية تقوم أيضاً ببيع المياه للأغراض المختلفة وبالأخص لمعامل تعبئة مياه الشرب ومعامل الثلج وهذه المعامل يجب أن تفحص وتراقب لما تلحقه من أضرار صحية للمواطنين.. وعودة الى معامل البردين والبلاط فإني أورد هنا مثالاً حياً وواقعياً لخطورة هذه المعامل وهذا المثال يمكن لكل مواطن إدراكه بيسر وسهولة وهو ما يتعلق بأعمال تبليط العديد من المساحات في طرقات وشوارع عدن التي شملت أحياء ومواقع كبيرة، هذا التبليط بحسب تقديري كلف البلد مئات الملايين بل أكثر ولكن ما إن استكملت تلك الأعمال حتى برزت ظاهرة ملوحة البلاط في العديد من الشوارع والأحياء والطرقات ويشاهد تفتت وتآكل البلاط، الأمر الذي يعني ضياع المال والجهد بفعل عدم الالتزام تلك المعامل بالمواصفات العلمية للمياه المستخدمة في الإنتاج. هذه قراءة سريعة أضعها بين يدي الجهات المسئولة وفي مقدمتهم محافظ عدن/أحمد الكحلاني الرجل المشهود له بالمواقف الجادة..!