"صرفت 56 مليار ريال لمعالجة القضية الجنوبية منذ ظهور مشكلة المتقاعدين وحتى الآن". لاشك أن متابعي الشأن المحلي، من القراء الأعزاء، قد تمكنوا من معرفة قائل العبارة الواردة في الاستهلال، وكذا المناسبة التي قيلت فيها، غير أنها معرفة لا تكفي لتجاوز العبارة وترحيلها صوب ركام النسيان دون إخضاعها للتمحيص الكفيل باستجلاء معضلة كبيرة ليست مستعصية على الحل فحسب، بل إن نقاشها في حقب مضت، ظل متصدراً قائمة المحظورات..
ربما (على سبيل الاجتهاد)، باستثناء رواتب ومستحقات المتقاعدين العسكريين المُسرحين قهرياً، لم يكشف صاحب المقولة، المُستأثر بسدة الهرم السلطوي منذ ثلاثة عقود، عن الكيفية التي تم بموجبها تصريف تلك المليارات وطرائق توزيعها والمصير الذي آلت إليه..
ما يُفهم من سياق العبارة السابقة الواردة على لسان الرجل في خطاب رئاسي آنف، أن تلك الأموال صُرفت بتوجيهات رئاسية لصالح شخصيات جنوبية بغرض حل القضية الجنوبية..
تأسيساً على هذا الفهم، يمكن القول إن عملية الصرف لم تحظ بموافقة مسبقة من مجلس النواب. بمعنى أن الرئيس استند إلى صلاحياته المطلقة لإنفاق مليارات لمجرد اعتقاده بأن ذلك الإنفاق سيشكل حلاً للقضية..
لا أعتقد أنني سأجانب الصواب بزعمي أن تلك العبارة تمثل اعترافاً رئاسياً بتبديد أموال البلاد واستنزاف خزينة الدولة، وهو زعم لا يعني بأي حال، اعتراضاً على حل القضية، بقدر ما يعبر عن موقف مناهض للسياسات العبثية الناشئة بفعل قرارات فردية اتخذت بمعزل عن اطلاع وموافقة المؤسسات الدستورية في البلاد (الحكومة والبرلمان) ..
فالأموال المصروفة لم يكن مصدرها الحسابات البنكية الخاصة بالرئيس حتى تُصرف وفق الأمزجة والأهواء، المصدر هو البنك المركزي اليمني المملوك للدولة وبالتالي للشعب. وعليه، فمكمن الاعتراض نابع من كون عملية الصرف لم تخضع لجدولة حكومية تليها موافقة برلمانية، ولو حتى بطريقة صورية، تعزز الاعتقاد بأن الدولة لم تتحول بعد إلى ملكية خاصة للحاكم يصنع فيها ما يشاء..
* ملايين هائل هي البداية صرف المليارات آنفة الذكر، لم يكن سوى حالة واحدة من العبث، فهنالك حالات لا تحصى مماثلة يمكن معرفتها وكشفها بتتبع نهج الرئيس في إدارة شؤون الحكم والدولة منذ ثلاثة عقود من الزمن..
اتساقاً مع النسق، كان صالح قد أسرّ للزميل نائف حسان بمعلومة، جهر الأخير بها، عبر مقال كتبه منذ مدة ليست بالقصيرة في أخيرة "الشارع" مضمونها أن الرئيس عندما كان قائداً للواء تعز، حصل على ثلاثين مليون ريال من أحد التجار (يُرجح أن يكون منتمياً الى بيت هائل) وذلك قبل تحركه الى صنعاء للحيلولة دون سيطرة الفوضى على الوضع الناشئ عن اغتيال الرئيس الأسبق أحمد حسين الغشمي..
طبقاً لنائف، فإن المبلغ المذكور ساهم في تعزيز قدرة صالح على تجسيد دور البديل المفترض للرئيس القتيل.. هنا كانت البداية إذن، ولولاها ربما ما كان صالح اليوم هو رئيس البلاد.. فالمبلغ المشار إليه كان يشكل في تلك الفترة قوة مالية لا يستهان بها، لاسيما عندما كان مركز الريال بين العملات ثابتاً. لقد منح ذلك المبلغ لصالح القدرة على تغيير قناعات كثير من الرجال المحيطين بالقصر وخطب ودهم وهو أمر (من بين أمور) جعلت منه ذلك الخليفة الذي حظي بإجماع أعضاء مجلس الشعب التأسيسي عدا عضو واحد هو عبدالرحمن الرباعي الذي لم تفلح الأموال الصالحية ولا ضغوطات الهديان في تغيير قناعاته وإثنائه عن المجاهرة برفضه لتنصيب صالح رئيساً للجزء الشطري من الوطن..
* دور الأموال في استمرار صالح ضمانة تغيير قناعات الرجال عبر صرف الأموال التي لم تفلح أي وسيلة أخرى في تحقيقها، جعلت الرجل يتخذ منها نهجاً لتثبيت أركان حكمه وتجنب مصير السقوط الذي كانت تقارير المخابرات المركزية الأمريكية المنشورة آنذاك في الواشنطن بوست، قد تنبأت بحدوثه بعد ستة أشهر من اعتلاء العرش..
خلال حقب زمنية مختلفة، ظل صالح يستخدم الأموال كسلاح لمواجهة الأزمات الطارئة.. في حرب 94م، مثلاً، أثبتت الأموال قدرتها على إحداث تغيير جذري في ميدان القوة، وترجيح كفة الشمال على حساب الجنوب ذي القدرات العسكرية الضاربة..
مراجع عدة من بينها كتاب ألف ساعة حرب، أشارت الى معلومات تؤكد أن قيادات عسكرية جنوبية بينهم (قادة ألوية) حصلت على حقائب مملوءة بالدولار الأخضر (اكتُشف فيما بعد أنها مزورة) من وسطاء مقابل التسليم للجيش الشمالي، أو القتال إلى جواره أو على الأقل تسهيل مهمة القضاء على ما يمتلكه من قوة مخيفة، وهو ما حدث..
انتخابات الرئاسة في 2006م، الحدث الاستثنائي الأبرز في تأريخ الوطن، تعد هي الأخرى شاهد عيان على الركون الرئاسي لصرف الأموال، باعتبارها أكثر قدرة من البرامج السياسية والشعارات البراقة في إحداث تعديل جذري لقناعات الناخبين من بسطاء شعبنا اللاهث دوماً وأبداً خلف سراب لقمة العيش..!
تلك هي المشكلة، إستراتيجية بدائية قائمة على أساس شراء الولاءات وتغيير القناعات ومضاعفة أعداد الأتباع..
* سيارات مونيكا وأشياء أخرى استراتيجية شراء الولاءات، من الناحية التنفيذية لا تقتصر على الاستلام النقدي للأموال من البوابة الرئاسية، أو عبر الوقوف في الطابور أمام مكتب الآنسي لإضافة رسمة (الختم) إلى إمضاء صاحب الفخامة، إذ توجد وسائل مصاحبة يتم استخدامها عادةً لبلوغ غاية الإرضاء الكامل، سواءً للوافدين الجدد إلى حظيرة الأتباع، أو لؤلئك المراد تجديد ولاءاتهم كذلك الحال مع من يتم تكليفهم بمهمات خاصة وسرية..
سيارات "المونيكا" و"الحبة" و"السنتافي"، أضحت، هي الوسيلة الأكثر قدرة على ضمان ولاء لا يُنازع..
من المتعذر على صحفي يعيش في بلاد يصعب فيها الحصول على المعلومات، أن يعرف كمية السيارات الخارجة من مخازن دار الرئاسة أو الآتية من البواخر إليها، لكن الأكيد أن العدد يتجاوز عشرات أو ربما مئات الآلاف من مختلف الأنواع خلال ثلاثين عاماً..!
التبذير الرئاسي المستمد من نظرية (الكرم الحاتمي)، يجعل كثيراً من الأتباع لا يكتفون بسيارة واحدة. ففي أحايين كثيرة، يكون طمع الحصول على سيارة أخرى، غير صعب المنال، بعكس الحصول على أكثر من هذا العدد، حيث يعد ذلك مهمة صعبة، إنجازها يستوجب اللجوء إلى حيل كثيرة، منها على سبيل الذكر إقناع (صالح الحاتمي) بضرورة شراء ولاء أناس آخرين بدعوى قدراتهم التأثيرية أو التخريبية، لا فرق، ليتم بذلك تشغيل آلة صرف الأموال والسيارات على طريقة (افتح يا سمسم..!)
* ضخامة ميزانية الرئاسة ربما لازال البعض يتذكرون تفاصيل الخلاف الذين نشب بين فرج بن غانم، رئيس وزراء سابق، وبين رئيس الجمهورية. من بين نقاط الخلاف، وفق ما تردد حينها، معضلة (الميزانية المفتوحة) لرئاسة الجمهورية. يومها قيل أن فرج بن غانم طلب من الرئيس صالح تحديد رقم معين لتلك الميزانية الضخمة..
كان مبرر الطلب، حجم الإرباك في الموازنة العامة للدولة الناتج عما تسببه موازنة الرئاسة (غير الثابتة) من عجز لافت.. لقد كان واضحاً أن موازنة الرئاسة التي يتم تبديد معظمها في شراء الولاءات، تعد معيقاً رئيسياً لأي حكومة تتطلع إلى تحقيق أدنى نسبة نجاح مرجوة..
ولكن ما هي الحيلة التي تلجأ إليها الحكومة حالياً، لحظة إعداد بنود الموازنة العامة، وذلك لحجب وتمرير الميزانية الحقيقية للرئاسة..!
الإجابة تستلزم قراءةً للمصطلحات المستخدمة في تقرير الموازنة، فهنالك بند يسمى (ميزانية مكتب رئاسة الجمهورية) الذي أضيف لتحقيق أغراض عدة، أولها إيهام المانحين والنواب بسراب الشفافية، وثانيها نفي تهمة التبذير عن الرئاسة كون مخصصات المكتب ليست متضخمة جداً..
يصر بعض النواب على طرح علامات استفهامية حول ماهية (البنود غير المبوبة) في الموازنة العامة للدولة التي تحوي مبالغ كبيرة، لاسيما في ظل الادعاءات أنها تذهب للاستهلاك الرئاسي..!
بالاستناد إلى العبارة الوارد ذكرها في أول سطر، وكذا مصادر نيابية، يمكن القول إن الموازنة الحقيقية للرئاسة لا يمكن اختزالها في ميزانية (المكتب الرئاسي) ولا في البنود الغير مبوبة، إذ إنها أكبر بكثير مما نظن ولا أحد يعلم حقيقتها سوى قلة من ذوي الحظوة الرئاسية.
هنا، وليس في مكان آخر، يكمن شيطان التفاصيل، الذي نستطيع فهمه من مقولتين، الأولى للرئيس عبدالقادر باجمال (شفاه الله) ونصها: من لم يغتن في عهد علي عبدالله صالح لن يغتني أبداً.
والثانية لخبير اقتصادي مضمونها: لو قاد صالح دولة غنية مثل السعودية بضع سنوات لجعل منها دولة فقيرة تستجدي المعونات.
رواتب سرية خارج الموازنة ثمة تأكيدات تشير إلى أن توجيهات رئاسية صدرت في فترات غابرة بإنشاء رواتب من نوع خاص لشخصيات سياسية واجتماعية وإعلامية يتم صرفها بصورة مباشرة وسرية عبر القصر الرئاسي..
ووفق التأكيدات، فإن تلك الرواتب لا تحمل مبالغ اعتيادية كتلك المعتمدة عبر الحكومة، حيث تصل إلى مبالغ مليونية بصورة شهرية..
ويتردد أن عدد المستفيدين الذين يقدرون بالآلاف، في تزايد مستمر، إذ لا يلبث الكرم الحاتمي أن يضيف مسميات جديدة كلما تعذر إيجاد عمل أو منصب ل(س) أو (ص) من الشخصيات.
وبحسب ما يتردد أيضاً، فمن يلج اسمه إلى تلك الكشوفات المصنفة وفق فئات، لا يخرج منها إلا بتوجيه رئاسي آخر، وهذا أمر نادر الحدوث.
وقد أشيع في مرحلة مضت، أن بعض الشخصيات المقيدة أسماؤهم في الكشوفات، لا يعلمون عنها شيئاً، مما يعزز فرضية الاعتقاد باستلام تلك الأموال من قبل مستفيدين في سكرتاريا القصر الرئاسي.
* انهيار العملة ومصير الإفلاس هنالك من يؤكد أن عدم توفر السيولة النقدية (الكافية) لمواجهة المصروفات المتضخمة، يدفع إدارة البنك المركزي اليمني في بعض الأحيان لاتخاذ قرار بطبع عملة جديدة من فئة (ألف ريال) بكميات كبيرة..
ورغم إدراك (المركزي اليمني) لما تسببه قرارات إنتاج أوراق مالية جديدة بكميات كبيرة من تضخم اقتصادي وعدم استقرار لأسعار صرف الريال مقابل العملات الأجنبية، إلا أن قيادة البنك ليس في وسعها أن ترفض صكوك الصرف الفوقية لإدراكها أن الرفض سيؤدي إلى قرار جمهوري بتعيين قيادة جديدة تنفذ الأوامر على طريقة (نفذ ثم تظلم). لاشك أن الإغراق في طباعة الأموال، يعد سبباً رئيسياً للتدهور الذي وصل إليه حال الريال منذ صعود الرئيس صالح وحتى وقتنا الراهن الذي أصبح فيه الدولار الواحد يتجاوز سقف ال(200) ريال ولازال في طريقه نحو الزيادة.
ولولا أن البنك يلجأ دائماً للمهدئات الآنية عبر ضخ النقد الأجنبي بصورة دورية الى الأسواق، لشهدنا انهياراً فادحاً للعملة الوطنية بحيث يصبح الدولار الواحد يساوي 400 ريال فأكثر.
مع استمرار الوضع الحالي، ربما لن يكون في وسع بنك الدولة، أن يحول دون بلوغ أعتاب إفلاس وشيك. فالمهدئات (ضخ النقد الأجنبي) تتسبب، مع التقادم الزمني، في استنزاف احتياطيات البنك من النقد الأجنبي.
عملياً.. يبدو البنك واقعاً بين فكي كماشة انهيار العملة من جهة واستنزاف احتياطياته من النقد الأجنبي، بالتوازي مع تنام مضطرد لكليهما، المصير المحتوم يقترب يوماً إثر آخر، لاسيما في ظل عزوف المانحين عن تقديم قروض ومساعدات، وتراجع عائدات الاستثمار، وهو ما يقلل من فرص الحصول على نقد أجنبي يساعد البنك في مواصلة سياسته الإنقاذية الشبيهة بمن يحاول إخراج المياه من سطح سفينة مخرومة وسط البحر..!
* شراء الولاءات ليس مجدياً دائماً إلى ما قبل بروز الحراك الجنوبي، كقوة ذات وزنية هائلة على أرض الواقع، كان الاعتقاد حول القدرة الاستثنائية للأموال في تغيير القناعات سائداً، غير أنه أخذ يتزعزع بصورة تدريجية، وتحديداً في لحظات ظهور الواقع الناتج عن اعتماد شراء الولاءات كأساس لمعالجة القضية الجنوبية..
كان صالح إبان التهاب الوضع الميداني، وتحديداً عندما كانت حركة المتقاعدين العسكريين هي الفصيل الأكثر ثقلاً، قد عمد إلى تشكيل لجنة مالية برئاسة عبدالقادر هلال، تلخصت مهمتها في ترجمة التوجيهات الرئاسية بالصرف إلى واقع ماثل..
أثناء زيارة صالح لعدن، قيل أن الجزء الأكبر من ال(56) مليار ريال تم صرفه عبر لجنة هلال التي راج حينها جنوح أعضائها لممارسة فن الاجتزاء على الهامش من تلك الأموال لتحقيق إثراء شخصي سريع..
نتيجة الصرف، على الأقل ظاهرياً، لم ترق للرئيس، لاسيما بعد أن تحول الحراك من حركة متقاعدين عسكريين سلمية إلى جماعات سياسية وجماهيرية ذات مطالب انفصالية.
بمعنى ان قناعات الرجال (ظاهرياً) لم يعتريها داء التبدل الجذري عن القضية بعد استلام الأموال، ربما بفعل عوامل أولها اعتقاد مستلمي تلك الأموال أنها لا تمثل هبة من الحاكم بقدر ما تشكل استحقاقاً وحصة بسيطة من خيرات البلاد، هذا فيما اعتبرها آخرون عودة حق مسلوب، على اعتبار أن تلك الأموال ناتجة عن ثروات الجنوب النفطية والغازية. ثانيها: عدم قدرة من تم شراؤهم على تغيير قناعات غيرهم ممن يرزحون تحت خط الفقر والبطالة. ثالثها: أن صرف الأموال بهذه الطريقة العبثية يندرج في إطار المعالجات الوقتية الترقيعية.
تمتع الافتراضات السابقة، بشيء من المنطق الإقناعي، لا يلغي اعتقاداً تبريرياً مفاده أن نتيجة ضخ الأموال جاءت موافقةً لإرادة الحاكم حيث تحقق له الولاء، لكنه أراد إظهارها بصورة مغايرة واستخدام ذلك الولاء في الصراع المستقبلي على الحكم..
ووفق هذا الاعتقاد، فإن الأتباع الذين تم شراؤهم باشروا تنفيذ (بروفة الفوضى الخلاقة) لخلط الأوراق ونقل الصراع إلى مستوى أعلى.
من أدلة التأكيد، مثلاً، أن تحول مسار الأحداث وانتهاء حركة المتقاعدين، تم بعد نزول الرئيس الى عدن وتوزيعه للأموال، بالتزامن مع إبرام اتفاقات وتفاهمات لازالت غامضة ومجهولة التفاصيل..
* هل ستتوقف استراتيجية شراء الولاءات باختصار، ودون بذل جهد استنتاجي، أجزم ان استراتيجية شراء الولاءات، وحنفية الصرف الرئاسية، إن لم تمثل السبب الأكثر تأثيراً فيما يعيشه الوطن وما يعانيه المواطن من حياة اقتصادية بائسة، فإنها تعد سبباً رئيسياً وجوهرياً..
موافقتي في الرأي، من قبل القارئ، يمكن الحصول عليها إثر الإجابة الافتراضية على تساؤل مؤداه: ما هو حجم التنمية التي بالإمكان أن تحققها (56) مليار ريال، فضلاً عن المليارات غير المعلن عن صرفها تماماً مثلما هو الحال مع قيمة عشرات الآلاف من سيارات المونيكا المصروفة؟!
ببساطة.. ستأتينا الإجابة الأكثر شمولاً لتكشف عن استحالة إيقاف تلك الحنفية، فحتى لو افترضنا جدلاً، أن الرئيس أقدم على إزالة المستحيلات الثلاث التي تدفعه لشراء الولاءات، عبر قيامه بخلع جلباب حكمة الأسري واتخاذه لقرار وطني بإيقاف عجلة التوريث وإنصاته لنداءات التنحي وعدم الترشيح للرئاسة وترك العرش للتداول، فلن يكون قادراً رغم كل هذا على إيقاف استراتيجية شراء الولاءات مادامت اللجنة الخاصة التابعة للجارة الكبرى تمارس (شراء ولاءات) من نوع آخر لعشرات الآلاف من اليمنيين في وضح النهار وسط عجز رئاسي عن إيقافها أو تحويل أموالها لخدمة أهداف التنمية..
* وماذا بعد.. لأننا لسنا في دولة ديمقراطية مثل الولاياتالمتحدة أو بريطانيا، ولأن معارضتنا لازالت منحصرة في الصندوق الانتخابي، ومجلس نوابنا غير قادر على مساءلة الرئيس، وهيئة الفساد تكافحه عبر ممارسته، لكل ذلك وغيره، يتعين علينا أن نقبل الواقع كما هو، على اعتبار أن عدم القبول به ورفضه، لن يؤدي إلا لإحدى نتيجتين، الأولى: استمرار الوضع كما هو عليه على طريقة (قل ما تريد وسنفعل ما نريد) والثانية: استمرار الوضع أيضاً مع تنفيذ نصيحة الرئيس التي وجهها عبر خطابه للشعب في مهرجان الحسينية بالحديدة ونصها "اللي مش عاجبه يروح يشرب من البحر"..!