التجريب مبتدأ الفن ونهاياته، والشاهد أن الفنان سواء كان مسرحياً أو تشكيلياً أو موسيقياً يسلك الدرب على خطى من سبقوه، وهو بهذا المعنى يعيد إحياء ما كان فيما يتقدم خطوات إلى الأمام، وإذا ما شعر ذات لحظة من أيام الإبداع أن عوده الطري قد استوى ونضج يجمح إلى أن يكون له باع وذراع في صنعة الفن، فيبدأ التجريب، والتجريب هنا ليس فعلاًَ عشوائياً لا يستند على أسس أكاديمية وممارسة وذوقية، بل إن التجريب من أكثر أنواع الفنون تأبياً على المحاصرة لسبب بسيط جداً، كونه يتصل باجتراع الجديد، وتنكب مشقة البحث عن الخصوصية في الفعل الفني. في أيام الشارقة المسرحية يحق لنا أن نرى تجارب جديدة، وتنويعات أسلوبية، بل واجتهادات تحاول كسر الحاجز التقليدي في الخطاب المسرحي، وسنكون سعداء إذا عرفنا أن المسرحيين يحاولون الولوج إلى التمازج الواعي مع وسائل التعبير المتجددة، وخاصة ما يتعلق منها بأنظمة المؤثرات الصوتية والبصرية ذات الأهمية الفائقة في المسرح المعاصر، ومن المؤكد أن هذا النوع من الاشتغال على التجريب يمثل مشقة ومغامرة، لكنها مغامرة محسوبة إذا أخذنا بعين النظر تراكم الخبرة والمعرفة، وقد تكون خاسرة إذا وقع المسرحيون في مصيدة الحداثة التقنية دونما استيعاب تمثلي لتلك الحداثة، مما يمكننا أن نجد رجع صداه السلبي في الكثير من الفنون البصرية المعاصرة. مقطع القول إن التجريب في المسرح ضرورة ومشروعية مؤكدة، ليس في مستوى البداية الجنينية فقط، بل أيضاً للناضجين فنياً، وقد رأينا في عالم الفن كيف أن أسماء كبار من أمثال السينمائي الإيطالي فيلليني، والمسرحي الألماني بريخت، والروائي الكولومبي ماركيز ظلوا يجربون حتى وهم في قمة المجد الفني.