بين من يرى في المسؤولية «منصباً» وآخر يجدها «غنيمة» وثالث يعدها «مهمة وطنية» فإن أي مطلب من أي مسؤول قد يصبح «رهاناً» أو يتحول إلى «مقامرة» طالما وللمسؤولية فهم متعدد !أمس حملت قضية السيدة «خميسة الزبيدية» التي ترفض التقاعد عن خدمتها في جامعة صنعاء إلى هذا المنبر، وتحدثت بلغة الواثق جداً بأن صوت «خميسة» سيجد أذناً صاغية، وقلباً رؤوفاً، وتفهماً إنسانياً لمشكلتها، ولم أكن «أقامر» بتفاؤلي بل «أراهن» على مسؤول حكومي نظيف، ومخلص، ويعرف أن قرار القيادة في تعيينه رئيساً لجامعة صنعاء كان تكليفاً بمهمة وطنية شاقة ! فبعد ساعات قليلة من صدور «الجمهورية» كان الدكتور خالد طميم يفرد ابتسامة عريضة بوجهي، ليخبرني أن «خميسة» ستواصل عملها في الجامعة، ولن تحرم من نعيم الوطن، وليحدثني عن هؤلاء الناس الكادحين بشرف، والذين لولاهم، ولولا إرادتهم لما وصلت اليمن إلى ما وصلت إليه من حياة كريمة.. وبدا الدكتور طميم وهو يتحدث عن «خميسة» الأرملة البائسة كما لو أنه يتحدث عن شخص له ثقل سياسي أو اجتماعي في اليمن.. فأدركت انه يتحدث عنها بكيانها الإنساني، وبوصفها «مواطنة» يمنية !! «خميسة» تستأنف عملها في الجامعة صباح غدٍ السبت، ولكن الاهم هو كيف نرسخ في مجتمعنا ثقافة ممارسة المسؤولية بأمانة، وبإحساس إنساني، وبمقاييس المواطنة التي تجعل أكبر مسؤول في الدولة بوضع متساوٍ مع أي مواطن بائس في البلد !! وكيف ننزل إلى مستوى هؤلاء المعدمين أو البسطاء من أبناء الوطن ونتلمس همومهم ومعاناتهم عندما نكون على كرسي المسؤولية !؟ وكيف يتسنى لنا «استنساخ» شخصية «طميم» في هذه الوزارة، وتلك الهيئة، وذلك المنصب الحكومي ليجد مواطنونا إذناً صاغية، وقلباً رحيماً، وإنساناً يعرف مسبقاً انه في مهمة وطنية، وليس منصباً تشريفياً أو ساحة غنائم. !؟ عندما نتصفح مشاكل اليمن الداخلية، والأعمال غير السرية التي يقدم عليها بعض الأفراد، ونحاول تتبع خلفياتها نكتشف أنها لم تكن سوى مشاكل بسيطة كقضية «خميسة» لكنها لم تجد الدكتور طميم وأمثاله من المسؤولين ليتفاعلوا معها، ويجدوا مخرجاً معقولاً لأصحابها.. وعوضاً عن ذلك يجدون من يشحن نفوسهم بالكراهية والاحقاد، ويوسوس في آذانهم بشتى الأفكار الشيطانية المسيئة لسمعة المجتمع والبلد عامة ! نحن واثقون أن شعبنا بسيط، وقنوع، وصبور، ومحب للأمن والسلام، إلا أن بعض أفراده قد يقعون ضحية محترفين في التغرير، يتربصون الفرص لشغل أي فراغ يخلفه مسؤول حكومي فاسد، أو غير كفؤ لشغل منصبه، أو ضعيف حيلة وبصيرة. كما إننا اليوم ينبغي ان ندرك بأن المطالب الحقوقية المشروعة لابد ان تجد سبيلها، وأن ماسواها ليست إلا للمزايدات، ولمحاولة جر الناجحين إلى مدارج الفشل بحثاً عن مساواة في الاخفاق طالما سبقه عجز في تحقيق النجاح.. ولا ندري لماذا لا يجعل البعض لنفسه قدوة يسعى لاقتفاء اثرها في التفوق. ومحاكاة تجربتها في العمل المخلص الذي لا يراد به غير خدمة الوطن والمواطنين. فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى أمثال الدكتور خالد طميم لنعزز فرص التعاون والتكافل والمودة ونشد أواصر لحمتنا الوطنية بغير استهانة بصغير أو ضعيف أو فقير.. فخير اليمن للجميع، وما يصبها من سوء لا سمح الله يصب الجميع.. فلنقف إكباراً لكل مسؤول شريف يكفكف دمعة مواطن، أو ينصر مظلوماً، ويغرس الأمان في النفوس.