بمجرد أن تسمع »التفحيط » أو تزمير سيارة محلقة بجنون بإمكانك الوثوق أنها إحدى سيارات الدولة, وبمجرد أن ترى طفلاً يقود سيارة فتأكد أنها من سيارات الدولة, دون أن تكلّف نفسك عناء النظر إلى لوحة الأرقام, فمن يكترث لمال مباح لا يخضع لرقيب ولا حسيب، ولا حتى لوائح تمنع استخدام سيارات الدولة للانتفاع الشخصي. إبان الحرب السادسة في صعدة عرض التلفزيون اليمني مقرّات حوثية تناثرت في جانب منها عشرات اللوحات المعدنية لسيارات حكومية وعسكرية وحتى سعودية وإماراتية، فلوحة الأرقام تمنح صاحبها امتيازاً عند النقاط الأمنية, لذلك يستغلها الخارجون عن القانون في خروقات أمنية، مثلما فعلت عناصر القاعدة في هجومها على الإدارات الأمنية في عدن، وفي العديد من الجرائم. بعيداً عن الحسابات الأمنية، فعلى الرغم من الاعتمادات المالية الطائلة التي تثقل كاهل الميزانية العامة سنوياً، ورغم كون هذه السيارات تصنف تحت باب الأصول الثابتة للوزارات والمؤسسات المختلفة, إلا أن معظم تلك الجهات لا تمتلك بيانات دقيقة عن المركبات العائدة إليها، وإن وجدت مثل تلك البيانات سيومىء المسئول بأصبعه على عدد منها ليخبرك أن هذه السيارة مع فلان أخذها ولا نعرف مكانها، وتلك نطالب بإعادتها منذ أعوام لأن صاحبها أخذها معه عند انتقاله إلى جهة أخرى، وثالثة عهدة لدى فلان بموجب توصية مسئول ما مكتوبة على ربع ورقة.. وهكذا دواليك!!. أينما تذهب من دول العالم تجد أن لكل جهة عدداً محدداً من السيارات ومن أصناف معينة تتناسب وجهة الانتفاع منها، وجميعها ملكية صرفة لجهة العمل، لكن في اليمن ثقافة منفردة; إذ بدلاً من صرف سيارة وإضافتها إلى أصول المؤسسة يتم صرف مبلغ مليوني ريال مخصص سيارة, وتترك لك حرية شراء ما يعجبك أو الاحتفاظ بالمال وإنفاقه وفق رغبتك, فتصبح السيارة كما لو أنها مكافأة وليست من مقتضيات مصلحة العمل!!. في أي وقت تقف على ناصية شارع تمر من أمامك عشرات السيارات التابعة للدولة، بينها سيارات تستقلها عوائل وتتجول بها للتسوّق أو الزيارات الخاصة، وأخرى تحمل حطباً أو أغناماً وما شابه, وأخرى يتمشى بها صبيان يتمايلون بأجسادهم على صوت الاستريو. وكل ما يتوقعه المرء يحدث مع سيارات الدولة, لأن الدولة تسمح بذلك، وليس في قوانينها عمر افتراضي لكل مركبة بحيث يحرص صاحبها دون استهلاكها وتحويلها إلى سكراب بعد عام أو اثنين من استلامها, لذلك صار الاستهلاك السريع وشراء البديل عبئاً إضافياً يستهلك الموازنات المالية. في كل مرة تتحدث فيها الحكومة عن سياسة تقشفية نجدها تذكر السيارات في طليعة ما تسعى إلى الحد من الإنفاق عليها لمعرفتها الجيدة بضخامة الأموال التي تلتهمها، لكنها للأسف تخفق في تقليصها لكونها تربط المراكز الوظيفية باستحقاقاتها، حيث إن شغل المركز الفلاني يعني حصولك على سيارة كحق مكتسب, علاوة على أن الاستهلاك السريع يفرض على الحكومة تعويضها ببدائل سنوياً، وهذا لا يشمله التقشف, لأنه ليس شراء جديد وإنما بديل تعويضي!!. لا شك أن الدولة تكتسب هيبتها من كل ما ينسب إليها، إذن كيف سينظر المواطن باحترام إلى الدولة إذا كانت سياراتها يعبث بها الصبيان وتُنقل بها الأغنام, وتُستغل في كل أمر بما فيها خرق قوانين المرور بالنسبة للسيارات الحديثة و«الهنجمة» على أفراد النقطة الأمنية وغير ذلك من الممارسات التي يعرفها القاصي والداني؟!. ربما أصبح ضرورياً على الدولة وضع حد للاستفزازات الناجمة عن سوء استخدام سياراتها.. وأقترح أن تشرّع الدولة قراراً يمنع تجوّل أي سيارة حكومية بعد ساعات الدوام الرسمي, وحجز المركبات المخالفة, وفرض عقوبات قانونية على أصحابها، وإصدار تراخيص للحالات المستثناة. وبهذا نكون قد حافظنا على المال العام, ووفّرنا أموالاً طائلة كانت تذهب جراء الاستهلاك السريع والوقود.