ليس من ثقافة تقدس «العمل» كما ثقافتنا الإسلامية.. فالإسلام يرتقي بالعمل إلى منزلة «الجهاد»، وأيضاً إلى منزلة «العبادة» وحسبنا أن يمسك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بكف تشققت من العمل وقبلها ثلاثاً وفي كل مرة يقول: «هذه يد يحبها الله ورسوله»!اليوم سيحتفل العالم بأسره بعيد العمال غير أنني آثرت فيه تحية العمال اليمنيين بطريقتي الخاصة.. فالسيدة (خميسة) أوقفتني قبل أيام في جامعة صنعاء، وذرفت دموعها الحرى على أوراقي، وهي تشكو بؤسها وحظها العاثر.. فهذه السيدة «الزبيدية» التي بلغت الخمسينيات من عمرها تعمل منذ أكثر من خمسة عشر عاماً في الجامعة (في الخدمات)، من يتطلع إلى وجهها يعرف حجم الكفاح المرير الذي كابدته، فهي أرملة ولديها «ستة» بنات وأولاداً تعيلهم. قبل ثلاثة أشهر فقط تضاعف مرتب «خميسة» إلى عشرين ألف ريال بفضل استراتيجية الأجور، فشعرت بنشوة انتصار عظيمة على الفقر بعد 15 عاماً من المقاومة الشرسة... لكنها لم تكن محظوظة لتنعم بخير الوطن، وتهنأ بطيب العيش، إذ إن الجامعة أرسلت ملفها إلى الخدمة المدنية لإكمال إجراءات إحالتها إلى التقاعد..! «خميسة» جن جنونها منذ سماعها الخبر.. وتحولت إلى امرأة أخرى، لا يغمض لها جفن من التفكير كيف ستعيش وبناتها بعد اتخاذ قرار التقاعد؟ ولماذا الآن بالذات بعد أن ذاقت لأول مرة نعم الوطن وخيرات هذا التطور الهائل في عهد الرئيس الصالح!؟ فهي لم تصبر على الجوع والعوز خمسة عشر عاماً إلاّ لأنها كانت تنتظر هذه اللحظة التي تأخذ فيها الدولة بيد المواطن وتكفكف بؤسه، وتنهي معاناته.. لذلك هي اليوم تتشبث بكل من مرّ بها، وتشكوه سوء حظها، وتتوسل إليه أن ينقل صوتها إلى صناع القرار، ويقول لهم: «خميسة مازالت قادرة على العمل.. خميسة مثل السمكة إذا أخرجتموها من الماء.. ستموت»! لقد تحينت هذا اليوم بالذات لأكتب عن هذه المرأة العاملة المكافحة، ولأقول لها: إنك لست سيئة الحظ يا «خميسة».. لأنك شكوت لصحيفة «الجمهورية» .. منبر كل أبناء الشعب والرائدة في تبني قضايا وهموم المواطنين، وها نحن نرفع صوتك إلى الدكتور الفاضل خالد طميم، رئيس جامعة صنعاء، ونناشده في هذا اليوم العالمي بأن ينتصر للمرأة اليمنية العاملة، ويعيد الفرحة إلى وجه «خميسة»، ويمد يده لها لتستمر بالعمل.. ولتتلذذ بخيرات الوطن.. فأي سعادة أكبر من أن نرى هؤلاء الكادحين، البائسين وقد شملتهم الدولة برعايتها، وقد شبعوا بعد حقب الجوع.. وقد عرفوا العزة بالكرامة بعد أن جارت عليهم العهود الماضية بالذل، والهوان..! إن ما يميز بلدنا هذا هو أننا توحدنا، وأصبحنا نمارس الديمقراطية، ونرى هامة الوطن ترتفع ولكن من غير أن نسحق إنسانيتنا، فالثورة في اليمن لم تقم إلاّ من أجل الإنسان اليمني.. فأخلاقنا وأصالتنا لا تسمح لنا أن نكون كما المجتمعات الرأسمالية التي تقطف زهرة شباب الفرد، ثم ترميه كهلاً يائساً..! «خميسة» أفنت شبابها في خدمة الجامعة، وكم شقت وتعذبت وهي تؤمن للأجيال مكاناً نظيفاً يتعلمون فيه، ويكبرون، ويكبر معهم اليمن.. وتكبر أحلامنا جميعاً.. فتلكبر معنا أيضاً «خميسة» ولا ننساها خلفنا، فبسواعد هؤلاء الكادحين بنينا الوطن، ومن حقهم أن ينعموا معنا تحت نفس المظلة.. ننتظر قراءة تعقيب الدكتور طميم وهو يؤكد لنا أن «خميسة» ستبقى رمزاً تفاخر به الجامعة لأنموذج رائع لكفاح المرأة اليمنية.