ليست هناك كلمة مناسبة تناسب المقام غير «حلول» التي ترادف مع الفارق «تقمص» حينما يرسم الفنان/هاشم علي لوحاته، فهو يحل في النص الذي يريد رسمه، ثم يعيده وكعادة الفنان، نصاً فيه روح وحياة. لقد نجد في القرآن الكريم تعبيراً يؤدي هذا المعنى حينما عرض لمشهد ملكة اليمن وهي تكشف عن ساقيها تحسب الصرح لُجّة ماء، مع أنه صرح ممرد من قوارير. وهاشم علي الفنان يمنح النص حركة منطقية سياقية تناسب اللحظة والدوام بذات الوقت، فحينما رسم «الموقص» نص 16في الكتاب، والموقص هو الذي يهذب الحجارة للبناء، يستدعي تاريخاً من إخلاص هذا الموقص لمهنته، كما يرسم بذات اللحظة قناعة ورضا لم يجد لهما بديلاً بحياته الملأى بالتقرح، والنتوء على مدى السنين كما لو كان هذا الموقص قد انسرب في عجلة من الزمن ليؤدي هذا الفعل الروتيني الذي لا يخلو من أمل!!. ولست تجد في «منظر من صنعاء» وهو أكثر من منظر في الكتاب كأنك تقرأ حوليات هذه المدينة العريقة مجداً وفناً وظرفاً، وحسب ابن هذه المدينة العاشق لها أن يحتفظ حين غدوه ورواحه وظعنه وإقامته واحداً من هذه المناظر، تعويذة كيلا تموت روحه فراقاً. أما اللوحة البديعة «صبرية» فتاة من صبر الموادم تحمل الأجب على رأسها، المعمد بعنق فينوسي جميل، فهي دعاية تلقائىة للجمال الذي يضمه بحنان بالغ هذا الجبل الأشم، بل إن المرء ليكاد يحسب هذه الفتاة حورية هربت من الجنة لتدعو أبناء الدنيا للعمل الصالح والجهاد في سبيل الله. ولا أحسب الفنان هاشم مولى الدّويلة إلا «جنياً» لسليمان سرقه من الفردوس ليثير أهل الدنيا، ولا أعلم إن كانت أي هيئة قد بادرت لتكون هذه اللوحة «صبرية» طابع بريد تقف المواطن والأجنبي على السواء على عطاء الخالق العظيم وروعة إبداعه!!. يحب المرء وهو يطالع إبداعات الأستاذ/هاشم علي أنه أمام عالم من الكائنات الحية إلى درجة أن الذي في إطار اللوحة يكاد يمثل أمامك حياً ينطق صوتاً وصورة يكاد يوقفني هذا الجمال الرائع عن الحديث؛ غير أني أستميحه كما أستميح القراء لأقول إن هذا الفنان العظيم حتى الآن يستأجر منزله الذي يسقط فيه وحيه وإلهامه، وعلى الفور تمنيت أن أكون وزيراً لساعتين ثنتين لأكتب شيكاً يتسلمه هذا المبدع قبل مضي الوقت لشراء منزل، يشعره بعمق الانتماء إلى هذا الوطن الذي يعطي هذا الجمال البديع.