في زحمة السياسة لم يخطر على بالنا أن رئيس الجمهورية قد يزور حديقة الحيوانات بتعز، وحين فعلها لفت انتباهنا كم نحن بحاجة إلى عمر مديد، وتجارب جمة حتى نتعلم كيف نحمل هموم الوطن بصغائره دون أن نتيه بزحمة انفعالاتنا!! عندما بلغنا العلم بأن الأخ الرئيس وجه بالتوسع بإنشاء المتنزهات السياحية والثقافية، وجدنا أنفسنا نفكر ونتحدث عن أهمية أماكن الترفيه، ومدى حاجة المجتمع إلى متنزهات، وملاهٍ، ونواد ثقافية، ورياضية نقتل فيها ساعات فراغنا، ونبدد بعض همومنا، وضغط الأعمال، والروتين الممل. لست بصدد الحديث عن هذاالموضوع، إلا أنه لفت انتباهي إلى مدى حاجتنا إلى التوازن المنطقي في كل وظائفنا ومسئولياتنا التي نؤديها.. فمنذ أشهر ونحن نختزل قضايا الوطن بمشكلة المتقاعدين، ثم المعتقلين على خلفية أحداث التخريب والدعوة للانفصال، وكأن الحياة انتهت إلى هذا الحد، وكأن الشعب اليمني كله متقاعدون، ولم تعد له هموم متصلة بقطاع التعليم، أوالصحة أو الصناعة، وكأن الزراعة لاتحتاج إلى من يتظاهر لأجل الارتقاء بها.. والقات لايحتاج إلى من يعتصم لإيقاف زحفه على لقمة الشعب.. والجوامع ليست بحاجة إلى من يعتصم على أبوابها للكف عن تسييس المنابر، ومطالبتها بالالتفات لتهذيب أخلاق المجتمع ونشر الفضيلة بين أبنائه. غالباً مايخالجني إحساس بدعوة الشعب اليمني بكل فئاته وانتماءاته إلى الخروج إلى الشارع والتظاهر ضد الحزبية البليدة الرعناء التي كدرت حياتنا، وأقلقتنا، وانتهكت حقوق أطفالنا ونسائنا وشبابنا بكثر خطاباتها بأسمائهم جميعاً، وفرض وصايتها حتى أنفاسنا دون أن تحصل على تخويل مسبق من الغالبية!! فلم تعد السياسة هي الحديث المرغوب به في البيوت والمقايل والشوارع، فالكل يشعر بالملل، والكل واثق أن هذا المتحدث أو ذاك باسم الشعب يترقب فرصة ركوب سيارة آخر موديل، وشراء فلة فارهة، والحصول على تذاكر ونفقات سفر إلى الخارج مع أسرته.. وحينها ستسقط كل الشعارات ولم يعد الشعب يساوي عنده بقشة واحدة..! أليس هذا هو حال ما انتهت إليه كل البيانات والمسيرات والمقالات من قبل!؟ لايمكن أن نصدق أن هناك أنفاراً لايتجاوزون أصابع اليد يتاجرون بكل شيء ؛ حتى مستقبلنا، فيختزلون كل همومنا ومعاناتنا في قضية واحدة، وفي شخصين معتقلين لا أكثر..! فهل هناك حزب يدافع ويتظاهر من أجل حق أبنائنا في الجلوس على كراس في المدرسة!؟ أو حقهم بإيجاد مدينة ملاهٍ يقضون فيها أوقات فراغهم بدلاً من اللعب بين عجلات السيارات ووسط الأتربة والحجارة!؟ وهل هناك من يعتصم للمطالبة بمجانية الكتب في الجامعات، واستنكار تجارة «الملازم» والمطبوعات الشخصية التي كسرت ظهور الآباء والأبناء!؟ وهل هناك من يعتصم للمطالبة بناد رياضي أو مركز ثقافي!؟ عندما تغيب كل مطالبنا عن مفكرات الأحزاب، فيما تبقى همومنا حية في ذاكرة الأخ رئيس الجمهورية يجب علينا حينئذٍ أن ندرك الفرق بين من يفكر بالصغار والكبار وبين من يجند حزبه والشارع لأجل شخص واحد متهم بالدعوة للانفصال، ورفع علم تشطيري في دولة الوحدة.. فمن كان لديه كرامة عليه أن يتذكر أن أحداً من هذه الأحزاب لم يطالب بشيء لابنه لأنها تريد ابنه متظاهراً وليس طالباً في مدرسة خاصة!