إن النظام الديمقراطي بتجربته التعددية والنظام المؤسسي والعدالة والمساواة وحرية الصحافة واحترام الرأي الآخر قد نجح في الغرب، ونجح أيضاً في أكثر من بلد آسيوي، والإنسان العربي لديه القدرة على التأقلم والانسجام مع الديمقراطية والتعاطي مع قنواتها الشرعية، فالديمقراطية نظام غير عقائدي وليس له تجربة نمطية جاهزة، بل لكل شعب ومجتمع تجربته الذاتية في التعامل مع الديمقراطية لأنها لا تتصادم مع معتقدات وثقافات وعادات وتقاليد المجتمعات الآخذة بها. واليمن واحدة من تلك البلدان التي أخذت بالتجربة الديمقراطية، وتعاطت منذ إعلان الوحدة المباركة مع النظام الديمقراطي، وأصبحت الديمقراطية رديفة إيجابية لها. وتولدت القناعات الكاملة لدى المجتمع والسلطة على التوليد الصحيح للتجربة، وإنشاء دولة المؤسسات، وجعل القانون مظلة لا يرتفع عليها أحد مهما كبر رأسه وانتفخت أحشاؤه، مع ما تعانيه اليمن من مشاكل اقتصادية وتطاول القبيلة على الدولة وعشق اليمني اللا محدود لحمل السلاح أكثر من عشقه لحمل الكتب والصحف والتزامه بالنظم واللوائح، وعدم تفاعله مع المؤسسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع اليمني بما يفعّل ويقوي دورها الحيوي في فضح وتعرية الأخطاء التي تقابل التجربة الديمقراطية وتعيق تطورها. من المعقول جداً وجود الأخطاء في مسار نظامنا الديمقراطي، لكن ذلك يجعلنا نسرع من عملية التصحيح ويكون الإصلاح أولاً فأولاً، بعيداً عن التسويف والمماطلة لابد من أن تحلل تلك الأخطاء ويتم تفكيكها ومعرفة الأسباب التي كانت وراء ذلك، وهل الخلل في المنهج أو الممارسة؟. الاعتراف بوجود الأخطاء يسهل حلها وتصحيحها، ويعد ذلك نضجاً اجتماعياً ومؤسسياً، وتحملاً شجاعاً للمسئولية ومواجهة الإعاقات بما يدفع بالتجربة الديمقراطية إلى المزيد من النجاحات. التحول الديمقراطي في اليمن حيويته الدائمة والمستمرة تكمن في التغيير والتجديد المستمر، لأن في التغيير طاقات متجددة ترفد التجربة بما يحقق لها التحول الإيجابي والتطور إلى مستويات أكثر تناغماً وانسجاماً مع حاجات ومتطلبات الواقع المعيش، حتى تنعكس تلك النجاحات في تحسين مستوى المعيشة للناس، والوقوف على العوامل التي تساعد في النمو الاقتصادي وزيادة دخل الفرد وقوة واستقرار العملة الوطنية، وانحسار ظاهرة الفساد وظهور قوة ونزاهة واستقلالية القضاء واحترام الجميع للقانون، والعمل المتواصل من أجل أمن واستقرار المجتمع معيشياً ونفسياً. المواطن البسيط ينظر إلى الديمقراطية من خلال لقمة عيشه وحياته اليومية، يراها في سعر كيس القمح والرز والسكر وليس في البيانات والمناظرات السياسية للسلطة والمعارضة من خلال الصحافة. النمو الاقتصادي وتحسين معيشة المواطن وشعوره بالسكينة والأمان النفسي يعتبر المقياس الأوحد لنجاح التجربة الديمقراطية في نظر البسطاء، وعلى الدولة أن تضع ذلك في الحسبان. وأن الإصلاحات والمعالجات لابد أن تتحرك لتصل إلى وعي وتفكير الناس من خلال تأمين ظروف طيبة للقمة العيش، وألا تتحول إلى الهدف الأوحد في الحياة للإنسان اليمني يدور معها ويجري وراءها، فينسى أن له أهدافاً وغايات كبرى خُلق من أجلها.