من الأشياء التي كان للدين الإسلامي الحنيف، نصيب الأسد منها كما يقال : حثه على العلم بصفة عامة دونما تمييز مجال على مجال ،كما أنه قد حث على طلبه في أي بلد كان بغض النظر عن ديانته أوموقعه في الكرة الأرضية. اطلبوا العلم ولو في الصين، «الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها» لهذا فقد كان للثقافة الاسلامية حضارتها التي تشهد لها عبر القرون حتى بعد غروب الشمس عنها. ومما يتحدث عن نفسه هو أن الحضارة الاسلامية بما أتت به من علوم في مجالات مختلفة ومنها مجالات الطب والمخترعات والصناعات المتامشية مع عصرها قد اقترنت بالأنظمة السياسية التي تعمل على تشجيع البحث والترجمة واحترام العلماء في حقول الكيمياء والفيزياء والفلك والطب والفقه والفلسفة والأدب وغيرها من الفروع.. وأن انحسار المعارف وانحطاط المجتمع علمياً وفكرياً قد اقترن بالأنظمة السياسية التي يسودها الجهل والظلامية والانحلال. لقد كان العصر الاسلامي العباسي وعلى وجه الخصوص عصر الخليفة المأمون بن هارون الرشيد، أزهى العصور الحضارية الاسلامية ،علوماً وفكراً وأدباً ،كما تدل على ذلك المخترعات العربية والفلسفة الاسلامية ،والفكر المعتزلي المستنير وازدهار مراحل الأدب التي شهدتها تلك المرحلة.. ولما شهدته تلك الفترة من رعاية للعلماء وحركة ترجمة لم تشهدها الساحة من قبل أوبعد. وإذا ماجئنا لتدهور الحضارة العربية والاسلامية ،نجد العامل الرئيس يعود إلى انتشار الجهل والظلامية وضيق الأفق ،وماعكس نفسه في الحرب الشعواء التي تعرض لها العلماء والفلاسفة أمثال الحسن بن الهيثم وابن رشد وابن سيناء والكندي وعلماء المعتزلة وغيرهم. نكتفي بهذه الاشارة ،أو بهذا الشاهد من القرون الغابرة للدلالة على المناخ المطلوب لازدهار وتقدم المجتمعات بعلومها وفنونها ،هو المناخ الذي لايتغير باختلاف العصور، لاقترانه بتشجيع العلم والعلماء، والانفتاح على الغير بالترجمات ونقل التجارب ،وتوفير الحرية المطلوبة بعيداً عن القمح بحجج الذرائع المتخلفة والظلامية. هذه هي القاعدة العامة لكل العصور من عصر الحضارة الفكرية اليونانية إلى عصرنا الحالي.. وأنّ عصرنا الحالي أكثر دقة ومنهجية بتطور أسس البحث والتخطيط العلمي. للنهضة والتطور العلمي والاقتصادي توجه عام وفلسفة تقوم على ماهو علمي ومنهجي بعيداً عن الرواسب السلبية بمختلف اغلفتها الدينية المتطرفة والمذهبية المتعصبة وغيرها. بدون التوجه القائم على تحديد ما المطلوب ،وكيف المضي إليه لاتستطيع المجتمعات أن تدخل عصرها ،أوتواجه تحديات العصر من حولها.. مهما كانت ثرواتها أوامكانياتها أومواردها الطبيعية.