منذ ارتضى حكام أمة العرب لأنفسهم مهانة التسليم بالعجز دون مبرر ، تاركين لقضية الصراع العربي الصهيوني حرية الدوران في فلك ما اعتبروه خياراً استراتيجياً من وجهة نظرهم ، حيث عملية «السلام» الوهم التي تتولى الإدارة الأمريكية مهمة رعايتها لوحدها ، وقد جرى استمثارها صهيونياً عبر تقديم «الواقعيين» من بني جلدتنا مع الأسف الشديد سلسلة من التنازلات المجانية لأعدائنا وأعداء أمتنا. منذ ذلك الحين.. وحكماء كيان العدو يستحدثون بين يوم وآخر واقعاً جديداً على الأرض ، بغية إلهاء الجانب العربي المفاوض بعيداً عن نقطة الإنطلاق المفترضة للمفاوضات المتفق عليها بين الجانبين ، باعتبار هذا الواقع الجديد الذي تعمد الجانب الصهيوني استحداثه لغاية في نفس يعقوب كما يقولون ، بات بمثابة نقطة «الصفر» البديلة.. التي ينبغي أن تشغل بال المعنيين بالأمر في اللحظة الراهنة. ومايلبث الطرفان أن يقطعا شوطاً أو يزيد من تسويف الصهاينة ومماطلتهم العقيمة.. حتى يستحدث الجانب الصهيوني «صفراً» جديداً لاضاعة ماتيسر له من الوقت ، تماماً .. مثلما يفعل لاعبو كرة القدم كلما تقدم فريقهم على منافسه بهدف أو أكثر ، للحيلولة دون تمكينه من استعادة توازنه ، إلى أن يطلق حكم المباراة صافرته إيذاناً بانتهائها. وهكذا.. تتوالى «الأصفار» الصهيونية إمعاناً في إذلالنا ، وليس أدل على ذلك مما حدث.. حينما لجأ مغتصبو حقوق أهلنا في الوطن المحتل إلى محاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل «ياسر عرفات» في محل إقامته ، وانشغل جميعنا حينها بوقائع تلك المهانة المذلة ، وهو مالا يقل أثراً وتأثيراً مع الفارق بين الحالتين عما فعله العدو وعبر بنائه ما اصطلح على تسميته بالجدار العازل ، تحت ذريعة أنها الضمانة المثلى لتفادي عمليات المقاومة الفلسطينية ضد مواقع الاحتلال الصهيوني ، وانشغل الجميع على حد سواء بما ترتب على حماقة هذا التشطير الجغرافي لممتلكات بني قومنا هناك. وفي واقعة أخرى لاحقة.. اختطفت قوات الاحتلال الصهيوني الأخ أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من داخل سجنه التحفظي في المناطق الخاضعة اسمياً لإدارة السلطة الفلسطينية ، وانشغل الجميع بهاجس المطالبة بالافراج عنه ، وهو مالايختلف كثيراً عن واقعة اختطاف عدد لا بأس به من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني الحالي ، بالإضافة إلى عدد آخر من وزراء حكومية «هنية» المنتخبة ، وانشغل الجميع كذلك بواجب المطالبة باطلاق سراحهم. ولانعرف ما الذي يمكن أن يطرأ غداً أو بعد غد من مستجدات مفتعلة تشكل «اصفاراً» صهيونية مماثلة تضاف إلى ماسبقها وتجب ماقبلها. إنها مجرد عينة ليس إلا مما يبتدعه العدو بين الحين والآخر في محاولة خبيثة وماكرة للتلاعب بالوقت مستهدفاً بذلك إلهاء شركائه في عملية «السلام» إياها ممن مايزالون يقدمون له طواعية المزيد من تنازلاتهم المجانية المعهودة ، دون أن يحصلوا بالمقابل ولو على شبر واحد من حقوقنا التاريخية المغتصبة ، متجاهلين في ذلك حقيقة أنهم .. إنما يساهمون بالوعي أو باللاوعي في تثبيت ماجرى اغتصابه بقوة العدوان والتوسع ، في غفلة من الزمن وفي غفلة من التاريخ ، عبر اقرارهم بشريعة الاغتصاب ، ترتيباً على اعترافهم الرسمي بشرعية ومشروعية الكيان العنصري المصطنع ، ودونما تفويض من أحد.