الشهادة منحة إلهية    تضحياتٌ الشهداء أثمرت عزًّا ونصرًا    إعلانات قضائية    في وقفات شعبية وفاءً لدماء الشهداء واستمرارًا في التعبئة والجهوزية..قبائل اليمن تؤكد الوقوف في وجه قوى الطاغوت والاستكبار العالمي    فيما الضامنون يطالبون بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية .. كيان الاحتلال يواصل انتهاكاته وخروقاته لوقف إطلاق النار في غزة    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    تيجان المجد    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    الدوري الانكليزي: مان سيتي يسترجع امجاد الماضي بثلاثية مدوية امام ليفربول    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    قبائل وصاب السافل في ذمار تعلن النفير والجهوزية لمواجهة مخططات الأعداء    هيئة الآثار تستأنف إصدار مجلة "المتحف اليمني" بعد انقطاع 16 عاما    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تناقضات الحداثة العربية
نشر في الجمهورية يوم 23 - 01 - 2009

يبدو أن مصطلح الحداثة بالغ الغرابة عند الغربيين، إذ يبدو عندرينيه ويليك مصطلحاً قديماً فارغاً(1) أو هو مصطلح مطاط كما يرى روجر فاولر(2) ، وقد تعددت الآراء حول طبيعته، بحيث دفعت مالكوم برادبري إلى تأكيد أن «هذه التسمية تحتوي على الكثير من ظلال المعنى الذي لا تنجح في استخدامه بصورة دقيقة »(3) .
مآزق الحداثة العربية
أولا : حداثة انفصام :
إن الإبداع الحداثي ليس وجودا معلقا في فراغ، وإنما هو لبنة في بناء أشمل يتشكل ويتفاعل مع أنظمة معرفية متشابكة، ونتاج سياقات تاريخية واجتماعية معينة، وهذا يصدق على الحداثة العربية في التراث وعلى الحداثة المعاصرة في الغرب .
وتتكئ الحداثة في التراث العربي على أصول نظرية ومعرفية وفنية، وتتفاعل مع واقع بالغ الحركة والتغير والصيرورة، فهي جزء من بناء حداثي أوسع إذ تتأسس «على الصراع بين النظام القائم على السلفية والرغبة العاملة لتغيير هذا النظام » ، وتشتمل على تيارين كما يحدد ذلك أدونيس : سياسي فكري، وفني، ويتمثل الأول سياسيا في الحركات المناهضة للسلطة الخوارج والزنج والقرامطة وفكريا بالتصورات الاعتزالية والعقلانية الإلحادية والتصوف، ويهدف التيار السياسي /الفكري إلى نظام يوحد بين الناس، حاكمين ومحكومين، ويساوي بينهم اقتصاديا وسياسيا، ولا يمايز بينهم في جنس أو لون.
أما التيار الفني فلقد ابطل القديم وتجاوزه، وتحول فيه الإبداع إلى جهد إنساني يمارس فيه الإنسان « عملية خلق العالم».
إن هذين التيارين لهما وجود حقيقي في الواقع الاجتماعي، وتمثله معارضة حقيقية قوية في زمن سلطة قمعية، ولهذه المعارضة ثقافتها المضادة المعززة بالقوة أحيانا، بمعنى أن الحداثة العربية في القرنين الثالث والرابع الهجريين لها أساسها الفكري والسياسي، ولها قاعدة اجتماعية واسعة تؤمن وتدافع عنها إلى حد استخدام القوة والعنف .
أما الحداثة الغربية فإنها وليدة تطور لتحولات وتبدلات سريعة من التقدم الصناعي والفني، أي أن التحولات الكائنة في أنظمة الحياة والواقع تعود بشكل أو بآخر لأحداث تغير في طبيعة الأدب وأنظمته وبنائه اللغوي، وهذا يعني أن الحداثة في الغرب تعبر عن أوجه التحول السريع التي حدثت في الواقع وسياقاته التاريخية، فالحداثة، والحالة هذه، « ابنة التقنية، وهي حركة تاريخية شاملة وليست مدرسة أو مذهبا أدبيا، وهي فن مديني لازمت فن القرن العشرين »(67) ، وتنعكس آثارها على الأدب، ولذلك اتسمت القصائد بنأيها عن الخطابية والثرثرة والعفوية والطبع، وتميزت « بالاختزال والجسدية والشهوية والصناعة ».
وإذا كانت الحداثتان العربية في الماضي والغربية المعاصرة في الحاضر تعبران عن واقع اجتماعي معين، ويتفاعلان مع طبيعة السياقات التاريخية الخاصة فإن الحداثة العربية المعاصرة تعاني من أزمة انفصام حقيقي، ذلك أن الحداثيين العرب المعاصرين تعاملوا مع المنجزات الحداثية الغربية بوصفها لبنة مستقلة عن سياقاتها التاريخية والاجتماعية، ومنفصلة عن منظوماتها المعرفية، ولقد فطن إلى هذا أدونيس الذي أكد خطأ فهم العربي لحداثة الغرب، لأنه لم ينظر إليها في ضوء ارتباطها « العضوي بالحضارة الغربية بأسسها العقلانية» إن نظرة الحداثيين العرب قد اقتصرت على منجزات الإبداع الأدبي والفني «بوصفها أبنية وتوصيفات شكلية » دون وعي « الأسس النظرية والعقلانية الكامنة وراءها، ومن هنا غابت ... دلالتها العميقة في الكتابة والحياة على السواء »، ولذلك فإن تأثر الحداثيين العرب سيقود حتما إلى فهم شكلي، لا يعي من الحداثة إلى جوانبها السطحية، أما البنية العميقة فلقد كانت غائبة أو مغيبة.
ثانيا : حداثة اغتراب :
وإذا كانت الحداثة العربية المعاصرة فهمت حداثة الآخر فهما سطحيا وشكليا، فإنها في الوقت نفسه مغتربة عن الواقع الاجتماعي العربي ومتعالية عليه، فلقد قدم الحداثيون العرب نصوصا تعكس واقعا مختلفا ومتغايرا، إذ كيف يتسنى وجود حداثة للشعر العربي ولا وجود لحداثة في العلم أو في المجتمع أو في الاقتصاد، ترى هل كان الأدب العربي الحديث يعبر حقا في إنجازاته الحداثية عن الفكر العربي والواقع العربي والمشكلات العربية، أم انه يعبر عن الآخر، إن الآخر كما يقول أدونيس « يقيم في عمق أعماقنا، فجميع ما نتداوله اليوم فكريا وحياتيا، يجيئنا من هذا الغرب، أما فيما يتصل بالناحية الحياتية فليس عندنا ما نحسن به حياتنا إلا ما نأخذه من الغرب، وكما أننا نعيش بوسائل ابتكرها الغرب، فإننا نفكر ب » لغة « الغرب : نظريات، ومفهومات، ومناهج تفكير، ومذاهب أدبية ... الخ، ابتكرها هي أيضا، الغرب . الرأسمالية، الاشتراكية، الديموقراطية، الجمهورية، الليبرالية، الحرية، الماركسية، الشيوعية، القومية ...الخ / المنطق، الديالكتيك، العقلانية ... الخ / الواقعية، الرومانطيقية، الرمزية، السوريالية ».
وإذا كانت الحداثة الغربية تعكس « معارضة جدلية ثلاثية الأبعاد : معارضة للتراث، ومعارضة للثقافة البرجوازية ن بمبادئها العقلانية والنفعية، وتصورها لفكرة التقدم» فإن الحداثة العربية المعاصرة لم تشهد هذا كله ،ويصر أنصارها على أن هناك تطورا وتغيرا في الشعر العربي يضارع شعر الحداثة الأوربية ويماثله، على الرغم من أن المجتمع العربي لم يشهد تحولات تماثل التحولات الكائنة في الغرب « فليس في المجتمع العربي حداثة علمية . وحداثة التغيرات الثورية الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، هامشية لم تلامس البنى العميقة، لكن مع ذلك، وتلك هي المفارقة، هناك حداثة شعرية عربية، وتبدو هذه المفارقة كبيرة حين نلاحظ أن الحداثة الشعرية في المجتمع العربي تكاد تضارع في بعض وجوهها الحداثة الشعرية الغربية، ومن الطريف في هذا الصدد أن حداثة العلم متقدمة على حداثة الشعر، بينما نرى، على العكس ،أن حداثة الشعر في المجتمع العربي متقدمة على الحداثة العلمية الثورية » .
ولا تعاني الحداثة العربية المعاصرة من انفصامها عن الواقع فحسب، وإنما تعاني من عدم التحامها عضويا بالبناء المعرفي للثقافة العربية، فهي لا تنمو بعافية في الواقع ولا تنبع من ذوات قلقة، فالحداثي العربي تعيش كما يقول أدونيس « بعقل الآخر وأدواته وتذوقه »، لأن النظام المعرفي للثقافة العربية يحجم الحداثة ويحد من حريتها وتلقائيتها، إن الحداثة « حركة تقوم على قول ما لم يقل في هذا المجتمع على رؤية عوالم متحررة من جميع العوائق النظرية والعملية، في حرية تخيل كاملة، وحرية تعبير كاملة، ويتعذر ذلك دون تجاوز النظام المعرفي السائد » ، وهذا صعب إن لم يكن مستحيلا في ظل الواقع الراهن، ولذا فإن الحداثة السائدة تمثل تهجينا في واقع مغترب، فهي« حداثة مهربة » كما يقول أدونيس « لأننا عندما نتكلم عليها إنما نتكلم على الآخر، متوهمين أن الآخر هو الذات».
إن هذه التصورات تدفعنا إلى القول إن نظام العلاقات الذي تم إرساؤه في الماضي هو نفسه نظام العلاقات الذي نتفاعل معه، ولا يزال يؤثر في ذهنيتنا وأنماط أفعالنا، وهذا يعني خلو حاضرنا من خصوصية حقيقية تميزه، فنحن إزاء خيارين، إما ارتماء في نظام علاقات الماضي، أو تمرد كلي عليه، دون بديل ينبع من خصوصيتنا، بمعنى ارتماء في نظام علاقات الآخر الغربي.
وفي ضوء هذا فإن الحداثة العربية تبدو متأثرة إلى حد كبير بإنجازات الحداثة الغربية، الأمر الذي يبعث على القول إن هناك تبعية إبداعية تتزامن مع التبعية العامة التي تعيشها الأمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، لدرجة دفعت باحثا إلى القول إن الحداثة العربية« كالصدى لأصوات بعيدة سواء كانت العلاقة بين الصدى ومصدره مباشرة أو غير مباشرة » أو هي ليست« سوى صورة كاريكاتيرية من حداثة الغرب » ، كما يؤكد ذلك فاضل العزاوي، ومن الغريب أن أحد الباحثين يعد هذا صحيحا، ويرى أن «استيراد الحداثة في الحياة والأدب أمر مشروع، وهو شبيه باستيراد وسائل الصناعة ووسائل الدفاع والمدارس الأدبية »! ! .
ثالثا : حداثة صفوة :
إن الحداثة العربية تعاني من أزمة انفصام حقيقي مع الآخر من ناحية، ومع السياقات التاريخية من ناحية ثانية، وهي في الوقت نفسه حداثة مجموعة من المثقفين، أو الانتلنجسيا بالمفهوم الغربي، يتحاورون ويتناقشون بعيدا عن الشارع العربي، بمعنى أنهم لا يعبرون عنه ولا يؤثرون فيه، ويرى محمد عابد الجابري أن هذه الصفوة « فئة قليلة جدا، وغير مؤثرة التأثير الكافي في واقعنا الثقافي . إن الكتاب الذي يصدر بيننا ويؤلفه واحد منا نتداوله فيما بيننا نحن فقط، ولا يوزع منه إلا حوالي ستة آلاف نسخة فقط في شعب يزيد على مائة وخمسون مليونا » .
إن الذين يؤثرون في الواقع الاجتماعي أولئك السلفيون الذين يصوغون الحاضر في ضوء نمطية الماضي ومثاليته وثبات آلياته وأفكاره، وهذا يعني أنهم يعيدون إنتاج الماضي في الحاضر، واجترار لكل أشكاله المألوفة / ومن ثم لا يمثل ما يقدمونه إضافة معرفي جديدة ،وإنما إنتاج ما تم إنتاجه، شرحا، أو تلخيصا، إن لم يكن تشويها . إن المثال الذي يسعى إليه هؤلاء لا يتحقق وجوده في الحاضر والمستقبل بفعل الجهد الإنساني، وإنما هو قار في الماضي، ومن ثم فإن التقدم عند هؤلاء ليس في « السير نحو المستقبل وإنما هو في العودة إلى الماضي . مثلها الأعلى نظريا هو الإيمان المطلق بكمال الماضي، وهو عمليا الخضوع للمؤسسات السياسية أو الدينية أو الاجتماعية التي تمثله»
إن هناك تطابقا في الرؤية والسلوك بين جماهير الأمة والمؤثرين فيها من أصحاب النزعات الماضوية والسلفية، وهذا يعني أن التغير الذي نراه على هذه الجماهير إنما هو تغير شكلي وسطحي، ولأن جمهورنا كما يقول أدونيس « لم يبدأ حتى الآن ثورته العقلية » إذن ليس المعول عليه ارتداء البدلة الإفرنجية وركوب السيارة والطائرة، ولا حتى استخدام الحاسوب والانترنيت وإنما المعول عليه هو الفعل الذي تؤديه هذه الجماهير حقا، فهل تجد الجماهير في زمن الإحباط وجودها الذهني والمعرفي في تلك النمطية الثابتة في الماضي، أو أنها تتبنى مفاهيم الحداثيين، الفئة القليلة، التي تتحاور وتتناقش في معضلات ومشكلات لا تفهمها هذه الجماهير، ولا تعيرها اهتماما، تلك إذن هي المعضلة.
تساؤلات أخيرة
بقيت بعض التساؤلات تثار حول الشعر العرب الحديث بوصفه معبرا عن الحداثة العربية المعاصرة :
لماذا بقيت قصائد الحداثيين غارقة في الغنائية، وإذا كانت الغنائية تعبير مفرط عن الذات، وتلك سمة شائعة في أدبنا الحديث، فهل الحداثة تكريس وتأكيد لهذه الغنائية، أم تجاوز لها ؟ إن هذا تعميق لدور الشفاهية ودورها في الإبداع، على الرغم من أن منظري الحداثة يؤكدون ضرورة نفيها وتجاوزها.
لماذا ظل الوعي بالعالم والمجتمع والإنسان لدى أغلب شعراء الحداثة على ما هو عليه، ما عدا اختلافات بسيطة، إذ لا يزال الحداثيون يعيدون إنتاج القيم القديمة ذاتها، ولا يتجاوزون التغيرات الشكلية، فهم محافظون على « حدود قيم الريف الذي خرجوا منه والقبيلة التي ينتمون إليها .ولا يهم هنا إذا ما تغيرت الأسماء فقد يتخذ الريف شكل المدينة، وقد تستبدل القبيلة بالدولة أو الحزب، أو أي شيء آخر، المهم هو أن الموقف هو الموقف القديم ذاته والعواطف هي العواطف المبتذلة ذاتها ».
لماذا يرتبط أغلب شعراء الحداثة العربية بالسلطات القمعية، يدافعون عنها، ويعيدون إنتاج ثقافتها، فلقد شهدت مرحلة ما بعد وأغلب أدباؤها حداثيون « أدباء يؤثرون العبودية الوديعة يخدمون السلطة وينالون مقابل هذه الخدمة الامتيازات والمكافآت . وهؤلاء يخضعون في نتاجهم لمباديء لا يحددها الفن، وإنما تحددها السلطة، وهي مبادئ خاضعة للتغير تبعا لتغير السلطة »، ولذلك ليس غريبا « ان نرى شعراء وكتابا عربا، ترتبط أسماؤهم بالحداثة العربية يمجدون الدكتاتوريات وأنظمة القمع والحروب باسم الغيرة الوطنية والقومية، أو يقفون مع الجلادين مشاركينهم الفتك بشعوب بأكملها، أو يسكبون عواطفهم الساذجة المبتذلة الهشة على الورق وبكائياتهم وصيغهم الجاهزة عن كل شيء من تمجيد القوة العسكرية وحتى البكاء على الذات».
وأخيرا :هل يمكنني القول :
إن ما نعيشه اليوم يمثل إرهاصات الحداثة .... و ان الحداثة العربية لما تأت بعد .
المصادر والمراجع :
- أحمد عبد المعطي حجازي، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982.
- أدونيس ،فاتحة لنهايات القرن، دار العودة ،بيروت، 1993
- أدونيس زمن الشعر، دار العودة، بيروت، 1983
- أدونيس، النص القرآني وآفاق الكتابة، دار الآداب، بيروت، 1993.
- ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق محمد أحمد شاكر، دار المعارف، مصر، 1982.
- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ،بيروت، د. ت.
- بيتر بروكر، الحاثة وما بعد الحداثة ،ترجمة عبد الوهاب علوب، ومراجعة جابر عصفور، المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1995.
- جابر عصفور، نظريات معاصرة، دار المدى، بيروت، 1998.
- جابر عصفور، هوامش على دفتر التنوير، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ،بيروت، 1994.
- جبرا إبراهيم جبرا، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982.
- حمادي صمود، ندوة العدد، ( الحداثة في الشعر )) مجلة فصول، العدد : 1 / 1982
- خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة ،مجلة فصول ،ع 3 / 1984 .
- خليل موسى ،الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، مطبعة الجمهورية، دمشق، 1991.
- سلمى الخضراء الجيوسي، ندوة العدد « الحداثة في الشعر » مجلة فصول العدد : 1 / 1982.
- شكري عياد، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982.
- صالح جواد الطعمة، الشاعر العربي المعاصر ومفهومه النظري للحداثة، مجلة فصول، العدد : 4 1984
- صلاح فضل، نبرات الخطاب الشعري، دار قباء، القاهرة، 1998 .
- عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة،د.ت .
- فاضل العزاوي ،بعيدا داخل الغابة ،البيان النقدي للحداثة العربية ، دار المدى للثقافة والنشر ،دمشق ، 1994 .
- كمال أبو ديب، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982.
- مارشال بيرمان، حداثة التخلف، ترجمة فاضل جكتر ،دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، 1993.
- مالكوم برادبري، الحداثة، ترجمة مؤيد فوزي حسين ،مركز الإنماء الحضاري، حلب ،1995 .
- محمد برادة، اعتبارات نظرية لتحديد مفهوم الحداثة، م فصول ،ع 3 1984.
- محمد عابد الجابري، التراث والحداثة، دراسات ومناقشات، مركز دراسات الوحدة ،بيروت ،1991.
- محمد بنيس، ندوة العدد « الحداثة في الشعر » مجلة فصول العدد : 1 / 1982.
- نبيل سلطان، فتنة السرد والنقد، دار الحوار، اللاذقية، 1994 .
- Abrams , M.H, A Glossary Of Literary Terms , Holt Rinehart,1985
Fowler , roger ,modern critical terms , routiodge & kegan paul london, 1987 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.