نتحدث عن قوانين وتشريعات ولوائح ، وهيئة عليا من أجل مكافحة الفساد المالي والإداري ، فياترى عّم سنتحدث حين يتعلق الأمر بفساد الرأي، أو الموقف!؟ وحين يستشري ذلك في ثقافة المجتمع !؟ لقد أصبح معلوماً أن هناك من أدمن على الشذوذ عن الطبيعي أو المألوف من الأمور، وبات يرى قيمته في مثل تلك الممارسات التي يجعلها سبيلاً وحيداً لتصدّر واجهات وسائل الإعلام .. فعندما تبنت جمعية كنعان فلسطين، ومعها الحزب الحاكم ومنظمات وقوى مختلفة تنظيم مسيرة احتجاجية ضد حرب الابادة الصهيونية التي تشنها إسرائيل ضد أبناء غزة، فوجئنا أن هناك من شذ عن الساحة، واختار لنفسه الاعتصام داخل حرم جامعة صنعاء لتنفيذ فعالية مماثلة. ويوم أمس كانت هناك مجموعة أخرى تتظاهر في ميدان السبعين.. لكن الأغرب أن الذين فضلوا فصل أنفسهم عن الموقف الرسمي والشعبي العام هم من الإسلاميين ، من عناصر حزب الإصلاح ومنظمة حماس كما لو أنهم يوحون للناس بأن «الإسلام السياسي» يدعو إلى الشتات ، والفرقة .. أو أنه ينظر إلى من هم خارج تنظيماته ككائنات منبوذة لا ينبغي الاختلاط بها. لا شك انه فساد رأي وموقف ، إلا أن المفارقة المثيرة للسخرية فيه هو أنهم فصلوا أنفسهم عن بقية الشعب اليمني من أجل دعوة الأمة لموقف موحد تجاه مجازر الكيان الصهيوني في غزة ..! فياترى كيف للعاجز عن التوحد مع جاره ، وأخيه ابن نفس البلد أن يدعو أمة بألوانها وأديانها ، وطوائفها ، إلى التوحد ، وصناعة موقف لمواجهة عدو متوحش ؟! كان الموقف غريباً للغاية أن ترتفع أعلام «حماس» في تظاهرات الإسلاميين ولا يرتفع علم فلسطين !! فهل ثمة من يختزل شعب فلسطين في «حماس» ويختزل فيها تاريخ وحضارة وجهات شعب ودولة !؟ فإذا كان لدى الإخوة الفلسطينيين بعض الخلافات «الأخوية» الداخلية، ماكان ينبغي لأحد أو لقوى في اليمن إذكاء هذا الخلاف ، وتعميق الفواصل العنصرية بين أبناء شعبنا الفلسطيني ممن هم مقيمون في اليمن !! فالإسلام دين وحدة، ورسالة توحيد وليس حزب تمييز عنصري أو مناطقي !! أعتقد أن مثل هذا الفساد في الموقف يجب أن يحتل صدارة اهتمام المثقفين ، والإعلاميين للتصدي له بأقلامهم ، وعبر منابرهم وبكل ما أوتوا من جرأة ، لأنه فساد شقاق ، وفتنة ، وعنصرية من شأنها تغليب كفة خصوم الأمة ، والامعان في إذلال أبنائها ، والنيل من حقوقهم وكرامتهم وسيادة أوطانهم. إن أبناء غزة لا ينتظرون من أحد مثل هذه المواقف التي لا طائل فيها غير المزايدة ، والمكايدة في وقت عصيب لا يرحم طفلاً أو امرأة أو شيخاً.. وإن أبناء غزة لا ينتظرون من أحد «تأميم» قضيتهم وجعلها قضية هذا الحزب أو ذاك بقدر ما يأملون أن يتكاتف كل الشرفاء من أبناء الأمة لنصرتهم وفك الحصار القاتل عنهم، وردع الدولة الإرهابية عن ارتكاب مزيد من الجرائم والمجازر بحقهم. فمتى تقتنع هذه القوى بما تردد من آيات وأحاديث ، وتؤمن بأن «من شذ شذّ في النار».. ولا خير فمن يزايد على كل قطرة دم فلسطينية تسفكها الآلة الحربية الصهيونية على مرأى ومسمع العالم.