يتموضع الجيم في مدار الرقم ثلاثة المكون من ثلاثة آحاد أو اثنين وواحد، وهو بهذا المعنى يجاور الفردي والزوجي لكونه يتضمنهما، لكن هذه الثنائية التقابلية بين المستويين تتمرأى في الكتابة من خلال العلاقة بين التتويج والامتلاء، فالجيم المكتوب خرج السطر يتشكّل من نصف دائرة ممتلئة يتوسطها النقطة ويتربع على رأسها تويج من مد، مما يحيل الجيم إلى مستويات ثلاثة: نقطة ، ونصف دائرة قابلة للكمال الدائري ، وألف ممدود على رأس المكتوب. ومن هنا نتلمّس لطائف الحرف وجمالياته ومغازيه، ولأن كلمة «التجريب» يتوسطها الجيم ولأن التجريب مخاظ بطبيعته، ولأنه متشظ كالجيم الذي تتناتفه، المستويات الثلاثة القلقة آنفة الذكر، فإن التجريب في الفن مدار من مدارات الحيرة والدوران، وهو العتبة الأولى للتجربة الفنية التي تقدم نفسها بخصوصية المبدع وتراكم خبرته وتجربته . الفن والتجريب مقولة أساسية في علم الجمال والنقد معاً، غير أن التجريب الفني تحول في أيامنا إلى ضرب من التجديف المخل تحت مسمى الإثارة والحداثة، فلم تعد الأسلوبية والتجريبية قائمة على امتلاك فيوضات معرفية وممارسية في النوع الفني المحدد، بل أصبحت غواية اعتيادية تستجدي استكتاب النقد الانطباعي تارة، وإرضاء الدوائر المتاجرة بالفن تارة أخرى، وفي نهاية المطاف يدفع الفن والأدب الثمن الباهظ لهذا النوع من الممارسة الاستنسابية المتساهلة والتي تنم في آن واحد عن مشكلة حقيقة في الأدب والفن . سنلاحظ مثل هذا الأمر في مختلف وسائل إنتاج وإعادة إنتاج المعرفة الفنية الثقافية، ابتداء من فضائيات الفيديو كليب، مروراً بالمسرحيات التي تتوسل الضحك فيما اسميه بمسرح الكوميديا المفتعلة «اولتراكوميدي» ذات النفس الشعبوي والتي تُضحك الدهماء المخطوفين، فيما تُبكي الذائقة الواعية . ذات الأمر يستمر أيضاً في الشعر والرواية والقصة القصيرة والترجمة والتشكيل . أي أننا بصدد تيار جارف للتخريب الفني الثقافي الملغوم بأيديولوجيا التسطيح والتطاول على المعارف الفنية الأكاديمية والتنطّع على تراث الكبار ممن أصّلوا وجرّبوا، عرفوا وعرّفوا. وصلوا إلى الأسلوبية الفنية بعد صراع مرير مع الذات والموضوع ، فأين نحن منهم ؟ [email protected]