بحضور حشد هائلٍ من أهل الفكر والعلم والمعرفة والاعلام، افتتح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مدينته «دبي» يوم السبت المنصرم مؤتمر المعرفة الخاص بقيام وإنشاء «مؤسسة المعرفة للشيخ محمد آل مكتوم» والتي تهدف إلى رفع مستوى الاداء للمؤسسات التعليمية وتقديم المنح، ومدَّها بكافة المصادر العلمية التي تتناول أحدث التطورات المتصلة بمختلف العلوم والمستجدات اليومية، ومثل هذه المصادر المشار إليها تجد العديد من الجامعات العربية والمؤسسات التعليمية نفسها عاجزة عن توفيرها لسبب أو لآخر.. إلاَّ أن مثل هذه المؤسسات المعرفية وخاصة عندما تحظى بالدعم المادي السخي، وشخص مثل محمد بن مكتوم يؤمن بالدور الذي ستقوم به هذه المؤسسة فإن نتائجها ستأتي بمردودات هائلة مثمرة على الصعيدين العربي والاسلامي. تجدر الإشارة هنا إلى أن جلسة الافتتاح قد حظيت بمشاركة دولية وعربية واسلامية فعلى المستوى الدولي كانت ابنة اليمن العزيزة: أمة العليم السُّوسوة، قد تحدثت للأمين العام باعتبارها الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم.. ولكم سعدت وسررت وشعرت بالفخر والاعتزاز وأنا أستمع إلى ابنتنا العزيزة ابنة اليمن بوجه عام، وابنة الاعلام اليمني بوجه خاص وهي تتحدث باسم الأممالمتحدة من هذا المنبر الدولي، وتخاطب قادة وحكام شعوب العالم بضرورة ردم فجوة التخلف المعرفي التي تفصل بين شعوب العالم المتخلف والمتقدم، ولأن هذه الفجوة هي أبرز المحددات لحالات الرخاء والفقر بين دول العالم.. وتحدث باسم الجامعة العربية الأستاذ/ عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية الذي ألقى كلمة قيمة، وثمن تثميناً عالياً للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ما قام ومايقوم به من مساع جليلة في سبيل رفعة العلم والمعرفة للعروبة والاسلام.. وكانت كلمة مسك الختام للأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي. جدير بالذكر أن سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كان قد افتتح المؤتمر بكلمة شاملة عن الأهداف العلمية لهذه المؤسسة وعن الدور الذي ستلعبه لتذليل كافة الصعاب والمعوقات أمام الباحثين والعلماء العرب وتوفير كل ما من شأنه خدمة العلم والمعرفة. تجدر الإشارة إلى أنه في سياق خطابه كان قد أورد حكاية أحد أصدقائه عندما استشاره بقيام هذه المؤسسة فقد قال له: ماتقوم به كمن يحرث بالبحر ثم يعقب على صديقه بقوله: إن هذا يدل على حالة التشاؤم لدى العديد من الناس.. ولذلك فإن المتشائمين لايمكن أن يصنعوا شيئاً أبداً. وإن ثقة المرء بنفسه وبمن حوله قوة لايستهان بها واستشهد بأقوال لعالم الاجتماع العربي ابن خلدون. وبينما أنا منكب بكتابة هذا الموضوع وأوشك أن أصل لآخر أسطره إذا بي أستحضر الجزء الأول لكتاب قيم صدر ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية لشهر يونيو 2001م، ورأيت أنه يعالج نفس قضايا ومشاكل المستويات التعليمية والمعرفية بالوطن العربي.. وعليه فإنني أرى من المفيد لقضايا العلم والمعرفة استخلاص مايمكن استخلاصه من هذا الكتاب القيم والمعنون.. «رؤى مستقبلية» والذي يستهل مؤلفه «ميتشوكاكو» الموضوع بقوله:- «منذ ثلاثة قرون كتب اسحاق نيوتن: أبدو لنفسي كما لو أنني صبي يلعب على شاطىء البحر، وكانت تلفت انتباهه بين حين وآخر، مايفرزه البحر من الحصاة الناعمة أو الصدفات المتنوعة بينما كان يمتد محيط الحقيقة العظيم أمام ناظريه دون اكتشاف» وبهذا الوقت كان ينظر إلى محيط المعرفة الواسع الممتد أمامه كانت قوانين الطبيعة مغلفة بحجاب كثيف من السِّرية والغموض والخرافة فالعلم - كما نعرفه اليوم - لم يكن عندئذٍ موجوداً. كانت الحياة في زمن نيوتن قصيرة وقاسية وشاقة.. كان معظم الناس أميين فلا أحد منهم كان يملك كتاباً أو دخل صفاً مدرسياً، وكان من النادر أن يغامر أحدً منهم بالذهاب أميالاً معدودات خارج مسقط رأسه، وكان الناس يمارسون أثناء النهار في الحقول أعمالاً تقصم الظهر تحت أشعة الشمس التي لاترحم، وفي الليل لم تكن هناك أي تسلية أو فسحة تخفف عنهم سوى سكوته، وقد عرف معظم الناس بنجدتهم المباشرة الألم والجوع والمرض المقعد والمزمن. كما أن معظمهم لم يكن يعيش أكثر من ثلاثين عاماً، غير أن الحصى والصدفات القليلة المدهشة التي التقطها نيوتن وعلماء آخرون على شاطىء البحر ساعدت على إطلاق سلسلة مثيرة من الأحداث ومع ميكانيكة نيوتن أتت الآلات القوية، وفي النهاية المحرك البخاري، وهو القوة المحركة التي أعادت تشكيل العالم حين قلبت المجتمع الزراعي رأساً على عقب، ونشرت المصانع وأدت إلى رواج التجارة وأطلقت الثورة الصناعية وأدت إلى التوغل في أعماق قارات بكاملها عن طريق السكك الحديدية وبحلول القرن التاسع عشر كانت فترة من الاكتشاف العلمي المكثف تمضي، وساعد التقدم الملحوظ في العلم والطب على انتشال الناس من الفقر المدقع والجهل، على إغناء حياتهم وتسليحهم بالمعرفة وفتح عيونهم على عوالم جديدة وفي النهاية إطلاق قوى معقدة أسقطت ملاك الأراضي والسلالات الاقطاعية والقنانة والامبراطوريات الأوروبية، وبحلول القرن العشرين كان العلم قد وصل إلى نهاية حقبه.. كاشفاً أسرار الذَّرة وجزئي الحياة ومخترعاً الكمبيوتر الاليكتروني، وبهذه الاكتشافات الثلاث الرئيسية التي انطلقت بتأثير ثورة الكم وثورة الDNA وثورة الكمبيوتر، ثم أخيراً التوصل إلى القوانين الأساسية للمادة والحياة والحوسبة. إن هذه المرحلة البطولية للعلم تقترب من نهايتها، فقد انتهى عصر العلم، وبدأت معالم عصر آخر تظهر، وتبشر الحقبة القادمة من العلم أن تكون أعمق وأشمل وأبعد غوراً وأشد من تلك تأثيراً من تلك التي سبقتها. فمن الواضح أننا على عتبة ثورة أخرى، فالمعرفة البشرية تتضاعف مرة كل عشر سنوات وقد خلّف العقد الماضي معرفة علمية أكثر مما خلَّفه التاريخ البشري بأكمله؟ وستتضاعف قدرة الكمبيوتر كل ثمانية عشر شهراً، أما قدرة الانترنت فهي تتضاعف مرَّة كل عامين.. وفي كل يوم تبشرنا العناوين الصحفية بتطورات جديدة في مجالات الكمبيوتر والاتصالات والتكنولوجيا، واستكشاف الفضاء، وفي أعقاب هذه الثورة التكنولوجية تنقلب صناعة وأساليب حياة بكاملها رأساً على عقب لتؤدي إلى نشوء حياة صناعية أخري، غير أن التغيرات السريعة والمدهشة ليست كمية فقط إنها آلام المخاض لمولد عصر جديد. وبالمختصر المفيد كما يقال عندنا، فإن هذا الكاتب والعالم في شئون العلم والكون والمعارف المختلفة لشئون الحياة بوجه عام يرى أن هناك أعمدة ثلاثة للعلم وهي:- المادة والحياة والعقل، حيث إنها تشكل هذه العناصر أعمدة العلم الحديث، ويضيف أن التاريخ سيسجل أن قمة الإنجاز العلمي بالقرن العشرين كان بالكشف عن العناصر الأساسية التي تعتمد عليها هذه الأعمدة الثلاثة والتي تمثلت: بتحطيم نواة الذَّرة وفك شفرة نواة الخلية، وتطوير الكمبيوتر الاليكتروني.. ثم يكرر قوله: لقد كانت ثورة الكم أولى ثورات القرن العشرين وأكثرها أساسية. وهي التي ساعدت بعد ذلك على زرع بذور الثورتين العلميتين الكبيرتين الأخريين وهما الثورة البيوجزئية وثورة الكمبيوتر، ويقول بهذا الصدد منذ زمن سحيق ،والناس يتساءلون عن طبيعة المادة التي تكون منها العالم.. فاعتقد اليونان أن تكوينها قد كان من عناصر أربعة هي: الماء والهواء، والتراب، والنار.. واعتقد الفيلسوف «ديموقريطي» أنه من الممكن تحطيم هذه العناصر الأربعة إلى أجزاء أصغر دعاها «الذرات» ولكن المحاولات الساعية لشرح كيف تمكنت الذرات من خلق هذا التنوع الكبير والمدهش للمادة الذي تراه في الطبيعة فشلت دوماً، وحتى نيوتن الذي اكتشف القوانين الكونية التي فسَّرت حركة الكواكب والأقمار، احتار في شرح الطبيعة المحيرة للمادة.. لقد تغير كل هذا مع ميلاد نظرية الكم عام 1925م والتي أطلقت موجة عارمة من الاكتشافات العلمية استمرت في الارتفاع دون توقف إلى الآن: لقد مكنت نظرية الكم العلماء من فهم المادة التي نراها حولنا، أما في القرن الحادي والعشرين فقد فتح الباب أمام العلماء إلى خطوة هامة جداً وهي التحكم في المادة وتصميم أشكال جديدة منها، ثم يعرج الكاتب والمفكر للحديث حول ثورة الحاسوب «الكمبيوتر» فيشير إلى أن هذا الجهاز كان ينظر إليه في ماضي الأيام إلى أنه عبارة عن آلات سمجة غريبة الشكل تتألف من كتل معقدة من الدواليب، والرَّافعات والمسننات، إلى أيام الحرب العالمية الثانية، حيث تم استبدال الأنابيب والصَّمامات المفرغة بالحواسيب الميكانيكية، ثم كان التحول الهام في عام 1948م عندما اكتشف العلماء في مختبرات شركة «بيل» الترانزستور، الذي جعل الكمبيوتر الحديث ممكناً. وبعد عقد من هذا اكتشف الليزر الضروري للانترنت ولطريق المعلوماتية السريع، وكلاهما من أجهزة ميكانيكا الكم.. أكتفي بهذا القدر من هذه القراءة والتَّلخيص لهذا الكتاب الذي يرتاد آفاق المستقبل لبني البشر وماسيطرأ علينا من تغيرات هامة ستحدث إنقلابات خطيرة وإذا لم نأخذ بناصية العلم والمعرفة المطلوبة فسنجد أنفسنا في اوضاع مزرية.. وبعد:- ترى كم من أبناء هذه المدينة«تعز» شعر كما شعرت به وأحسست به في هذا العام والفصل الشتوي الذي حل علينا في أواخر شهر اكتوبر المنصرم؟ فلقد تعودت خلال أربعة عقود من الزمن، وأنا بهذه المدينة عند حلول شهر نوفمبر من كل عام أن استقبل موجة شديدة البرودة وانخفاضاً واضحاً في درجات الحرارة. باستثناء هذا العام الذي بدأت أحسُّ فيه وأشعر، وكأن أجواء الصيف ماتزال مخيمة على هذه المدينة، فالأغطية التي كنت أحتاطها لأيام الشتاء بالمساء، لم أعد بحاجة إليها، بل والغريب في الأمر أن المرء ينتفض في المساء وهو نائم يتصبب عرقاً وجواً خانقاً خاصة إذا كانت نوافذ البيت مغلقة.. عندئذٍ فقط أيقنت بصحة التقارير والأخبار الصادرة عن علماء المناخ والأرض، وماقيل ويقال يومياً عن الأسباب والمسببات للاختلالات الخطيرة في توازن طبقات الجو، وبالذات الأسباب التي أصابت طبقة «الأوزون» هذه الطبقة التي تشكل وقاية كاملة من الموجات الحارقة الصادرة من الشمس إلى الأرض، فالمولى جلّت قدرته ولطفاً بخلقه وهب غلافنا الجوي طبقة الأوزون هذه لحماية المخلوقات ووقايتها من العديد من الأمراض والأخطار وكذا وقاية النباتات أيضاً. والعلماء منذ عقود من الزمن وهم يناشدون قادة العالم وحكامه، ومن بيدهم أمور الحل والعقد، بضرورة الكف عن الممارسات المدمِّرة للأرض.. إلا أن الأمر المحيِّر بهذا الصدد، هو أن بعض التقارير العلمية تشير إلى أن الطبقة المعرضة للاختلال الأوزوني تقع فوق القارتين الأمريكية والأوروبية نتيجة تصاعد إفرازات المصانع والمركبات....إلخ.. فما هي ياترى الأسباب والمسببات التي أدت إلى هذا الاختلال بالجو والمناخ بمدينة تعز؟.. إنه الاحتباس الحراري الذي تسببه إفرازات المركبات من الغازات المتصاعدة خاصة وأن المركبات قد أخذت تتضاعف بمدينة تعز بشكل ينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور.. إننا لاننكر الدور الإيجابي الذي تمثل في توفير حركة السير والمواصلات بداخل المدينة شديدة المرتفعات والمنعطفات إلا أن هذا لايعني أن يترك الحبل على الغارب بحيث تمنح التصاريح في كل يوم وساعة. وبعد إننا نأمل من كافة الجهات بالمحافظة ورئاسة الوزراء وشئون البيئة الوقوف أمام هذه القضايا والمشكلات والحد من هذه الآلات والمركبات التي أفسدت أجواءنا بكثرتها المفرطة فلكل أمر تقنين وأنظمة.