- ابن النيل .. منذ منيت أمة العرب بما اصطلح على تسميته بحرب الخليج الثانية ،وخيارات المواقف الجامعة تتضاءل أمام جميعنا إلى حد غير مسبوق ،فلم يكن أمامنا نحن المسكونين بواحدية أمتنا منذ أول الوعي.. سوى أن نرفع الصوت عالياً في حينه ،محذرين من تبعات قبولنا مهانة فرض الآخرين وصايتهم علينا وتدخلهم في شئوننا ،بغض النظر عن أية اعتبارات سياسية أخرى ،وإن كان قد وقع بعدها ماسبق وإن أعربنا عن خشيتنا من مغبة وقوعه.. وليس أدل على ذلك مما آلت إليه أوضاع العراق في راهن الوقت. ولسنا أحسن حالاً في أيامنا هذه من ذي قبل ،ففي المشهد اللبناني.. يجد واحدنا نفسه مطالباً بانتقاء مالايتعارض مع قناعاته من بين عناوين أكثر من خيار سياسي.. يرى فيه أي من أركان الأزمة اللبنانية الراهنة مخرجاً مقبولاً لتلافي مالايحمد عقباه في حالة الاصرار على تصعيد وتائرها ،وهو مانضع أيدينا على قلوبنا خشية الاستهانة بما قد يترتب على ذلك من آثار ونتائج. فلانحن نقبل من جانبنا بإلغاء دور المقاومة الوطنية اللبنانية أو التقليل من شأن مواجهتها الاسطورية لمغتصبي حقوق أهلنا في الوطن المحتل ،إبان الحرب السادسة بيننا وبين كيان العدو ،ولانحن نقبل من جانبنا كذلك بأي قدر من التهاون فيما يتعلق بمرتكبي جريمة اغتيال الشهيد«رفيق الحريري» رئىس مجلس الوزراء اللبناني الراحل ،وسلسلة الجرائم السياسية المماثلة التي أعقبتها ،أو التواطؤ عليها تحت أية ذريعة كانت. وبين هذا وذاك.. نجد أنفسنا في حيرة بالغة من أمرنا ،لصعوبة التقريب بين محتوى خيارين رئيسيين.. من غير المقبول أن ننحاز لأحدهما على حساب الآخر ،ولكل منهما شرعيته ومشروعيته. وفي المشهد الفلسطيني.. نجد أنفسنا في دائرة الحيرة ذاتها ،فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن نتحول إلى مجرد شهود زور على فجاجة مايستهدف إجهاض نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة ،التي أسفرت عن تكليف حركة المقاومة الاسلامية«حماس» بتشكيل حكومة«هنية» ،وقد جاءت لتؤكد للجميع على حد سواء حقيقة انحياز انساننا العربي هناك لخيار المقاومة سبيلاً لانتزاع حقوقه من براثن مغتصبيها ،وهو مابدا واضحاً وجلياً في تضييق الخناق على هذه الحكومة المنتخبة.. بغية اجبارها على القبول بمالاتريده ولاترضاه ،بقدر مانجد انفسنا بالمقابل مطالبين بمباركة كل مامن شأنه إنهاء حالة الحصار المتعمد.. المفروضة على بني قومنا في المناطق المحررة اسمياً ،بينما هي في واقع الأمر تئن تحت وطأة الاحتلال الصهيوني البغيض. وكان الله في عون أمة.. ارتضى نظامها الرسمي أن يضعها في مهب التسليم بالعجز .