ما الذي يروي عطش هذا الوحش الغربي الزاحف على جنوب الكرة الفقير؟!.. كل شيء براً وبحراً وجواً صار رهن يمينه وشماله.. صار التراب شطيرة بين شدقيه والدم نبيذاً في كؤوس مومساته.. فلماذا يتسلل مثل مسخ مصاب بالصرع، ليسرق دزينة أطفال يفترشون جحيم العراء الأفريقي، هرباَ من سلاح المليشيات ومجنزرات «حفظ السلام»؟! ماحاجة فرنسا «فوكو وروسو وسارتر والإعلان العالمي الأول لحقوق الإنسان»، ماحاجتها إلى كومة هياكل آدمية نخلتها أدخنة القذائف وشمس الاستواء؟! في مطار تشاد تم ضبط الصفقة يوم أمس الأول.. مجموعة أطفال سودانيين حشرتهم فصيلة نخاسة فرنسية اسبانية في تجويف طائرة كانت على وشك الإقلاع إلى باريس.. وفي مطار «ديغول» كان الزبائن، طرف الصفقة الآخر، ينتظرون استلام الطرود الآدمية ليفعلوا بها «... ماذا؟!» ويذهبوا بها «... إلى أين؟! ولماذا؟!».. فصيلة فرنسية اسبانية تزاول نخاسة قذرة، تحت مسوح قوات حفظ السلام، وقبلها كان هولنديون في القوات نفسها اغتصبوا فتيات قاصرات جنوب السودان.. لكن أحداً لم يأبه، وتاه الخبر في شريط أخبار الأزمة المديد! إن الخبرين يمكن أن يشكلا طرف خيط يقود إلى الأسوأ الذي يختفي تحت السطح من نشاط الامبراطورية الغربية الجديدة، التي تتولى أمريكا قيادة دفتها هذه المرة، وربما يمثلان فقط قمة جبل جليد العبودية التي أتقنت الحضارة الصناعية مواربتها بالمزيد من التضليل الإعلامي، بما يضمن عدم تكرار انفضاحها كما حدث نهاية القرن التاسع عشر ومطلع العشرين، على يد نخبة من الصحافيين والروائيين والساسة أمثال: موريل، جوزيف كونراد، مارك توين، برتراند راسل، روجر كيزمينت. إن الامبراطورية التي دشنت نشاطها الصناعي مطلع القرن التاسع عشر بارتكاب أبشع المجازر وفرض نظام السخرة والرق على قارتين بكاملهما «أمريكا اللاتينية وأفريقيا» لم تتطهر بعد من دوافعها لارتكاب المزيد.. قد يدلل كشف إعلامي جديد على ذلك! ماكان يرتكب قبل قرن ونصف من مجازر واسترقاق في سبيل رفد صناعة السيارات والدراجات بالمطاط يرتكب اليوم في سبيل صناعة الاعضاء والأفلام الإباحية والاستنساخ وكنس نفايات الإنسان الأبيض. لقد بتر أجداد «بوش وساركوزي وبراون» ساق ويد «الطفل امبونجي» في الكونغو، لأن قريته فشلت في توفير الحصة المطلوبة من المطاط.. وانتهى الحال بالسياسي الايرلندي المناهض للعبودية روجر كيزمنت في ساحة الاعدام، كما انتهى الحال بنظيره الصحافي موريل في السجن بقانون ملكي عام 1917م. .. أرجوكم لاتقولوا إن فرنسا هربت مجموعة الأطفال السودانيين، لتضعهم في دار رعاية الأيتام! تذييل والآن أشهر كل أسئلتي وأسأل: كيف أسأل والصراع هو الصراع؟ محمود درويش