استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    مجزرة مروعة.. 25 شهيدًا بقصف مطعم وسوق شعبي بمدينة غزة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    وزير النقل : نعمل على إعادة جاهزية مطار صنعاء وميناء الحديدة    بيان مهم للقوات المسلحة عن عدد من العمليات العسكرية    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    الاتحاد الأوروبي يجدد دعوته لرفع الحصار عن قطاع غزة    كهرباء تجارية في عدن سعر العداد ألف سعودي والكيلو بألف ريال يمني    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    الصاروخ PL-15 كل ما تريد معرفته عن هدية التنين الصيني لباكستان    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    إصلاح المهرة يدعو لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة الكهرباء بالمحافظة    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    الكشف عن الخسائر في مطار صنعاء الدولي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة المقاومة بين الشروط الموضوعية والوسائل المشروعة "غزة نموجا"ً

إذا كان المشهد السياسي والعسكري العربي والإسلامي والعالمي إنطلاقاً من غزة الصمود والكرامة العربية قد قطع قول كل خطيب بين يقين انتصار المقاومة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وهزيمة المشاريع الصهيونية والإمبريالية في المنطقة على يدها قرب الوقت أم بعد وخزي وعار السياسات والمواقف اللاعربية واللاقومية لمعظم الأنظمة العربية التي ما عاد لها من مكان أو حق لا في إدارة شأن هذه الأمة ولا شرف الانتماء إليها ، لأن من يهون عليه شرف وكرامة أمته لا يسقط معه حق الولاية له عليها فحسب بل ولا يستحق معه شرف انتمائه إليها.. والحديث اليوم ليس عن تأكيد المؤكد أو توضيح الموضح في الشأن العربي والقومي والعالمي بل فيما هو أهم
وأعمق من ذلك فيما يتعلق بفلسفة المقاومة وثقافتها وشروطها الموضوعية ووسائلها المشروعة وتمييزها عن دعاوى الإرهاب والمناورات السياسية لكي نتعلم منها ونلتحق بمسيرتها من أجل نصرة الأمة وقضاياها والتحرر و الوحدة والتقدم.
أولاً: المفاهيم (الفرق بين المقاومة والإرهاب)
إذا كانت الأشياء تعرف بمسمياتها فإنها لا تفهم إلا بتعريفها وما يدور من تعميم وتعتيم والتباس بين مفهوم المقاومة من جهة والإرهاب من جهة أخرى لا يخفى على احد، وهو التعتيم واللبس الذي لا يرجع إلى صعوبة الفرق والتمييز بين مفهوم المقاومة كحق من حقوق الدفاع عن النفس والعرض والوطن ومفهوم الإرهاب والجريمة كعدوان مباشر وغير مباشر على الحقوق والأعراض والأوطان، بقدر ما يرجع إلى قصد التعتيم واللبس بحد ذاته كهدف مباشر وغير مباشر لخلط الأوراق والألوان وجعل الأبيض أسود والأسود أبيض، الأسوأ الذي يجعل من حجارة أطفال فلسطين إرهاباً والقنابل الفسفورية من طائرات الأباتشي دفاعاً عن النفس وحماية للتحضر في وجه الهمجية.
وهي لذلك وفي تقديرنا على الأقل تقتضي جملة من الشروط الموضوعية لنجاحها من جهة، وجملة من الوسائل النضالية في العمل من أجل شرعيتها من جهة أخرى، والمبين تحليل كل ذلك في الآتي:-
ثانياً: الشروط الموضوعية لنجاح المقاومة.
يمكن إجمال أهم الشروط اللازمة لإثبات نجاح ومشروعية أي مقاومة في التاريخ لأي شعب من الشعوب في يقين عدالة القضية التي تتبناها المقاومة، وإيمان المقاومة بالدفاع عن هذه القضية، والتسلح المكين بالعلم السياسي والعسكري الرفيع، والعمل المشترك مع مجتمع المقاومة لا بد وأنه بمعزل عنه، والانطلاق من مبدأ ثني الخصم عن عدوانه أو خطأه وليس مجرد الانتقام منه، ثم الاعتراف بالجانب الإيجابي في موقف الطرف الآخر وتشجيعه مهما كانت ضآلته، وتوضيح دلالة هذه الشروط الآتي:-
. عدالة القضية التي تتبناها المقاومة
إن ما يميز عمل أي جماعة مقاومة من قول صادق وعمل شريف عن قول أي جماعة كاذب أو عمل دنيء كجماعات النصب والاحتيال والجريمة المنظمة هو عدالة القضية التي تتبناها الجماعات المقاومة والمتعلقة باسترداد الحقوق المشروعة وحماية الأرض والعرض والدفاع عنه، وبالتالي فإن الدفاع عن القضايا العادلة واسترداد الحقوق المشروعة وحماية الأرض والعرض من العدوان والظلم لهو الشرط المسبق الذي من خلاله تتأكد مشروعية المقاومة ومبرر وجودها والذي بدون مثل هذا الشرط أو غيابه يصبح مفهوم المقاومة أو القول به هو مجرد كلمة حق يراد بها باطل.
يضاف إلى ذلك أن عدالة القضية التي تنبثق من خلالها شرعية المقاومة لا يقرر من وجه نظر المقاومين وحدهم أو مجتمعهم المقاوم معهم بل ولابد أن يقر بعدالة قضيتهم الآخرون من جماعات وشعوب ودول أخرى ممن ليسوا طرفاً مباشراً في القضية أو خصوماً أو مناصرين لها باعتبار هذا الأمر هو المقياس الأهم لعدالة القضية التي تعلن المقاومة من أجلها فالقضية الفلسطينية مثلاً.
2. إيمان المقاومة بعدالة قضيتها وحقها في المقاومة
لاشك أن ثبوت عدالة أي قضية شيء، والإيمان بحق المقاومة من اجلها شيء آخر ، فكل عربي مثلاً بل ومئات الملايين من المسلمين وغير المسلمين يقرون بعدالة القضية الفلسطينية أو الفيتنامية أو العراقية ويقرون بحق أصحاب هذه القضايا في المقاومة من أجلها، لكن القليل منهم جداً هم الذين يؤمنون بحقهم هم أنفسهم في المقاومة وواجبهم ومسئوليتهم المباشرة في القيام بها، والبون شاسع بين عدالة الحق والإقرار به من جهة وذلك هو شرط نجاح المقاومة وبيئتها السياسية والاجتماعية المناسبة وبين الإيمان بواجب ومسئولية استرداد هذا الحق أو الدفاع عنه بصورة مباشرة من جهة ثانية ،وهذا هو معنى المقاومة وجوهرها السياسي والاجتماعي الذي لا يشترط القيام به من كل من يقر بعدالته حتى ولو كانوا من أبناء مجتمع القضية أنفسهم ، بل قد لانعدم أن نجد فيهم من لا يقر بعدالة القضية نفسها.
3. امتلاك ناصية العلم السياسي والاجتماعي والعسكري
أ. ضرورة المعرفة العلمية العامة
المعرفة والمعلومة صارت اليوم أكثر من أي وقت مضى هي العامل الأهم في كل مقاييس التقدم والتفوق ليس فيما يتعلق بكل مناحي الحياة المتعلقة بالتقدم والتنمية الإقتصادية والاجتماعية فحسب بل وبالدفاع عن القضايا العادلة للشعوب والأمم والأفراد أيضاً، ناهيك عن التفوق العلمي والتكنولوجي الذي يشكل جوهر المعرفة والمعلومة في عالم اليوم، والمقاومة العادلة والمشروعة ليست إستثناء من ذلك، فهي اليوم علم متطور ولم تعد مجرد فدائي وبندقية..
ب. ضرورة العلم السياسي والإجتماعي للمقاومة.
كما أن المقاومة الوطنية المشروعة من أجل الانتصار للقضايا العادلة ليست كذلك استثناء من المعادلة المتعلقة بأهمية وأولوية امتلاك ناصية العلم السياسي والاجتماعي كشرط مسبق لضمان الانتصار ذلك أن تسلح المقاومة بسلاح الوعي والمعرفة السياسية الرصينة لهي الأداة الحاسمة لتمكين المقاومة من معرفة موازين القوى السياسية المحيطة بها وحدود من يقف معها وضدها وعلى الحياد ومن يمكن الإعتماد عليه إستراتيجياً ومن يمكن الإفادة منه مرحلياً أو تكتيكياً ومن يمكن الإنتقال به من الموقف المضاد أو المعارض إلى موقف الحياد ومن يمكن الإنتقال به من موقف الحياد إلى موقف المؤيد والمناصر ...الخ.
والتحلي بالمرونه وسعة الصدر والبال السياسي والإجتماعي واعتماد مبدأ الأخذ والعطاء وقبول الممكن على طريق ما ينبغي أن يكون دونما إفراط أو تفريط ودونما توتر أو ردود أفعال أو التورط في النظرة الضيقة ذات البعد الواحد.
فهذا إذاً هو العلم السياسي والاجتماعي للمقاومة والذي لا غنى لها عن فهمه والإلتزام به لأنه يرتبط بما هو أهم من مقاومة ومجاهدة الأعداء والخصوم بالقوة وهو الجهاد الأكبر للنفس في الذات والآخر، لأن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ج.أهمية العلم التقني والعسكري
تقنية العلم التكنولوجي بشكل عام والعسكري منه على وجه الخصوص هو أحدى الشروط المحورية والإستراتيجية الهامة لأية مقومة وطنية، ذلك أن العدوان الذي يتطلب المقاومة غالباً ما يكون متفوقاً في عدته وعتاده سواء كان سلطاناً مستبداً في الداخل أو عدواناً سافراً من الخارج مقاومة العدوان لم تعد اليوم كما كنت في الماضي تعتمد على شجاعة الرجال ورباطة جأشهم وتوفير عدتهم وعتادهم اللوجستي وحتى القتالي التقليدي بقدر ما أنها قد صارت إلى جانب كل ذلك بل وفي مقدمته ضرورة الإستيعاب الدقيق لتقنيات العلوم العسكرية الحديثة بداً بالأسلحة والمعدات مروراً بوسائل الإتصال وتبادل المعلومات الحديثة وإنتهاءً بتقنيات الحصول على المعلومات الإستخبارية عن الخصم والحيلولة دون حصوله عليها من المقاومة.
يضاف إلى كل ذلك ضرورة إمتلاك تقنيات مادية وثقافية متقدمة الإدارة معركة الإعلام والحرب النفسية بما يضمن إختراق نفسية الخصم وحماية روح المقاومة من الإختراق المعنوي وبما لا يضر بمصداقية الخطاب المقاوم ويحمله على التضليل أو الكذب على النفس وعلى الآخرأيضاً.
4. العمل مع مجتمع المقاومة وليس بدونه أو بمعزل عنه
أ. مجتمع المقاومة هو المتغير الرئيسي والمقاومة كمتغير تابع
أن تعمل المقاومة ضد العدوان أو الظلم والإستبداد الواقع على وطنها ومجتمعها فذلك حقها نعم كطليعة نضالية، لكن هذا الحق مشروط بشراكة ودعم مجتمع المقاومة المؤمن بهذا الحق وصاحبة الأول، لا أن تمارس هذه المقاومة حقها بدون المجتمع أو بمعزل عنه، لأن مثل هذا الإنفصام بين المقاومة ومجتمع المقاومة لو حدث سيكون من الاستحالة بمكان وأشبه ما يكون بإستحالة أن يعمل رأس بلا جسد، أو سير قدمين في الهواء وبدون طريق على الأرض، بل أن الأصل في عدالة وشرعية المقاومة هو مجتمع المقاومة وليس مجرد جماعة المقاومة بحد ذاتها.
بإعتبار أن مجتمع المقاومة وقضيته العادلة هو الأصل والمتغير الرئيس لاثابت بينما العمل المقاوم والجماعات المقاومة هي المتغير التابع والثانوي، لأن المجتمع أي مجتمع هو باق ومستمر دون حاجة إلى مقاومة إذا لم تكن لدية قضية تتعلق بعدوان خارجي أو ظلم وإستبداد داخلي بل ويستطيع البقاء والإستمرار مع وجود حالة من العدوان والظلم حتى مع غياب المقاومة.
فوجود المقاومة وشرعيتها مرتبط دائماً بوجود المجتمع ووجود القضية العادلة التي تخص هذا المجتمع أكثر من المقاومة، وإيمان الكل بها لأن الجماعات العاملة بالقول أو الفعل المنظم بدون مجتمع داعم وقضية عادلة هو ما يميز جماعات التآمر والإجرام والإرهاب المنظم عن جماعات المقاومة الوطنية الشريفة.
ب.علاقة التماس والتداخل بين المقاومة ومجتمعها
مع الأخذ في الإعتبار أن القواسم المشتركة بين المقاومة ومجتمعها وشعبها ليست مفتوحة بالمطلق فحيثما ينتهي الخط الإستراتيجي للمجتمع المقاوم يبدأ خط المقاومة، حيث أن خط مقاومة المجتمع يبدأ بالحفاظ على إيقاع وصيرورة الحياة اليومية للناس بأقصى درجة من الإستقرار والفاعلية عملاً وإنتاجاً وفنياً وثقافة بل وفرحاً وحزناً وحباً وثقة بالحاضر والمستقبل وغير ذلك من كل ما تتطلبه حياة البشر في الظروف العادية والذي ينبغي وضع هذا الأمر ضمن أولويات مهام المقاومة نفسها، مروراً بإيمان المجتمع بعدالة قضيته وتجسيدها اليومي في نفسه وإنتهاءً باحتضانه للمقاومة وحماية ظهراً أيواءاً ودعماً وتشجيعاً ورفدها مادياً وبشرياً وروحياً مع عدم الخوض في تفاصيل عمل وفعل المقاومة او تفاصيل برامجها الداخلية الخاصة فتلك هي نقطة نهاية مقاومة المجتمع العام ونقطة بداية عمل وفعل المقاومة الخاص.
وإذا كان لنا من ذكر نموذج رائع الإيقاع مثل هذه العلاقة بين المقاومة والمجتمع المقاوم فما من شك بأن حزب الله والمقاومة اللبنانية هي النموذج الأروع ليس فيما يتعلق بشرط عمل المقاومة مع مجتمع المقاومة وليس بدونه أو بمعزل عنه بل وفيما يتعلق بكل الشروط السابقة الأخرى، بداً بعدالة القضية والإيمان بحق المقاومة من أجلها مروراً بالإمساك القوي والثابت بناصية العلم السياسي الرفيع والعسكري المتفوق، أما النماذج الأقل إستيفاءً لمثل هذه العلاقة المثلى فالمقاومة الفلسطينية بشكل عام المخترق ظهرها بعمق من أهلها لصالح أعدائها من الصهاينة، وكذلك المقاومة العرقية التي يتداخل فيها خط المقاومة الوطنية الإسلامية الحقة ضد الإحتلال مع خطوط النزوات الطائفية الخطيرة والإتجاهات التفكيرية المدمرة العاملة في صالح الاحتلال بوعي منها أو بدونه.
5. رد الخصم عن عدوانه وليس مجرد الإنتقام منه أو إلغائه
ربما تكون هذه النقطة أو الشرط الأساسي من شروط مكونات المقاومة المشروعة هو من أكثر الشروط غموضاً أو أقلها وضوحاً وأخذاً في الأعتبار سوءاً بالنسبة لمجاميع المقاومة، حيث غالباً ما تنجر المقاومة ومجتمع المقاومة تحت وطأة قسوة العدوان أو بطش الإستبداد أو حتى غرور الانتصار على إنعدام الرؤية الحسنة لخارطة حدود ومواقع المواجهة ومستوياتها سواء على الصعيد السياسي والاجتماعي أو العسكري ، بحيث يبدو كل شيء في جانب الخصم بلون واحد هو اللون الأسود من جهة وممارسة المواجهة من منطلق ردود الفعل بلون واحد فقط هو نفس اللون في الغالب ودونما خطوط محددة.
فإذا ما مارس الأعداء والخصوم الكذب فإن المقاومة قد تفعل الشيء نفسه عن نفسها وعن خصومها، وإذا ما مارس البطش والتعذيب والتنكيل بالمقاومة ومجتمع المقاومة فإنها قد تفعل الشيء نفسه لمجرد الانتقام ورد الفعل وكيفما أتفق وحتى ممارسة الفعل للقتل من قبل العدوان الخارجي أو الاستبداد الداخلي قد يقابل بنفس الممارسة ولذات الهدف" مجرد القتل للقتل" بل ربما تتجاوز المقاومة قاعدة رد الفعل والانتقام إلى الإمساك بزمام المبادرة للفعل الانتقامي أو الثأري العشوائي وتجعل من الأعداء والخصوم في موقف ممارسة رد الفعل.
وهكذا مقاومة تصبح عن يقين مجرد نسخة طبق الأصل لأعدائها وخصومها وتصبح مع خصومها مجرد وجهين لعملة واحدة ويكون خصوم المقاومة بذلك نجحوا في إستنساخ صورة إضافية حقيقة لهم من المقاومة بدلاً من أن تنجح المقاومة في إختراق خصومها واستنساخ صورة لها منهم كما هو المفترض باعتبارها الأفضل منهم.
6. خلاصة التحديات الصعبة أمام أي مقاومة
وخلاصة القول أن التحديات والصعوبات للمقاومة الحقة بشكل عام تتمثل بالحقائق والخطوات الآتي:-
‌أ. إعتماد مبدأ المقاومة والحسم السياسي في مقاومة العدوان والظلم باعتباره الوسيلة الرئيسية والهدف النهائي لأي مقاومة وطنية عادلة أو إنسانية عامة وبأبعادها الإقتصادية والإجتماعية والمدنية المختلفة.
‌ب. جعل مبدأ المواجهة بالقوة العسكرية كحق من حقوق الدفاع عن النفس أولاً ثم منع وقوع العدوان أو الظلم ثانياً ومن باب حمل الظلم والعدوان على الكف عن ظلمه وعدوانه بالقوة ثالثاً، وجعل العمل المسلح في كل الأحوال وسيلة أخيرة وتابعة للرؤية السياسية وفي خدمتها وليس العكس رابعاً وأخيراً.
‌ج. أن يستهدف من كل أشكال المقاومة السياسية والاقتصادية والإجتماعية وحتى العسكرية رد الخصم عن ظلمه وعدوانه بالدرجة الأولى وتغيير موقفه وسلوكه وتفكيرة نحو الأفضل الذي تمثله المقاومة بالدرجة الثانية.
‌د. التحلي بدرجة عالية من المصداقية مع النفس ومع الخصم وجعلها ميزة تفوق موضوعي ومعنوي للمقاومة على أعدائها وخصومها الذين عادة ما يفتقرون لمثل هذه المصداقية كمعتدين وغزاة او مستبدين.
‌ه. الحذر من مجرد الانتقام والثأر منه أو إلغائه عبثاً وبالتالي استنساخ صورة منه لا تختلف إلا من حيث التسمية او القول الذي يتناقض مع الفعل والصورة التي تتناقض مع المضمون.
‌و. الحذر من عملية الشخصنة المفرطة في قيادة وإدارة شئون المقاومة من الداخل والتي يجب ان تتمتع بدرجة عالية من مبادئ الشراكة والمبادرات الذاتية والمسئولية الفردية والجماعية والممارسة الديمقراطية الثورية النقية مع الأخذ في الإعتبار أهمية القيادات الرمزية المعلنة في مواجهة الخصوم والأعداء.
ثالثاً: الوسائل المشروعة لعمل المقاومة
أولاً والمقاومة المدنية(المظاهرات-المقاطعة- العصيان المدني)..ثانياً ثم الدفاع عن النفس ثالثاً، وقوة الردع والهجوم بما يخدم كل الوسائل السابقة وما لايتعارض معها رابعاً وأخيراً، وذلك ما تتضح أبعاده من خلال الآتي:-
1. وضوح وقوة الحجة بالحق المطلوب
ان وضوح وقوة الحجة المتعلقة بقضية المقاومة هي أولى أولويات وسائل العمل المقاوم لأنها لا تضمن قوة الممانعة السياسية والإجتماعية والنفسية لمجتمع المقاومة وكسب الأنصار والأصدقاء والمتعاطفين من داخل وخارج مجتمع المقاومة فحسب بل وهي كذلك صمام أمان إتساق الإيقاع الداخلي لمنظمات العمل المقاوم من الارتجالية والعشوائية والوقوع في مزالق الارتبارك والتناقض والفوضى في فهم تفاصيل العمل المقاوم على الأقل، بل أن وضوح وقوة الحجة المتعلقة بعدالة قضية أي مقاومة يتجاوز تأثيره كل ماسبق إلى اختراق صفوف العدوان والظلم والإستبداد نفسه، فهو يساعد على تغيير مواقف البعض وتحييد البعض الآخر، ويقود في النهاية إلى اضطرار الطرف الآخر للتسليم بحق المقاومة وشعب المقاومة سلماً أو الاستسلام للقوة السياسية والعسكرية عند الضرورة، حيث تلعب قوة ووضوح الحجة المتعلقة بعدالة قضية المقاومة الدور المباشر وغير المباشر للوصل إلى النتيجة المرجوة ، وإذا كان "في البدء كانت الكلمة" كما تقول حكمة السيد المسيح فإن نهاية كل شيء يتم بالكلمة أيضاً.
2. طلب الحق بالمقاومة السلمية
لا يترتب على وضوح وقوة الحق كوسيلة أولى إلا طلب الحق نفسه كوسيلة ثانية بالطرق والوسائل المدنية والسلمية كشكل رئيسي من أشكال المقاومة والتي لا ينبغي قط التقليل من شان هذه الوسيلة كأداة إستراتيجية للمقاومة وانتصار قضيتها الممكن بهذه الوسيلة على غرار ما فعله غاندي في الهند قديماً والخميني حديثاً في إيران وأخيراً الثورة البرتقالية في أوكرانيا.
ذلك أن الشائع خطأ هو أن مفهوم المقاومة مرادف لمفهوم العنف العسكري فقط ضد الظلم والعدوان وهذا الفهم هو ما لا يسيء إلى المفهوم الحقيقي للمقاومة المشروعة فحسب بل ويخرج بها عن سياقها الإستراتيجي المشروع إلى مجرد إحتراف العنف العشوائي المدمر الذي لا عقل له ولا ينتهي إلا إلى صورة أخرى من العدوان والظلم نفسه إذا لم تكن أسوأ ، فالعنف هو أحد وسائل المقاومة وأقل خياراتها المفضلة وليس غاية بحد ذاته، وهو خيار يفرضه الخصم وليس المقاومة كما ستوضح ذلك بعد قليل.
حيث يجب أن نتذكر بان هذا المستوى من المقاومة السلمية بخطواته وآلياته السياسية والمدنية المختلفة والذي بمقدار ما أنه يمثل الخيار الأهم للمقاومة المشروعة فإنه الخيار الأصعب فيها بكل تأكيد ، والذي يبدو معه العنف والعمل المسلح أقل صعوبة بكثير وأقل أهمية وإنجازاً في كثير من الأحيان، لأن خيار المقاومة السياسية والاجتماعية يرتبط بحرب وجهاد النفوس وتغييرها وإصلاحها بينما يرتبط الخيار الآخر بمجرد الخلاص منها، وشتان بين من يصلح نفساً فاسدة أو يحملها على الصلاح وبين من يبحث عن مجرد الخلاص منها بالقوة والقتل، وهذا لا يعني قط إلغاء مبدأ المواجهة بالقوة بل جعل العنف خياراً للخصوم بالدرجة الأولى لكنه إذا ما فرض فينبغي التعامل معه إلى أقصى حد بداً بحق الدفاع عن النفس مروراً بإيقاف العدوان وإنتهاء بهزيمته عسكرياً ولكن دون أن ننسى بأن مقاومة العنف العسكري هي متغير تابع لخيار المقاومة السياسية والاجتماعية وليس العكس وهذا ما يتضح في البند التالي.
3. وسيلة الدفاع عن النفس وهزيمة العدوان عسكرياً
أن ما لا حظناه في البند السابق فإن هذا لا يعني قط إلغاء مبدأ المواجهة بالقوة من قبل المقاومة المشروعة للعدوان والظلم بل يعني إدراك المقاومة لكيفية إستخدام هذه الوسيلة ومدى حدود هذا الاستخدام وزمانه ومكانه، وأولى شروط استخدام هذه الوسيلة الهامة أن يترك للخصم مبدأ الخيار الأول في ممارسة هذه الوسيلة باعتبار الحرب والعنف والقتل والظلم والاستبداد هي خواص وصفات أبعد ما تكون عن المقاومة المدافعة عن الحق وأكثر ما تكون التصاقاً بالظلمة والمعتدين من خصومها، بل ولأن العدوان والظلم ينهزم بسهولة وسرعة في معركة المقاومة والجهاد السلمي ولايجد أمامه من مخرج سوى التسليم بالحق والرجوع عن الظلم أو العدوان وهو الخيار الأفضل بالنسبة له وللمقاومة وكفى الله المؤمنين شر القتال، أما الخيار الأسوأ والألصق بطبيعة العدوان فهو أنه أمام إنهزام العدوان في وجه المقاومة السلمية كثيراً ما يلجأ هو إلى العنف وقوة البطش العسكري والقمعي المتهور، خصوصاً حينما يكون ميزان القوة العسكرية والقمعية يميل في صالحة، وفي مثل هذه الحالة يتوجب على المقاومة أن تحسب كل حساباتها وتعد كل عدتها للتعامل مع هذا الخيار المعادي بدءاً بالعمل على إمتلاك ناصية المعرفة والعلم العسكري الدقيق كشرط جوهري من شروط وجود المقاومة نفسها كما سبق وأن أوضحنا في بعد سابق من هذه الدراسة مروراً بممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس والحد من وطأة عنف العدوان والبطش قبل وقوعه وانتهاء بالإجهاز عليه وضرورة هزيمته عسكرياً كخطوة على طريق استسلامه سياسياً واستعادة الحق المغتصب أو رفع الظلم المتفحل وتحقيق الانتصار الحقيقي والنهائي وبعيداً عن كل مفاهيم القتل للقتل.
رابعاً: شرعية المقاومة
تنطلق شرعية المقاومة من بعدين رئيسيين لايحتاجان إلى كثير من عناء التوضيح والتحليل بقدر ما يحتاجان إلى التذكير والتأكيد، وهما البعد الإنساني العام والبعد الديني والوطني الخاص والموضح كل منها في الآتي:-
1. البعد الإنساني العام لشرعية المقاومة
إن كل الشرائع والقوانين الدولية العامة قد أقرت بحق كل الشعوب والأمم في مقاومة الظلم والاستبداد الداخلي والاستعمار والغزو الخارجي وأكدت على حق كل شعوب وأمم الأرض في تقرير مصيرها المتعلق بخياراتها السياسية المستقلة فيما يعرف بأهم مبدأ من مبادئ الأمم المتحدة وهو مبدأ "حق تقرير المصير" بما في ذلك حق مقاومة الغزاة والمعتدين، كما أنه في المقابل لا يوجد أي تشريع عام أو خاص ينص على إلغاء حق أي شعب من الشعوب في الدفاع عن نفسه ومقاومة المعتدين عليه بالطرق المباشرة أو غير المباشرة، والمشكلة لم يعد تتعلق بعدم وجود الشرعية الدولية والإنسانية لحق الشعوب والأمم في مقاومة الغزو والظلم والإستبداد وإنكارها قط بقدر ما تتعلق بمبدأ إحترام هذه الشرعية والالتزام بها وعدم أختراقها والرمي بها عرض الحائط من طراز ما تقوم به دولة الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني الذي طرد من أرضه وينكل بما تبقى منه في الداخل والخارج ، وما تمارسه إمبريالية الإدارة الأمريكية في البيت "الأسود" تجاه العالم كله من الغزو وشن الحروب العدوانية الصارخة وإنتهاك كل الحقوق الإنسانية بدءاً بما جرى في فيتنام وما يجري اليوم في أفغانستان والعراق والصومال ولبنان بالتنسيق والتحالف مع الكيان الصهيوني وبقايا الإستعمار القديم.
2. الشرعية الدينية الإسلامية للمقاومة
أما ما يتعلق بالشرعية الدينية بصفة عامة والإسلامية خاصة للمقاومة فقد كانت هي الأسبق تاريخياً من الشرعية الدولية الحديثة لقوله تعالى منذ مايزيد على (1400) سنة {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{40}صدق الله العظيم –(الحج 39-40) ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام :(من قتل دفاعاً عن عقال بعير من حقه فهو شهيد) ومبدأ الجهاد في الشرع الإسلامي دفاعاً عن الحق والعرض والوطن مبدأ ثابت لا يحتمل اللبس، ومن أهم ما يميز فلسفة الجهاد والمقاومة في الإسلام أنها ترتكز على نفس المبادئ والشروط المشار إليها في بنود بداية هذه الدراسة والمتعلقة بأحقية وعدالة الجهاد والمقاومة.
1. من فتح المقاومة إلى فتح المساومة
بعد 1956م وما بعد إنطلاقة حركة فتح الانتفاضة والمقاومة تحديداً فإن القضية الفلسطينية وبفضل هذه الحركة المقاومة كنضال سياسي وعسكري فد أستعادت حيويتها على الأرض فلسطينيًا وعربياً وعالمياً بقيادة المناضل التاريخي الجسور ياسر عرفات كخط سياسي وشعبي مقاوم، كما أستعاد الخط الرسمي العربي والفلسطيني بعض حيويته أيضاً بفضل المقاومة الفتحاوية أيضاً على الصعيد الوطني الفلسطيني ممثلاً بمنظمة التحرير القديمة الجديدة ذات الشكل الكبير والمضمون الأقل من القليل كنسخة طبق الأصل من النظام العربي الرسمي حتى اليوم، وعلى الصعيد القومي العربي بكثير من الأقوال وقليل من الأفعال، وإذا كان أفضل ما في حصيلة الخط الرسمي العربي من 1956م وحتى أكتوبر 1973م هو تجسيد الوعي بالقضية على المستوى القومي والدولي والمقاطعة والممانعة القوية ضد مساومات التفريط بأي حق وطني أو قومي في القضية فإن أسوأ ما في هذه الحصيلة هو التواطؤ المباشر وغير المباشر في المواجهات وحروب الهزائم العسكرية النكراء كما سبق وأن حللنا ، أما حصيلة خط المقاومة الفتحاوية فثبات على الأرض والمبدأ وتقدم مطرد في القول والعمل إلى حد إنتزاع الاعتراف الدولي العام بكامل حقوق الشعب الفلسطيني وبدء تجسيدها على أرض الواقع حتى أوسلو عام 1993م حينما تحولت فتح المقاومة والإنتفاضة إلى فتح السلطة والمساومة.
أما خط الخطاب السياسي العربي الرسمي عموماً فقد تحول انطلاقاً من كامب ديفيد 1973م وحتى الآن وبمفارقات دراماتيكية عجيبة تحول من موقف التحريض القوي ضد الإحتلال الأسرائيلي والممانعة والرفض بكل تمدداته وأطماعه بقيادة عبد الناصر رغم الفشل والهزائم العسكرية إلى الإعتراف به وتمدداته على الأرض والعرض والكرامة العربية في زمن الإنبطاح الساداتي الرديء بل ودعوة البقية إلى التطبيع معه والتطبع بطبعه إن أمكن، والذين تزاحموا على شباك بيع بطاقات التطبيع من موريتانيا إلى بيروت ولم يكن خط المقاومة الفتحاوية بأقل دراماتيكية من خط النظام السياسي العربي الرسمي والذي هب مهرولاً مرة إلى أسلوا سراً وأكثر من مرة إلى البيت الأبيض علناً منضماً بذلك إلى موكب النظام العربي الرسمي المعاهد والمطبع سراً وعلانية جرياً وراء سراب السلام والدولة الفلسطينية القابلة للعيش، الدولة التي تنازل من أجلها ياسر عرفات عن قيادة شعبه ومكانته العربية والعالمية كمقاوم ليصبح سجين أسوار المقاطعة الضيقة في رام الله بلا شعب وبلا مكانة وبلا دولة حتى مات مسموماً لأنه رفض من طيب معدنه الوطني وبعد أن أدرك الحقيقة المرة أن يقول الكلمة الأخيرة في كامب ديفيد الثانية لصالح العدو الصهيوني ويوقع عليها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك كما فعل السادات مع بيجن من قبل بعد أن أدرك حقيقة وهم الدولة الفلسطينية المنتظرة بقلب أبيض من البيت الأسود في واشنطن، وفضل الموت دون ذلك وكان له ما أراد وللعدو منه ما يكره، وصارت فتح بعد عرفات تتخبط خبط عشواء بين أوهام الدولة والسلطة الرسمية المنتظرة كمنحة أو هبة من تل أبيب وواشنطن، وواقع المقاومة السياسية والعسكرية بآفاقها الجديدة والتي هوت بفتح إلى حيث أودت بنفسها هي إليه سياسياً وعسكرياً، ما لم تنقذ نفسها اليوم وفي اللحظة الأخيرة وقبل فوات الأوان، وأن تراهن على شعبها وأمتها العربية الإسلامية بدلاً من أعدائها لأن العدو يسلم بالحق مكرها ولا يعطيه هبة ومنحة.
2. من فتح التاريخ إلى حماس المستقبل
لكن منطق الزمن ووجدان الأمة لم يتوقف عند زمن ومنطق المطبعين في النظام العربي الرسمي بما فيه مجموعة القطط السمينة في مقر المقاطعة في رام الله قبل وبعد عرفات من المنتفعين بفتات الموائد الأمريكية والأوربية والعربية المترفة، حيث ما كادت تشيخ فتح الانتفاضة والمقاومة وتنحرف بها مجموعة القطط السمينة بعد عرفات حتى كانت الأرض الفلسطينية الولود قد أنجبت لخط الصمود والمقاومة من هم أشد بأساً وأصلب عوداً وأنطق قلباً ويداً من فصائل المقاومة المختلفة وعلى رأسها (حماس)، (حماس) التي قيل عنها عند نشأتها قبل أقل من عشرين عاماً بأنها صنيعة القوى الصهيونية والرجعية والإمبريالية اليمينية على اختلاف أماكنها ومسمياتها في مواجهة المد اليساري التقدمي المتصاعد لفتح والديمقراطية والشعبية وقتها، على غرار احتشاد كل القوى اليمينية مادياً ومعنوياً وراء المقاومة الإسلامية وبن لادن في المقدمة ضد السلطة اليسارية لنجيب الله في أفغانستان والنفوذ السيوفيتي وقتها هناك، حيث كان الشعار المطروح وقتها في إدارة الصراع المحلي والدولي هو "ما لماركس إلا محمد" من اليمن إلى أفغانستان مروراً بفلسطين وباكستان وحتى الجزائر، مع حرص المنتجين والمخرجين لتلك المسرحية الأكذوبة من الرياض إلى قاهرة السادات وحتى البيت الأبيض على انتقاء أسوأ ما ألصق كذباً بالدين الإسلامي من تعصب وتطرف كدين بن لادن في أفغانستان، وأسوأ ما في اليسار والاشتراكية (كبول بوت) في كمبوديا، بدلاً من إسلام مهاتير محمد في ماليزيا واشتراكية كاسترو في كوبا، ولكن رياح التاريخ وقوانينه غالباً ما تجري بما لا تشتهي نفوس العابثين والمصرين على السير في الاتجاه المعاكس.
وإذا كان التحليل السابق يصدق إلى حد كبير على خط بن لادن الذي تحول من المجاهد الأكبر في قاموس الخطاب السياسي الأمريكي في الثمانينيات إلى الإرهابي الأكبر في نهاية الألفية السابقة وبداية الألفية الجديدة وحتى الآن، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لحماس لا من حيث النشأة ولا من حيث النتيجة، فحماس تستمد جذورها من أفضل ما في أقدم وأعرق حركة سياسية ودينية إسلامية في العصر الحديث وهي حركة الأخوان المسلمين، إن صحت مقولة هذا الافتراض، وتتصدى لاعتى عدوان وأعظم مظلمة وقعت على شعبها الفلسطيني الصامد، ولم تك يوماً طوال عمرها الفتي الذي لم يتجاوز بعد عقده الثاني باحثة عن سلطة بالمؤامرة أو التواطؤ أو محاربة لحساب أحد بالوكالة، إنها وإن كان خطها الوطني الإسلامي النظيف قد بدأ مختلفاً عن خط فتح الوطني والقومي الشريف فإن هذا الاختلاف والتنوع على الأصح قد كمل بعضه بعضاً وأتت (حماس) بما كانت تفتقر إليه (فتح) وتعلمت من خبرة (فتح) ونضالها الوطني المديد ما جهلته معظم الحركات الإسلامية المتطرفة والمتهورة الحمقى على امتداد الساحة العربية والإسلامية، بدءاً بمصر (الأسلامبولي)، و(طالبان) أفغانستان والقاعدة، وحتى (زرقاوي) العراق، و(حوثي) صعدة اليمن.
حماس إذن بالدرجة الأولى وكل اشكال المقاومة الوطنية الفلسطينية هي خلاصة تجربتنا الوطنية والقومية ورمز تاريخنا النضالي وحاضرنا الممانع والمقام ومستقبلنا المنتصر بإذن الله، (حماس) الطهُر والإيمان والمقاومة التي حققت على أرض فلسطين في أقل من عقدين عسكرياً وسياسياً ما عجز عنه غيرها داخل وخارج الوطن الفلسطيني من عشرات الدول العربية وملايين البشر المغلوبين على أمرهم فيها، وتجاوز خط الممانعة والمقاومة بفضل (حماس) وكل فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى كل خطوط المواجهة الرسمية الفلسطينية والعربية معاً مع العدو الصهيوني داخل وخارج فلسطين.
3. ( حماس) المقاومة بين مطرقة العدو الصهيوني وسندان النظام العربي
لكن السؤال الأخير والأهم في موضوعنا هذا المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي بصفة عامة والمقاومة الفلسطينية خاصة، هو ماذا عن موقف خط المواجهة الرسمي للنظام العربي من خط المقاومة وحماس تحديداً، بدءاً من المراهنين على سلام التفاوض بين الذئب والحمل، مروراً بالمطبعين بلا ثمن في السر والعلن، وانتهاء بالمتآمرين بلا خجل؟ ولا ندري هل هو من حسن الحظ أو من سوءه أن الرد على مثل هذا التساؤل قد صار من البساطة والوضوح المخزي ما جعل من النظام العربي الرسمي أضحوكة العدو قبل الصديق وشر البلية ما يضحك، فإذا ما تجاوزنا جزئيات الإجابة الأولى عن أن حماس والمقاومة الفلسطينية عموماً ترفض الاعتراف بإسرائيل أو التطبيع معها والنظام العربي الرسمي يصر على الاعتراف والتطبيع بدون مقابل يُذكر بدءاً من (كامب ديفيد السادات) و(وادي عربة الأردن)، وحتى (أوسلو عرفات)، وأخيراً قمة بيروت المبجلة، وفي حين أن شكلياً على الأقل المقاومة تقاتل الاحتلال على الأرض فإن الأخطر هو أن النظام السياسي العربي قد تجاوز قاموس خطاب الشجب والإدانة القديم للعدو الصهيوني إلى إدانة المقاومة وحصارها وتجويعها، بدءاً من مقاطعة (أبو مازن) والقطط السمينة من حوله في رام الله، مروراً برأس النظام في مصر العروبة، وحتى الأسرة الحاكمة في عمان، وقبل أن يدينها ويتوعدوها راعي البقر والخنازير والقطط الأكبر في البيت الأسود في واشنطن أو الراعي الأصغر في تل أبيب، أما الأدهى والأمر من كل هذا وذاك فهو أن يفوز خط المقاومة حماس بثقة الشعب الفلسطيني الصابر والمجاهد في أكثر الانتخابات الوطنية والديمقراطية نظافة وشفافية على المستوى الدولي وبإقرار العدو قبل الصديق فيبادر خط النظام السياسي العربي الرسمي في المقابل بتقديم "التهاني" العلنية بضرورة عدم تمكين (حماس) من تشكيل الحكومة ما لم تعترف بإسرائيل والاعتراف باعترافات النظام العربي الرسمي بإسرائيل يبدأ من معاهدات الاستسلام في كامب ديفيد بإمريكا ووادي عربة في الأردن مروراً بأوسلو وحتى قمة بيروت عام 2000م وإذا لم تقبل حماس بذلك فإن المقاطعة السياسية والحصار الاقتصادي والعسكري والتجويع للشعب الفلسطيني عقوبة له على انتخاب حماس هو الرد الأولي على ذلك، بل ولقد باشر النظام العربي الرسمي المقاطعة والحصار والتجويع قبل أن يُطالب حكومة حماس بالاعتراف والتطبيع، هذا هو ما صار يمارس علناً بدءاً من رام الله مروراً بعمان
والقاهرة فالرياض وحتى تل أبيب وواشنطن حيث يصنع القرار أصلاً، أما ما لم يكن معلناً فهو الأخطر على الإطلاق وهو ما يتعلق بإطلاق يد إسرائيل وآلتها العسكرية الهائلة لتصفية حماس والمقاومة الفلسطينية عموماً بالإبادة المنظمة للبشر والشجر والحجر تحت سمع وبصر النظام العربي الرسمي إن لم يك ذلك بمباركته غير المُعلنة حتى تخلصهم إسرائيل من هذا الصوت والفعل المقلق بالنسبة لهم والخطر المُحدق بالنسبة لها، وعلى نحو ما فعلوا ويفعلون مع المقاومة اللبنانية في حربها السادسة والمنتصرة على اسرائيل في يوليو أغسطس 2006م
4. غزة الانتصار السياسي والعسكري
بعد ثلاث سنوات من القصة المعجزة (انتصار المقاومة اللبنانية) على العدو الصهيوني لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني في تموز 2006م، تأتي القصة الأكثر إعجازاً لصمود وانتصار المقاومة في غزة في ديسمبر يناير 2008م/2009م مع الأخذ في الاعتبار الفروق الجوهرية بين الحدثين زماناً ومكاناً وعدة وعتاداً لا فيما يتعلق بالمقاومة فحسب بل والعدو الصهيوني نفسه ومن يدور في فلكه من قوى الاستكبار والأمبريالية وذيولها وأنيابها المتقدمة في النظام السياسي العربي والفلسطيني نفسه في رام الله مع الأسف الشديد.
فإذا كان قد أُريد في حرب لبنان 2006م القضاء على المقاومة اللبنانية كخطر محققٍ على أمن إسرائيل والمصالح الإستراتيجية الإمبريالية في المنطقة بالتواطؤ والتنسيق مع بعض الأنظمة العربية بدعاوى التطرف وأكذوبة الفتنة الطائفية القديمة الجديدة للتسنن والتشيع التي ما أنزل الله بها من سلطان وباأت بالفشل، فإن ما أُعد لعدوان غزة 2008/2009م من قِبل نفس الأطراف لم يكن مجرد بحث عن تأمين ما عجزوا عن تأمينه في عدوان 2006م بل وبحثاً عن انتقام مدمر لرد اعتبار كرامتهم التي مُرغت بالوحل في لبنان من مقاومة أقل عدداً وعدة وعتاداً في غزة وأكثر محاصرة وتجويعاً على مدى ثلاث سنوات من قبل أعراب الأمريكان والصهاينة قبل الصهاينة والأمريكان أنفسهم بل وأكثر منهم، وبمقدار ما كان حقدهم أكثر على المقاومة وحرصهم أشد على القضاء عليها في غزة كان وقع فشلهم وهزيمتهم أمام صمودها لأكثر من 23 يوماً أشد وطأة ورد الله كيدهم في نحورهم مصدقاً لقول عز من قال (وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)، ولقوله (إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) صدق الله العظيم.
والسؤال الأهم والمفتوح بلا حدود هو لماذا أنتصرت المقاومة في جنوب لبنان بالأمس القريب وفي غزة اليوم وكيف ينبغي أن تنتصر غداً في القدس وحيفا ويافا وكل بقاع الوطن العربي المكلوم، والمهان بسياساته وساسته؟ والرد اليقين على هذا التساؤل الذي نتحمل مسئوليته جميعاً كأمة، هو عدم انتظار النبوءات أو المعجزات الخارقة التي أنقطع حبلها بخاتم الأديان وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وأن نستعد لهم عوضاً عن ذلك بما أمرنا الله به من الإيمان والعمل وبما سبقت الإشارة إليه من الشروط الموضوعية والوسائل المشروعة لثقافة وفلسفة المقاومة في التاريخ الإنساني كله والتي أعينت عليها وعملت بها انطلاقة مقاومة الأمة في غزة وجنوب لبنان وأنتصرت بفضلها، بدءاً من يقين عدالة قضية المقاومة وإيمان المقاومة بالدفاع عن هذه القضية من جهة، والتسلح المكين بالعلم السياسي والعسكري الرفيع من جهة ثانية، والعمل المشترك مع مجتمع المقاومة لابدونه أو بمعزل عنه من جهة ثالثة والانطلاق من مبدأ ثنى الخصم عن خطأه وعدوانه وليس مجرد الانتقام منه أو إلغائه من جهة رابعة، ذلك عن أسس ومبادئ ثقافة وفلسفة المقاومة، أما وسائلها المشروعة في العمل والنضال فتبدأ بوضوح وقوة الحجة بالحق والمطلوب في وجه الباطل المغتصب، والبدء بالمقاومة السلمية في طلب الحق، ثم الدفاع عن النفس في وجه العدوان وعدم الإستجابة لمطلب الحق سلمياً، وصولاً إلى تعزيز مطلب الحق السلمي بقوة الجهاد العسكري كوسيلة لدفع العدوان واسترداد الحق دونما إفراط أو تفريط بأي من هذه المبادئ المثلى والوسائل المشروعة.
ورقة عمل سياسية قدمها أ.د. حمود صالح العودي استاذ علم الاجتماع جامعة صنعاء في ندوة فكرية نظمها المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل (منارات)).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.