كثير من الأمور بدأت تترتب مجدداً بشكل أو بآخر وبما يوحي أن وتيرة الاصلاحات آخذة بالسير قدماً بشدة.. لكن أموراً أخرى لاتقل أهمية ظلت بمنأى عن أي حراك بنية إصلاحها ،كما لو أن الحكومة غير مدركة لأهمية إعادة تنظيمها. فمن البديهي أن تستطيع الدول تقدير حجم ممتلكاتها«الأصول الثابتة» بدقة استناداً إلى كشوف الجرد السنوي ،ولكن أشك أن ذلك ممكن بالنسبة للسيارات الحكومية لأسباب عديدة منها: لكون عدد كبير من هذه السيارات استملكها نهائياً من كانت بعهدتهم بفعل التقادم الزمني والحركة الوظيفية.. وقسم آخر أصبحت في عداد الملكية الخاصة لكونها ارتبطت بعهدة أشخاص وليس وظائف أوخدمات تؤديها.. وقسم ثالت تغاضت المؤسسات عن نقل عهدته بانتقال أصحابها إلى جهات أخرى.. ورابع تم اقتناؤه حكومياً بطرق غير أصولية ،وخامس قدمته جهات دولته كدعم ولم يدخل سجلات العهدة.. وسادس احتفظ بها أصحابها بموجب قصاصات ورق صغيرة بعث بها بعض المتنفذين.. وقسم سابع منحت لمشاريع محددة ولم تتم استعادتها بعد اكتمال المشاريع وثامن تحولت إلى مبالغ نقدية بعد بيعها بالمزاد العلني«الشكلي» وشرائها من نفس لوبي الفساد في تلك المؤسسات..! ولوافترضت الحكومة احصاء سياراتها على أساس سجلات إدارة المرور وأعداد اللوحات لاكتشفت أن عدد اللوحات يفوق اعداد جميع موظفي الدولة.. فقد جرت العادة في أعوام سابقة صرف هذه اللوحات لتركيبها على سيارات مدنية.. وليس من شيخ إلا ولوحة سيارته (حكومي أوجيش). أعتقد أن العبث بالسيارات الحكومية اتخذ أشكالاً مختلفة لدرجة أن بعض الوزارات أو الادارات لديها استعداد لتوريد عشر أوعشرين سيارة سنوياً لمدرائها دون أن تفكر بشراء باص لخدمة تنقلات موظفيها.. وفي الوقت الذي سيضطر الموظف لقطع عدة كيلومترات لبلوغ منزله ستجد عشرات المراهقين الصغار من أبناء المسئولين في بعض المؤسسات يقودون سيارات حكومية بسرعة جنونية في مناطق شعبية ،ولا أحد يكترث لذلك لأنها لوصدمت سيتم تصليحها على نفقة الدولة ،كما أن البترول يقدم لها بمثل طريقة كروت الموبايل المدفوعة القيمة.. من ظهر الدولة الشيء الغريب الذي لم أهضمه هو أن مبرمجي السياسة الوظيفية اعتبروا«السيارة» كمخصص مضاف لاستحقاقات المركز الوظيفي ،وليست كعهدة ملحقة بموجودات الوظيفة بحيث يصبح كل من يشغل هذا المركز صاحب الحق في نقل عهدة نفس السيارة إليه.. فما هو معمول به إن كل من احتمل مركزاً صرفت له سيارة ،وبالتالي تعددت السيارات والمنصب واحد!! وفي الحقيقة لم يكن هدفي الأساس الخوض في فساد قطاع النقل في المؤسسات والبرامج المتصلة به ،وإنما هو لفت الانظار إلى قضية خطيرة ،وهي إن عدم السيطرة على لوحات سيارات الدولة رغم صدور توجيهات رئاسية بذلك منذ منتصف 2005م - قد يستغله مجرمون ،أومهربون ،أوجهات أخرى سواء لآرتكاب أعمال جنائية أولتشويه سمعة أجهزة معنية في الدولة.. ونحن لاحظنا في أوقات سابقة أن بعض المعارضين عزف على هذا الوتر.. كما لاحظنا خلال الانتخابات الرئاسية الماضية أن سيارات تحمل لوحات أرقام لجهات رسمية قامت بتعليق صور أو رفع شعارات انتخابية ،وتم رصدها في تقارير المراقبين على أنها خروقات ،واستخدام سيء لممتلكات عامة لصالح الدعاية الانتخابية لمرشحي الحزب الحاكم في الوقت الذي كانت تلك السيارات خاصة وغير تابعة لجهة رسمية. إن استمرار مثل تلك السيارات في استغلال اللوحات الحكومية للعبث والاساءة واختراق أنظمة حماية بعض المؤسسات ،أو لوائح المرور وغيرها من التجاوزات من شأنه تشويه سمعة أجهزة الحكومة أمام الرأي العام ،وزعزعة الثقة بها وأحياناً التحريض ضدها. وبتقديري إن الحل ليس صعباً اطلاقاً وكل مايتطلبه هو أن تصمم إدارة المرور نموذجاً جديداً من اللوحات لأرقام سيارات «حكومي ،جيش ،شرطة» ثم تحديد سقف زمني ،وإلزام الوزارات برفع كشوف للمرور توضح أرقام السيارات التابعة لها على مستوى كل محافظة وأسماء من بذمتهم عهدها ،مع إصدار لوائح عقابية صارمة بحق كل المخالفين والمؤسسات التي تزور البيانات ،وادخال كل ذلك في برامج الكترونية من شأنها حتى مساعدة أجهزة الأمن في تحديد هوية ومكان أية سيارة ترتكب إساءة أوجرماً.