إن التجربة الديمقراطية في المجتمع اليمني قد تحولت إلى مشروع، وأصبحت نظاماً يستحق الاهتمام وإن شابه بعض القصور والأخطاء، فليس هنالك من يزعم بأن نظامه قد ولد مكتملاً لا نقص فيه، بل هي التجربة، والإيمان الكبير بضرورة النجاح، والتطور وفق النسق المؤسسي والإصلاح المستمر والتقييم المنظم، القائم على الدراسة الموضوعية والبحث العلمي النزيه، وعدم الوقوع في شراك الارتجالية والعبث والفوضى.. إذاً من أجل تطور حقيقي في مشروعنا الديمقراطي لزم علينا التقييم الموضوعي للتجربة، ومعرفة أين أحسنا وأين أسأنا الفهم والممارسة، أين نجحنا، وأين أخفقنا في العمل، أي المؤسسات والمرافق استجابت وطورت وسائلها وخططها وبرامجها وعلاقاتها مع المجتمع، وأي منها أخفقت قيادتها وتجمدت واحتبست نفسها بعيداً عن الحراك الديمقراطي، وظلت علاقتها بالمواطنين قديمة وبدائية متخلفة مما أثرت في وعي وتفكير المواطن البسيط وقضاياه ومصالحه. أمامنا مصاعب وعقبات اجتماعية من الضروري جداً التوجه إليها والعمل الجاد على معالجتها لأنها تمس مفردات الحياة اليومية للمواطنين، وتحويلها إلى أنشطة مؤسسات تستوعب أهمية ما تقوم به في مسار الحراك الديمقراطي، مثلما تستوعب المحاذير والأخطاء التي عليها ألا تقع فيها حتى لا تشوّه فهم الناس وإدراكهم للعمل والممارسة الديمقراطية داخل المجتمع، وبذلك يمكن لكل مؤسسة في المجتمع اليمني أن تسهم بفاعلية في بناء وتطوير الفكر والفهم والوعي والممارسة الديمقراطية، ودون ذلك تبقى الإسهامات مبعثرة لا رابط لها ولا قيمة لفعلها، ولا تضيف إلى المسار الديمقراطي سوى العثرات والمشاكل والعبث والتجاوزات. ثمة إجابات علينا استحضارها في ذكرى يوم الديمقراطية اليمنية، منها بلورتنا الفكر والنظام الديمقراطي في عمق نظامنا التربوي والتعليمي، قدرتنا على بناء الثقافة الديمقراطية في وعي المجتمع، التزامنا بقيم ومبادئ الديمقراطية وحماية النظام الديمقراطي من العبث والتجاوزات، السعي الجاد لبناء وتشكيل التربية المدنية والوطنية في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا بما يتناسب والمنجز الإنساني لمجتمعنا، حتى لا تجد الأجيال صعوبة في استيعابه، وحتى لا تطفو على السطح يوماً ما عقد تحول دون مشاركتهم في المسيرة والحراك الديمقراطي. مشروعنا الديمقراطي يدخل عامه الثامن عشر، فأي الجامعات اليمنية قد حولته إلى مساق دراسي واستوعبت أهميته؛ ليس كثقافة عامة فقط، وإنما كمادة أساسية يتطلب منها إحداث عملية التغيير النوعي في فكر وفهم ووعي الفرد، مثلما ينتظر ذلك التغيير في سلوك وممارسة المجتمع، وإيمان الجميع بأن النظام الديمقراطي صمام أمان للوحدة والتنمية في المجتمع اليمني، والجسر الأوحد لبناء اليمن الحديث.