إذا كان من الممكن تعريف المسرح بوصفه فن الفنون الممزوج نظراً لتضافر عديد العناصر الفنية في المسرح، فإن هذه الخاصية الشاملة تضعه في قلب المعادلة الإبداعية التفاعلية مع الوسائط المتعددة، ونقصد هنا بالوسائط كامل المؤثرات الناجمة عن استخدام الأجهزة الرقمية في العمل المسرحي المعاصر، والشاهد أن هذه الأجهزة تسمح الآن بمناورات واسعة في منظومة المؤثرات المسرحية وبخاصة الصوت والصورة وكيفية الاشتغال على الديكور، وترتيب “ ميزانسين” العمل المسرحي بكامله، وصولاً إلى التدخل في عمق الصالة وأبعادها. وبهذه المناسبة كنت محظوظاً قبل مدة بمشاهدة عرض مسرحي فرنسي في قصر الثقافة بالشارقة، وفي هذا العرض أمْعن الفرنسيون في استخدام الوسائط المتعددة التي فتحت أبواباً واسعة لمناورات بصرية مشهدية لم يكن يحلم بها المسرحيون من ذي قبل، فلقد أصبحت الصورة ثلاثية الأبعاد قادرة على الحلول محل الممثل الآدمي، وكان الإيهام البصري قادراً على تنويع وتضعيف المشاهد من خلال الصور ثلاثية الأبعاد، وكانت الخيارات المتاحة في الاشتغال على الخيال لا متناهية الإمكانات، الأمر الذي يضعنا أمام مسرح آخر، وقابليات متجددة ، وآفاقاً ممكنة لاشتغالات لا تقل أثراً وتأثيراً عن الخدع السينمائية التي حولت السينما من فن إلى صناعة فنية حقيقية . مسرح الوسائط يتطلب ثقافة تقنية جديدة، وقدرة على استخدام برامج الكومبيوتر الجديدة المعقدة، ومفاهيم إنتاجية جديدة ومختلفة تماماً عن مألوف العمل المسرحي السابق، ويمكن القول إن هذا النوع من الاستخدام الذكي للوسائط المتعددة يفتح باباً لمسرح أكثر تشويقاً وتفاعلاً مع الإيقاع المعاصر للزمن .. أكثر قدرة على إنعاش مزاج المستمع والمشاهد، بل منافسة سينما الخيال والفانتازيا، واستحضار مشاهد التاريخ الملحمي للمعارك الطاحنة، والصور الغرائبية للسحرة والمقاتلين، وآداب الفروسية الخارقة للعادة، والمشاهد الملحمية المركبة، وغيرها من خيارات وبدائل . لم يعد مسرح الوسائط قيمة بصرية مشهدية تتصل بتقاليد المسرح وتعاليمه الأكاديمية العريقة، بل أيضاً بالفضاءات المفتوحة للوسائط المتعددة التي حولت الواقع الافتراضي إلى حالة مُعاشة، وسمحت للفنون المختلفة بالتحليق بعيداً في مفازات عوالمها الخرافية .. هذا التحليق بالذات يتخذ قيمة استثنائية في المسرح الجديد، ولا يُفارق بالمطلق ما كان من أمر ونواميس المسرح التاريخي، بل يعتلي به إلى عوالم متجددة، ويسمح بترجمة الرؤى والخيالات الجامحة