معصية الله عز وجل، وكبائر الآثام والذنوب والعقوق هي وحدها من تدفع الآباء والأمهات لاتخاذ قرار البراءة من أبنائهم - فلذات أكبادهم - إلاّ أن لأبناء الضالع سبباً آخر لم يسبق لأحد في التاريخ أن تذرع به للبراءة من ابنه. أمس الأول فجرت قبيلة الذراحن.. وموطنها مديرية جبن / الضالع أعظم وأنبل مواقف الوفاء للوحدة اليمنية بإعلانها البراءة من كل «ذرحاني» انفصالي، أو ينضوي تحت مظلة أي منظمة أو تكوين سياسي يعادي الوحدة اليمنية..! وبعثوا بوفد كبير إلى سكرتير منظمة الحزب الاشتراكي في الضالع قاسم الذرحاني، يطالبونه بتحديد موقفه من الوحدة أمام الملأ، ويتوعدونه بأنهم سيقاضونه إذا تبنى أي موقف انفصالي باعتبار ذلك يسيء لسمعة القبيلة. وقفت طويلاً أمام هذا الإعلان الجريء والفريد المحسوب لأبناء جبن كلهم، وتساءلت مع نفسي: يا ترى ما الذي يجعل الوحدة أغلى من الابن، والأخ، والأب!؟ ولماذا كان أبناء جبن أول المبادرين إلى ذلك؟! لكن بعض مفردات التاريخ كانت كفيلة بالإجابة، فمديرية جبن تعد إحدى المناطق الوسطى التي ذاقت ويلات التشطير، كونها ضمن ما كان يسمى «مناطق الأطراف» على حدود الشطرين.. وقد تعرضت جبن لحصار من قبل مليشيات الجبهة الوطنية الديمقراطية استمر لأكثر من تسعة أشهر، كابدوا فيها الجوع والعطش والظلم والقتل والسحل والترويع، ولكنهم قاوموا، وصمدوا، ثم انتصروا على المليشيات الماركسية. هناك مئات القتلى سقطوا شهداء خلال حصار التسعة الأشهر، ولم تنته المأساة عند ذلك الحد، بل واصلت الألغام التي خلفتها المليشيات بعدها حصد أرواح مئات أخرى، وإلى هذا اليوم، ناهيكم عن الخراب الذي طال البيوت والمزارع، وكل مظاهر الحياة المدنية.. وأتذكر أن السلطات في صنعاء أنقذت أهالي المدينة برمي المساعدات الغذائية بالطائرات، ثم بالتدخل العسكري الواسع من قبل لواء المشاة الخامس. اليوم أهالي جبن ينعمون بالأمن والسلام، ومتحابون، ورغم أنهم يمارسون التعددية الحزبية، ومدينتهم تلقب ب (المدينة السياسية) إلاّ أنهم ظلوا وحدويين، ولا يخطر في رؤوسهم يوماً أن يأتي زمان يسمعون فيه من يدعو للانفصال.. لذلك فهم يفضلون البراءة من أبنائهم على العودة إلى ذلك الزمن السحيق من العهد التشطيري. أبناء جبن كغيرهم من مدن اليمن تنقصهم المشاريع، والخدمات، والكثير من متطلبات البنى التحتية وهم لا يكفون عن المطالبة بالنواقص، ويكابدون كثيراً لأجلها، إلاّ أن ذلك كله عندهم أهون من أي اقتراب من العهد التشطيري.. وهو ما ينبغي على القيادة السياسية الالتفات إليه، وإيلاء هذه المديرية الوحدوية اهتماماً مميزاً عن سواها، فليس غيرهم من قرر البراءة من أبنائه إن تورطوا بدعوات انفصالية. ربما على قبائل اليمن الأخرى أن تتخذ القرار ذاته، وتعلن نفس الموقف الذي أعلنته قبيلة الذراحن، والذي أصبح كل منا يتمنى لو أنه كان ذرحانياً. اليوم على دعاة الانفصال أن يفهموا الرسالة بوضوح، وأن يعلموا أن غالبية الشعب ينظر إلى الوحدة على أنها أغلى من نفسه وأبنائه، وإذا البعض منهم أعلن استعداده للبراءة من أبنائه وإخوانه إذا ما تورطوا بالانفصال فإن الآخرين مستعدون لتقديم أبنائهم دفاعاً عن الوحدة .. كما فعلوا من قبل.