الحداثة ليست وليدة أوروبا، بل إنها قرينة «زمن الإبداع»، فالحداثة تعني ببساطة شديدة تجاوز المألوف والمعروف، وتنكّب مشقة الاستغوار في الجديد، وتلك سمة ازعم أنها كانت موجودة في كامل الفنون والآداب الإنسانية، عند عرب الجاهلية، كما عند البوذيين والتاويين والهندوس والمانويين والزرادشتيين والأغارقة. كانت لدى امرىء القيس كما كانت لدى أبي نواس. الحداثة استطراد على زمن يغاير الزمن الفيزيائي ويلتحف القيم الإنسانية والمعارف الشاملة، ولهذا السبب فإن البحث في الحداثة يقتضي النظر إلى البُعدين العام والخاص، فلا عالمية بدون خصوصية، ولا خصوصية يمكنها أن تتجاوز التفاعل الجبري مع الآخر الإنساني، وتكمن عبقرية الحداثة والهوية معاً في كونهما معادلين موضوعيين لما يتجاوز «الأنا» مع تأكيد مواز على الذات المبدعة الانتمائية غير المعلقة في أذيال الكوني والعالمي .. غير الواقعة في شرك التماهي السلبي مع الآخر، بل التفاعل الضروري الذي يكتشف الذات عبر الآخر، ويقيس الآخر بمرآة الذات غير المتعصبة . في الفن التشكيلي العربي المعاصر، كما في الشعر والأدب بعامة، غياب ملحوظ لفكرة الحداثة غير المشوّهة. قصدتُ الحداثة التي تتأسس على برهان معرفي ابستمولوجي يمثل منصة انطلاق حقيقي نحو التجريب والتخطّي الفني الذي يتوازى مع الذائقة الرائية للأنا والآخر، ولا يقفز فوق دروب التراتبية المعرفية الضرورية تحت ذرائع ومسميات إعلانية ترويجية، وأيديولوجية تظلل الشباب، وتجعل العالم يضحك من ممارساتنا الاكروباتية في التنظير والممارسة. [email protected]