الفن والتجريب مقولة أساسية في علم الجمال والنقد معاً، غير أن التجريب الفني تحول في أيامنا إلى ضرب من التجديف المخل تحت مسمى الإثارة والحداثة ، فلم تعد الأسلوبية والتجريبية قائمة على امتلاك فيوضات معرفية وممارسية في النوع الفني المحدد ، بل أصبحت غواية اعتيادية تستجدي استكتاب النقد الانطباعي تارة ، وإرضاء الدوائر المتاجرة بالفن تارة أخرى ، وفي نهاية المطاف يدفع الفن والأدب الثمن الباهظ لهذا النوع من الممارسة المتساهلة والتي تنم في آن واحد عن مشكلة حقيقية في الأدب والفن . سنلاحظ مثل هذا الأمر في مختلف وسائل إنتاج وإعادة إنتاج المعرفة الفنية الثقافية ، ابتداء من فضائيات الفيديو كليب ،مروراً بالمسرحيات التي تتوسل الضحك فيما أسميه بمسرح الكوميديا المفتعلة “ أوالتراكوميدي “ ذات النفس الشعبوي والتي تضحك الدهماء المخطوفين ، فيما تبكي الذائقة الواعية. ذات الأمر يستمر أيضاً في الشعر والرواية والقصة القصيرة والترجمة . أي إننا بصدد تيار جارف للتخريب الفني الثقافي الملغوم بأيديولوجيا التسطيح والتطاول على المعارف الفنية الأكاديمية والتنطع على تراث الكبار ممن أصّلوا وجرّبوا ، عرفوا وعرّفوا ، وصلوا إلى الأسلوبية الفنية بعد صراع مرير مع الذات والموضوع ، فأين نحن منهم ؟ أضرب هنا بعض الأمثلة الدالة على خطورة وإشكالية التجريب ، وسنرى من هم الذين يجرؤون على هذا التنويع التجديدي الباحث عن أسلوب جديد ، والمفارق للمعلوم والمعروف من ثوابت الأبنية الدرامية واللحنية والبصرية. تجرنا إلى التجريب في الرواية جابرييل جارسيا ماركيز ، وفي السينما فيسكونتي وبيير باولو بازوليني، وفي المسرح برتولد بريشت، وفي التشكيل سلفادور دالي، وفي الشعر سان جون بيرس .. فمن هم هؤلاء ؟ وهل كان لهم أن يخوضوا غمار التجريب دون مصدات معرفية وممارسية وذوقية ؟ هذا هوالسؤال الموجه للمجدفين المجربين دون مقدمات ومتكئات .