في المسرح كما في كل الفنون يرتبط التجريب بالمفاهيم المتجددة والرؤى المتغايرة، فالتجريب يتصل أصلاً بسؤال الحداثة والوجود، ويتّسق مع كامل الهواجس المعرفية والفكرية التي تُلاحق الإنسان، غير أن درب التجريب شائك ومعقد لسبب وجيه يتصل بإشكالية ابتكار أشكال جديدة مختلفة عن الأشكال المألوفة، فالميزانسين المسرحي المؤصل تاريخياً لا يمكنه أن يتغير لمجرد الرغبة والبحث عن التحديث دون متكآت قوية تساعد المخرج على امتشاق الجديد بروية وحكمة وإبداع ، والحال فيما يتعلق بتوظيف الوسائط المتعددة في أساس المؤثرات الصوتية والبصرية التي تضفي على المسرح الحديث قيماً جمالية مُغايرة لتلك المستندة إلى تقاليد المسرح الكلاسيكي، ولا يمكن للتجريب الشكلاني أن ينفصل عن النص بوصفه السبب الرئيس لتنكّب مشقّة التحديث والتجريب، ولهذا السبب قلنا سلفاً إن المفهوم هو المرجع الأول في التجريب، وإن تداخل العناصر الفنية، والانزياح بقابلياتها يفتح مصائد وفخاخاً لا يقدر على التعامل معها سوى الفنان الحصيف المُقتدر ، ولهذا السبب كان المجرب الكبير في السينما الإيطالية “ فردريكو فيللني “ قادراً على فعل التجريب والتحديث لأنه كان عليماً بكامل العناصر البنائية والفنية الداخلة في صناعة الشريط السينمائي، وهكذا يمكن أن نجد نماذج مشابهة في الأدب الروائي العالمي مثل الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز الخارج من معطف التعامل مع النصوص بأشكالها الأدبية والصحفية، وحتى السينمائية المسرحية مما عمّر خياله بتقنيات أساسية كان لا بد أن تسمح بذلك القدر من التجديد والتجريب . وعلى المستوى العربي شهد المسرح التجريبي تجارب وشواهد اتصلت في أُفق ما بالتغريب البرختي” نسبة للألماني برتولد برخت الذي انطلق من المفاهيم الفكرية الجديدة باحثاً عن فصل إجرائي بين المسرح والجمهور، حتى يجعل وعي الجمهور أكثر حضوراً بدلاً من التمازج العاطفي التام مع الخشبة “ ، واتصلت أيضاً بمسرح الممثل الذي ازدهر في المسرح الروسي. تاق التجريب المسرحي العربي إلى تعمير خشبة مسرحية تتماهى مع الجمهور وتفتح الميزانسين المسرحي على عمق الصالة .. تعتمد المدى المفتوح لحالة تتوق إلى التفاعلية غير المتماهية بين الجمهور والمسرح ، لكن تقييم هذه المسألة في نجاحها من عدمه يتصل بنقاد المسرح الأكثر قدرة على التعمُّق من خلال مُشاهدات واقعية ومتابعات مشهدية مُواكبة