ما من شك في أن الإرهاب معضلة العصر وآفته، والمتابع للأحاديث والمقابلات الصحفية والتصريحات قبل وأثناء زيارة الأخ الرئيس للبيت الأبيض ومقابلة صقورها على لسان السفير الأمريكي ونائبه في العاصمة صنعاء والمسؤولين الأمريكان في واشنطن سيجدها كلها منصبة في اتجاه الحرب على الإرهاب، ولم نجد في حديثهم وتصريحاتهم ما يعدو للحديث عن مكافحة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الظاهرة.. الحديث عن الإرهاب ومكافحته قد أكل الوعي والتفكير معاً، وأصبح الموضوع مثيراً للاشمئزاز، وما عاد الضمير اليمني يتحمل المزيد من الإرهاق الذي لا فائدة منه، ولم يعد عليه إلا بالمزيد من العوز والجراح والسبب ضعف امكانياتنا، وتخلي الأمريكان والأوروبيين عن تحمل مسؤوليتهم تجاه اليمن باعتباره عمقاً اقتصادياً وأمنياً لهم، ومساعدتنا ليست فضلاً منهم؛ بل هي حق لنا وواجب عليهم. عرف اليمنيون على مدار التاريخ بأنهم رسل سلام ودعاة محبة وصورة رائعة للتعايش مع الآخر، وكانوا ومازالوا قادرين على التعايش الأمثل داخل المجتمعات التي استوطنوها في طول وعرض الكرة الأرضية، وما عُرف عنهم التطرف والغلو واحتراف لعبة الموت، أو الانضواء في منظمات وجماعات متعهدة دولياً السلوك الإجرامي وإقلاق المجتمعات. ولابد لأصدقائنا الأمريكان من إعادة التشخيص لظاهرة الإرهاب ومسبباته، والعمل بجد وتفانٍ معنا لمعالجة تلك الظروف والأسباب حتى نصل وإياهم إلى تجفيف حقيقي لمستنقعاته وبؤره. المتفحص الباحث والدارس لظاهرة الإرهاب يجد أن الفقر والعوز سيد الموقف. وقد يقال إن بعض من يقودون الظاهرة من الميسورين ربما لظروف ومطالب أخرى، لكن الاستقطاب الأكبر لشبابنا يأتي في ظل وجود بطالة متزايدة وتزايد مساحة تدني مستوى المعيشة نظراً لمحدودية الإمكانات الاقتصادية وشيوع ظاهرة الفساد المالي والإداري والضميري في مؤسساتنا. إذاً ليتوجه أصدقاؤنا الأمريكان معنا خطوة خطوة إلى اقتلاع بذور الفقر، ومساعدتنا في تحسين معيشة وأحوال المواطنين من خلال الاستثمارات الكبرى التي ننتظرها والمكرسة في مجال رفع معدلات الإنتاج الزراعي والصناعي إلى المستوى الذي يساعد الإنسان اليمني على تناسي البندقية وثقافة السلاح ومن ثم التوجه إلى التفكير في تنويع وتوسيع مصادر دخل الأسرة وتحريرها من أسر العوز والحاجة التي تستغلها المنظمات الإرهابية؛ كل ذلك سيساعد المجتمع اليمني على التحول من مجتمع قبلي يحترف البندقية للارتزاق وتفريغ حالات الضيق والنقمة إلى مجتمع إنتاجي صناعي استثماري. إن مصالح أصدقائنا الأمريكان والأوروبيين في اليمن تزداد يوماً بعد يوم، ولابد أن يوازي تلك المصالح تعاون جاد وشراكة حقيقية في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والتنمية الشاملة، وألا يقتصر تعاونهم معنا على الجانب السياسي والأمني. فمصالحهم عندنا بحاجة إلى خطط تنموية فاعلة حتى تبقى في أمان، ويجد المجتمع اليمني آثار تلك الشراكة في تطوره ونهضته وتقدمه.