لا نستطيع أن نكلف هيئة المواصفات والمقاييس فوق طاقتها، فكل شيء تقريباً نستورده من الخارج؛ ابتداءً بالثوم والفلفل الأخضر والأسود وانتهاءً بالبترول والغاز والذهب. وقال صديق: إن بعض الشاي يُخلط ب"نشارة الخشب الحارق" ليشربه الناس فيما بعد!!. وهالني التحقيق الذي نشرته «الجمهورية» قبل أسابيع عن حيل تجار العسل الذي يُباع في الأسواق، ثم الغش الذي يحدث للذهب، ثم الغش الذي يحصل في الدقيق، ثم الغش الذي يحدث في.. في.. في..؟!!. ولأن المسألة تحتاج إلى جهود كبيرة فألوف الموظفين، في حال انعدام الأمانة والشعور بالخوف من الله لا يمكن أن يقوموا بضبط حركة التجارة على نحو يكفل الصحة العامة التي أصبحت مهددة بالخطر من جراء السموم القاتلة، واللصوصية المخيفة التي أصبحت تنخر في الجسم اليمني، جسم الوطن بأكمله. ثم أين المواصفات والمقاييس في حالات كثيرة، من تعيين القضاة مثلاً، وإن كانت مؤسسة القضاء قد بدأت تستعيد عافيتها بعد أن رأس مجلس القضاء الأعلى القاضي عصام السماوي، الذي نسأل الله له الثبات والعصمة ولزملائه الطيبين. ثم أين المواصفات والمقاييس في الذين يتولون وظائف في مفاصل الدولة، ثم أين المواصفات والمقاييس المطلوب توافرها حين تقييم الأعمال للشرفاء من أبناء الوطن، الذين يسهرون يؤدون واجباتهم بشرف وإخلاص وكفاءة ونزاهة بينما كثيرون منهم لا يلحقون استلام مرتباتهم كامل كل شهر نظراً لالتزاماتهم الأسرية والاجتماعية الضرورية؟!. إن هيئة المواصفات والمقاييس لا يمكن أن تقوم بعملها خير قيام ما لم تسندها الدولة بإخلاص، وما لم يقم المواطن بوظيفته الوطنية تجاهها. ولا يمكن أن تكون مهمة وزارة التجارة وحسب النظر في تاريخ الصلاحية المكتوب أحياناً زوراً على السلع الغذائية، وإنما تتعدى المسئولية إلى ما هو أبعد كثيراً من هذه المهمة. لقد كثر الغش على كل مستوى، وأصبح الكذب سلعة رائجة في حياة الناس، حتى ليجعل من وجود هيئة مواصفات ومقاييس أمراً ضرورياً في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة. ومهما يكن؛ فإذا تساهلنا في أمر الغذاء والسلع الاستهلاكية فإن مقاييس ومواصفات القضاء هي التي ينبغي أن نؤكدها، فالإنسان أهون وأشرف وأفضل له أن يموت مسموماً بغذاء فاسد من أن يحيا مقهوراً بحكم محكمة لا يراعي العدل، واتقوا دعوة المظلوم. وواجبنا نحن المواطنين أن نتواصى بالحق، ونتواصى بالصبر، ونبشر بالأمل الجميل، والقافلة بإذن الله إلى الأمام تسير.