في الفن التشكيلي يمكن اختيار تجربة الفنان الاسباني سلفادور دالي، الذي خرج من قلب الواقعية التعبيرية، وتمكن من أداوته كأحد أكبر الحرفيين في التعامل مع الكتلة واللون والخط، وفاضت به التجارب حتى وصل إلى تخوم التجريب السريالي كأشهر فنان تشكيلي حاول التعبير عن منجزات العلوم السيكوليوجية والباراسيكيولوجية، تماماً كرديفه الروائي الايطالي ألبرتو مورافيا، صاحب رواية « أنا وهو وهي»؛ ولكن في أفق آخر. والشاهد أن هؤلاء جميعاً ما كان لهم أن يجربوا ويقدموا جديداً لولا الفيض المعرفي الممارسي، والتراكم الكمي الذي أفضى بهم إلى تقديم نوع جديد. الأمثلة السابقة أوردتها للتدليل على مشروعية التجريب الفني من جهة، وعلى صعوبة هذا التجريب من جهة أخرى؛ فمن لا يمتلك أدوات التجريب استناداً إلى سابق إنتاجه ومكانته الفنية إنما يتنطّع ويدخل نفسه في خرم إبرة ضيقة. كان المخرج الألماني برتولد بريشت كبير المجربين المغادرين لأدوات المسرح الكلاسيكي، وقد تمكّن من استخدام فكرة التغريب الفلسفية كيما ينزاح بالمسرح الأكاديمي ويضع اللبنات الأولى للمسرح الملحمي الذي يعتدّ بمكانة الجمهور، ويدخله في صلب العملية الدرامية، من خلال إلغاء حاجز الوهم، والتعامل مع الحقيقة المسرحية بوصفها إعادة إنتاج للواقع، وليست واقعاً موازياً للواقع. وما كان لبريخت أن يفعل ذلك إلا عبر أدوات مبتكرة كسرت السينوغرافيا التقليدية، واستفادت من نتاجات الفنون الأخرى، وأمعنت في استنطاق الفكر. مدار النون النون دائرة ناقصة ولكن قابلة للكمال. والدائرة تتميز عن كل الهيئات الهندسية، لكونها بدون زوايا، فلا يحدها حد. وإذا تتبعنا العلاقة بين الأرقام العربية والزوايا سنجد شاهداً برهانياً على أن الأرقام تسمّت بأسمائها استناداً إلى الزوايا، وبالتالي يكون للواحد زاوية واحدة، وللاثنين زاويتان، وللثلاثة ثلاث زوايا... وهكذا حتى نصل إلى التسعة،، لكن الدائرة تتجاوز الزوايا والحدود، وهي بمثابة النون التي اكتملت بالنقطة، مما يتطلب ذائقة استبصار واستكناه. تتجوهر النون في الكينونة. فالله تعالى يقول للشيء: «كُن»، فيكون. ومن هنا تتموضع النون في مثابتي النقطة والدائرة، ويا لهما من مكانتين مرموقتين! النون رافعة النص. ويبقى التساؤل حول مصداقية النص، وهل هو نابع من الذات الكاتبة فحسب؟ وهل هو محكوم بمسبق ذهني نمطي جاهز؟ وهل النموذج يمثل السياق الحاسم في المعادلة الكتابية؟ وما هو التأليف؟ وهل يتلقى قارئ النص، بوصفه حالة واحدة، بذائقة موحدة؟... هذا التساؤلات تقتضي بياناً. عندما كتب رولان بارت مقاله الذي ملأ الدنيا وشغل الناس تحت عنوان «موت المؤلف»، كان مأخوذا بنظرية التلقي الجمالية؛ تلك النظرية التي مهّد لها سابقوه وأصّلها هو في معرض متابعته لتعددية التلقي، مما يرفع من مكانة القارئ ويجعله صنواً للمؤلف، أو مؤلفاً يقتفي أثر المؤلف فيما يلغيه عن طريق الهضم والاستيعاب والتداعيات. إلى ذلك رأى رولان بارت أن المؤلف فيما يكتب إنما يستعيد ذاته عاكساً عوالمه السيكيولوجية والنفسية، منصاعاً لزمن الإبداع الذي يأتيه فيضاً مخطوفاً بالكلام واللغة، بل أيضا بالمساحة البيضاء التي يكتب فيها، حيث تتحول تقاطعات البياض بالسواد إلى معادل بصري يرتقي إلى مستوى الدلالة. تنطلق الفكرة الجوهرية القائلة بموت المؤلف من أن هذا المؤلف ينصاع لقوانين الكتابة ونواميسها الروحية، مما يجعله سارداً محايداً، حتى وهو يتوهّم أنه يعبر عن قناعاته! ولا يمكن الإمساك بمثل هذه الفكرة المتضبّبة الغائمة إلا إذا استوعبنا المشروع الانقلابي الذي أراده رولان بارت في نظره لفلسفة القراءة والكتابة معاً. فالقارئ الجديد عليه أن يتخلّص من عبء التماهي التام مع الكاتب المؤلف؛ لأن ذلك الكاتب المؤلف ليس سارداً لذاته فقط، بل لحقائق تفرضها شروط الكتابة وأبعادها. كما أن على المؤلف أن يتنازل عن مركزيته الواهمة وهو يفترض أنه البطل الأوحد في النص. بكلمات أخرى: يريد صاحب الفكرة سحب البساط من فكرة النجم الكاتب الذي يعيد تدوير معطيات الحياة وتفاصيلها، ويرى رولان بارت عوضاً عن ذلك الاستعاضة عنها بسلطة النص؛ ذلك أن الكتابة ليست شهادة على ما كان، أو عملية إثبات وتسجيل وتوثيق لشواهد، بل حالة موصولة بالمستقبل، متجاوزة لل»أنا» الساردة، ومُشتركة في كتابة النص المقروء. هذا الاستنتاج نجد له توازياً في العديد من المؤلفات القديمة التي تحدثت عن اللمعات والبوارق وومضات الفكرة الجديدة المدهشة التي تتجاوز حدود الزمان والمكان وتقبع في مكان ما خارج الزمن الفيزيائي وفوق إدراك وإرادة صاحب النص بالمعاني العقلية والمسبقات الذهنية. رولان بارت وأمثاله من منظري النص الجديد استفادوا من علم جمال الشكل بحثاً عن مضامين جديدة. ولقد استبطنوا ما كان، مُؤكدين، تالياً وثالثاً، أن فلسفة الكتابة تتموضع في عمق التاريخ الإنساني، ولا تحيد عن هذه الديمومة. في مدار النون إبراهيم الكوني أحد أهم الروائيين العرب المعاصرين إن لم يكن أكثرهم حضوراً في الإنتاج والتداعي التام مع خياراته المؤصلة معرفياً وثقافياً. امتلك ناصية السرد المقرون بثقافة مؤسسة على قراءات راكزة، واستشفاف عميق لحكمة النصوص التاريخية، حيث نجد فيه ولديه التقاطات غاية في الحيوية والطرافة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال جملة المتكآت النصيّة الدالة والتي يستخرجها من تضاعيف الذاكرة الموصولة باستعادات ماضوية هامة، نذكر منها هنا: النصوص التي يقدمها كعتبات لفصول بعض رواياته، والتي تنم عن اختيار محكوم بقصدية مؤكدة، ولكن أيضا بفرادة تتطلب من السارد اختيار الجواهر من بين ركام الكتابات والمقاربات والعقائد، حتى يصل إلى مثل تلك الانتقاءات الفريدة. وفي هذا الباب سنجد نصوصاً تاريخية، وأخرى من العهدين القديم والجديد، ونصوصاً صوفية، وبعض النصوص من الآداب الشعبية الصحراوية. جملة تلك الاختيارات تنسكب في أساس النص السردي، مُمهدة له، وسابحة في فضاء الدلالة الحكمية التي يريد أن يعيد تصويرها السارد بوصفها انزياحًا إبداعياً نحو شكل جديد في الكتابة. هذا النوع من الانتقاء الذكي لا يعني الإقامة في الماضي، بل الأخذ بفكرة التدوير، فما قاله الأولون واحتاروا فيه هو ما نقوله اليوم ونحتار فيه أيضاً، ولكن بكيفيات مختلفة، وبتجليات مغايرة. وبهذا المعنى فإن «الكوني» يتلمّس روحيته السردية من خلال التدوير الخماسي بالمعنى الموسيقي. السُلّم الخماسي رديف للصحراء، موصول بلازمة تعيد إنتاج نفسها علواً وهبوطاً. والحال أن نص «الكوني» يعيد إنتاج الحقيقة الأزلية بطرائق مُتعددة، مما يذكرنا بالمقامات اللحنية الصحراوية ذاتها المغروسة في أعماق التاريخ والمنتشرة في متاهة الصحراء. التدوير سمة تؤكد واحدية الأكوان، وتشابك الأنواع الفنية. فالنص «الكوني» يستقيم على موسيقى الوجود، ويتلمس الطريق لشفافية العلاقة بين الكلمة وبين النغم، الصورة وما يتجاوزها، التشبيه والتجريد... وأخيراً الحرية والعبودية. مدارات «الكوني» التماهي مع الطبيعة حالة إقامة دلالية وذوقية في نصوص الروائي إبراهيم الكوني، هنالك حيث تتحول الصحراء إلى مُعادل مطلق لتجليات الوجود، وتصبح لغة الرمال موازية لأصوات البشر وأنينهم، وتتحوّل فيها المفازات المفتوحة على الآماد اللامتناهية إلى ترميز لمحنة الحضور التعس في الحياة، وتتموسق العوالم ضمن متوالية لمركزية التدوير في المعنى والمبنى في الروح والجسد، فإذا بنا نعيد إنتاج الذي كان، فيما ننزاح سفراً في الأفراح والأتراح، نواجه مصائرنا المحتومة ونحن ننغمس في اللذة الأبيقورية المشعة من واحات الصحراء الخضراء، ومياهها العذبة، ونسائها اللائي كجمال وردة الصبار، تلك الوردة الزاهية الرائعة التي لا يمكن الوصول إليها دون ثمن باهظ؛ فالصبار يحيط وروده بسياجات من الأشواك المتوحشة النافرة، فمن أراد الوصول إليها عليه أن يدفع الثمن ألماً ونزفاً وحُمّى. هكذا هي بنت الصحراء الكبرى: جمال كجمال الواحات الخضراء وسط الصحراء الأبدية، وروعة كأقواس قزح وسط سماء خرجت لتوها من ضبايبة المطر الغزير، وذكاء يتغذّى من توازن الصحراء وأشجارها الدوائية، ورشاقة كرشاقة الغزلان الشاردة، وقوة تحمل كناقة الصحراء الصابرة الصبورة. تحتل الإشارة مكانة متميزة في سرديات «الكوني»، سواء في الإيماءات النصيّة الموصولة بالعتبات، أم في تلك الإشارات القادمة من لغة «الطوارق»، سواء كانت لغة محكية، أم غوامض رمزية ذات دلالات محددة. ف«الكوني» لا يتورع عن تطويع نصه لتلك العوالم الإشارية، بل يرتكز في نزعته فوق الواقعية على تلك العوالم السحرية للمتصوفة والأسلاف المهجوسين بالأساطير وفلسفة المدى المفتوح. تصبح الطبيعة في نصوصه كتاباً مفتوحاً يومئ للدهر وتقلباته، وتُصبح عناصر الطبيعة، من رمال متحركة ونباتات متناثرة وأشجار متعددة الأشكال والهيئات... تصبح هذه العناصر بمثابة كائنات تتناوب الجوار مع ال«أنا» الآدمية. فيما يبدو الجمل الصحراوي في مكانة مركزية من تلك الأحوال. ففي روايته «التبر» تصبح الناقة البطل الأول الذي يتقلّب في محارق الشوق والهجر، الضنى والراحة، التوق واليأس، حتى إن المهري يسيطر على فكر صاحبه ويحدد معالم أيامه ومصيره! المهري جمل صحراوي من طراز فريد، وكائن حي يعرف متاهات الرمال وأبعاد أحوالها. إنه الحكم والخصم الذي اعتلى به السارد حتى أوصله إلى مقام يتناسب مع عمق الصحراء وآمادها المفتوحة.. المهري (الجمل) مثل «أوخيد» (البطل)، كلاهما يصارع الزمن بحثاً عن الحرية، وكلاهما يقع في أسر العبودية بمجرد التسليم للغريزة. وهكذا نقرأ في «التبر» أن بريق الذهب يوازي الرمال! فيما الرمال والانتماء لمداها الحر هو التبر (الذهب الحقيقي). والتّبر كالتُّرب يقول الإمام الشافعي: والتّبر كالتُّرب مُلقىً في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب فيُجري مقابلة بين الذهب والتراب (التّبر والتّرب)، مؤكداً أن الذي يَرى في العود ذهباً هو من يعرف العود بوصفه نوعاً من الخشب النبيل ذي الرائحة الزكية، كما أن مكانة العود النبيل تتقلّص في المناطق التي تنمو فيها تلك الأشجار، حيث أنها في عُرف ومفهوم سكانها ليست إلا نوعاً من الحطب أو الخشب. أما بالنسبة لمن لا يرى العود في بيئته فإنه يراه معادلاً للذهب في ندرته وسعره ومكانته. كتب إبراهيم الكوني رواية «التبر» التي تروي لنا حكاية الصحراوي الطوارقي «أوخيّد» وعلاقته بالمهري (الجمل المهري: نسبة إلى ذلك النوع النبيل من الجمال التي تعيش في صحراء اليمن، والإبل المهرية نجائب تسبق الخيل، منسوبة إلى قبيلة مهرة بن حيدان من اليمن). ذلك الجمل الذي أسماه «الأبلق» قياساً إلى لونه الاستثنائي الزاهي، سيصبح مركز الرواية وقلبها النابض؛ لأن «أوخيّد» يعتبره سبب الانعتاق من الارتهان للناس والطبيعة، فهو رفيق الدروب الطويلة، ورمز الوفاء، ومصدر الإلهام، وحالة السكينة المفارقة لمألوف العادات الدنيوية في مناطق الحضر والواحات الساكنة الوادعة؛ غير أن «الأبلق» وصاحبه محكومان بنواميس الحياة ووحشية الأيام، وكلاهما يلقى المصير نفسه الذي يرينا مدى تنكُّب الكائنات لمشقة حياة عامرة بالارتهان طالما ظل الكائن فاقداً لقيمة الحرية وجوهرها. أساس الحرية الاستغناء عن الغرائز، لكن هذا أمر مستحيل كما سنرى تباعاً. سيرة «أوخيّد» الصحراوي في رواية إبراهيم الكوني مشابهة تماماً لسيرة «الأبلق» الجمل؛ يتشاركان الحياة في الصحراء المفتوحة، ويقتنصان السكينة في لحظات الصفاء النادر، ويدفعان الثمن الباهظ للاقتران بالأنثى، ويتماوجان معاً صعوداً وهبوطاً في تصاريف الأيام ومتاعبها. الجمل المهري المهري الصحراوي الذي يسميه الروائي إبراهيم الكوني «الأبلق» يتحول إلى معادل شامل لحيوات الصحراء ونواميس الوجود، ويتبادل مع صاحبه حديث الإشارة الأعمق من الكلام، فيقيمان معاً في زمن الاتصال غير اللفظي، وفي مختلف الظروف، فيما تتحول حياة صاحب المهري (أوخيّد) إلى حالة مركزية يتعمْلق فيها الأبلق حتى منتصف رواية «التبر»، وحالما تصل حبيبة «أوخيّد» ومعذبته «الزوجة النابعة من جمال الواحات وفتنة الصحراء» تخبو العلاقة بين «أوخيّد» و«الأبلق»، فنذهب مع السارد في مسار جديد. في أعوام المجاعة، وبعد أن يكون «أوخيّد» قد أصبح أباً لطفل «ثمرة العلاقة الأبيقورية مع الأنثى»، ولا يملك من متاع الدنيا غير دابته، لا يجد «أوخيد» مفراً من التخلّي عن «الأبلق»، راهناً إياه عند أحد تجار الصحراء. غير أن الجمل لا ينسى صاحبه، ولا يقبل بالبقاء عند الغير، وتتوالى حالات الهرب للدابة، ويستشعر الذي أخذ الجمل رهناً، عمق العلاقة الخاصة بين «الأبلق» وصاحبه، فيساومه بتطليق زوجته إذا أراد استعادة دابته، وهذا ما كان. وتدور الأيام بعد أن تكون الزوجة المسكينة قد أُخذت لتزويجها من التاجر الصحراوي، ويشيع في الصحراء أن «أوخيّد» تخلّى عن زوجته مقابل حفنة من الذهب، فلا يجد المخطوف بعشقه الأزلي لأبلقه سوى طريقة وحيدة للتخلص من العار: قتل التاجر. تالياً يُطارد «أوخيّد» (القاتل) من قبل المتلهفين للأخذ بثأر قتيلهم، والباحثين حقيقة عن وراثة الذهب، ولا يتمكنون منه، بل من «الأبلق». حينها يقررون تعذيب الجمل حتى يسلم «أوخيّد» نفسه ذليلاً صاغراً، ثم يقتلونه كوسيلة وحيدة لوراثة ذهب التاجر المقتول. خارج النسق الحكائي الذي قدمته هنا باختصار مُخل، نقرأ في الرواية كامل المنظومة السردية المركبة لإبراهيم الكوني، تلك المنظومة التي تخوض غمار الواقعية السحرية المدهشة، وتستخدم أنساقاً بنائية مفتوحة كالصحراء، تتمايل مع تمايلات الآكام والهضاب، وتنحدر بالقارئ إلى السهول المنبسطة، وتقوم بتشفير المعاني، استئناسا بالأقوال وترسيخاً لعبرة الأيام. تلك المنظومة جعلت من سرد «الكوني» مُتميزاً، مُغايراً، ومُترعا بالخيال حد الاحتياط. في رواية «التبر» يتوازى التبر والتراب؛ ذلك أن حفنة الذهب الذي قدّم ل«أوخيّد» تمتزج بدماء التاجر المقتول، فيما يلهث اللاهثون وراء التّبر وهم لا يعرفون إلى أين سيصلون بالذهب أو يصل بهم. الرواية صرخة من أجل الحرية والانعتاق من الارتهان، أياً كان نوعه وشكله، وحتى لو كان ارتهاناً لدابة مُطيعة تقبل وتنفذ وتصبح مطية لصاحبها! لكن الحرية وهم كبير، تماماً كالمتعة، وكالرضا، فيا لها من مدارات دائرة وأحوال عاصفة! مدار السين السين تجاور الشين في تسلسل الحروف العربية، لكنها تتباعد عنها في «حساب الجُمَل»، غير أن هذا التباعد يتّصل بتميمة التداني، فهو تباعد يتّصل بثنائية «التداني/ التنائي». والشاهد أن السين تحمل الرقم 60 والشين تحمل الرقم 300، وإذا قمنا بتحليل هذه الأرقام فلكياً من خلال استبعاد الناسوتيات الرقمية (استبعاد تسعة أرقام من كل عشرة) سنجد أنهما 6 و 3، ومن المعروف ما هي علاقة الستة بالثلاثة، حيث أن الستة ضعف الثلاثة، كما أن الرقم 6 يحمل في طياته بُعدي الفرد والزوج، فالستة عدد فردي إذا أُحيل إلى 3 + 3، وهو زوجي في مستويي 2 + 2 + 2، أو 2 + 4، وعليه نرى صلة السين بالشين، ويمكننا استدعاء نصين لنستطيب المقاربة. يقول الشاعر على نسق الشين: نفحات الريح قولي للرشا لم يزدني الورد إلا عطشا لي حبيب حبه وسط الحشا إن يشا يمشي على خدٍّ مشا روحه روحي وروحي روحه إن يشا شئتُ وإن شئتُ يشا. ويقول على نسق السين: لأنوار نور الحق في الحق أنوار وللسر في سر المُسرين أسرار.