هذا السؤال يجرنا إلى تساؤل حول مصداقية النص وهل هو نابع من الذات الكاتبة فحسب ؟ وهل هو محكوم بمسبق ذهني نمطي جاهز ؟ وهل النموذج يمثل السياق الحاسم في المعادلة الكتابية ؟ وماهو التأليف ؟ وهل يتلقى القارئ للنص بوصفه حالة واحدة بذائقة موحدة ؟ عندما كتب «رولان بارت » مقاله الذي ملأ الدنيا وشغل الناس تحت عنوان « موت المؤلف » كان مأخوذاً بنظرية التلقي الجمالية .. تلك النظرية التي مهّد لها سابقوه وأصّلها هو في معرض متابعته لتعددية التلقي مما يرفع من مكانة القارئ ويجعله صنواَ للمؤلف أو مؤلفاً يقتفي أثر المؤلف فيما يلغيه عن طريق الهضم والاستيعاب والتداعيات. إلى ذلك رأى رولان بارت أن المؤلف فيما يكتب إنما يستعيد ذاته عاكساً عوالمه السيكولوجية والنفسية منصاعاً لزمن الإبداع الذي يأتيه فيضاً مخطوفاً بالكلام واللغة، بل أيضاً بالمساحة البيضاء التي يكتب فيها، حيث تتحول تقاطعات البياض بالسواد إلى معادل بصري يرتقي إلى مستوى الدلالة . تنطلق الفكرة الجوهرية القائلة بموت المؤلف من أن هذا المؤلف ينصاع لقوانين الكتابة ونواميسها الروحية مما يجعله سارداً محايداً حتى وهو يتوهّم أنه يعبر عن قناعاته ! .. ولا يمكن الإمساك بمثل هذه الفكرة المتضبّبة الغائمة إلا إذا استوعبنا المشروع الانقلابي الذي أراده رولان بارت في نظره لفلسفة القراءة والكتابة معاً .. فالقارئ الجديد عليه أن يتخلّص من عبء التماهي التام مع الكاتب المؤلف، لأن ذلك الكاتب المؤلف ليس سارداً لذاته بل لحقائق تفرضها شروط الكتابة وأبعادها .. كما أن على المؤلف أن يتنازل عن مركزيته الواهمة وهو يفترض أنه البطل الأوحد في النص .. بكلمات أخرى، يريد صاحب الفكرة سحب البساط من فكرة النجم الكاتب الذي يعيد تدوير معطيات الحياة وتفاصيلها كما ،ويرى رولان بارت عوضاً عن ذلك الاستعاضة عنها بسلطة النص .. ذلك أن الكتابة ليست شهادة على ما كان أو عملية إثبات وتسجيل وتوثيق لشواهد، بل حالة موصولة بالمستقبل، متجاوزة للأنا الساردة ومُشتركة في كتابة النص المقروء. . هذا الاستنتاج نجد له توازياً في العديد من المؤلفات القديمة التي تحدثت عن اللمعات والبوارق وومضات الفكرة الجديدة المدهشة التي تتجاوز حدود الزمان والمكان وتقبع في مكان ما خارج الزمن الفيزيائي وفوق إدراك وإرادة صاحب النص بالمعاني العقلية والمسبقات الذهنية . رولان بارت وأمثاله من منظري النص الجديد استفادوا من علم جمال الشكل بحثاً عن مضامين جديدة .. ولقد استبطنوا ماكان، مُؤكدين تالياً وثالثاً أن فلسفة الكتابة تتموضع في عمق التاريخ الإنساني ولا تحيد عن هذه الديمومة