التماهي مع الطبيعة حالة إقامة دلالية وذوقية في نصوص الروائي إبراهيم الكوني، هنالك حيث تتحول الصحراء إلى معادل مطلق لتجليات الوجود،وتصبح لغة الرمال موازية لأصوات البشر وأنينهم،وتتحول فيها المفازات المفتوحة على الآماد اللامتناهية إلى ترميز لمحنة الحضور التعس في الحياة،وتتموسق العوالم ضمن متوالية لمركزية التدوير في المعنى والمبنى في الروح والجسد،فإذا بنا نعيد إنتاج الذي كان،فيما ننزاح سفراً في الأفراح والأتراح،نواجه مصائرنا المحتومة ونحن ننغمس في اللذة الأبيقورية المشعة من واحات الصحراء الخضراء ومياهها العذبة ونسائها اللائي كجمال وردة الصبار.. تلك الوردة الزاهية الرائعة التي لايمكن الوصول إليها دون ثمن باهظ ،فالصبار يحيط وروده بغلالات من الأشواك المتوحشة النافرة،فمن أراد الوصول إليها فعليه أن يدفع الثمن ألماً ونزفاً وحمى.. هكذا هي بنت الصحراء الكبرى .. جمال كجمال الواحات الخضراء وسط الصحراء الأبدية.. وروعة كأقواس قزح وسط سماء خرجت لتوها من ضبابية المطر الغزير،وذكاء يتعدى من توازن الصحراء وأشجارها الدوائية.. ورشاقة كرشاقة الغزلان الشاردة.. وقوة تحمل كناقة الصحراء الصابرة الصبورة. تحتل الاشارة مكانة متميزة في سرديات الكوني سواء في الإيماءات النصيّة الموصولة بالعتبات،أو في تلك الاشارات القادمة من لغة «الطوارق» سواء بوصفها لغة محكية،أو غوامض رمزية ذات دلالة محددة،فالكوني لا يتورع من تطويع نصه لتلك العوالم الإشارية،بل يرتكز في نزعته الفوق واقعية على تلك العوالم السحرية للمتصوفة والأسلاف المهجوسين بالأساطير وفلسفة المدى المفتوح. تصبح الطبيعة في نصوصه كتاباً مفتوحاً يومئ للدهر وتقلباته،وتُصبح عناصر الطبيعة من رمال متحركة ونباتات متناثرة وأشجار متعددة الأشكال والهيئات.. تصبح بمثابة عناصر الجوار مع الأنا الآدمية،فيما يبدو الجمل الصحراوي في مكانة مركزية من تلك الأحوال،ففي روايته «التبر» تصبح الناقة البطل الأول يتقلب في محارق الشوق والهجر.. الضنى والراحة.. التوق واليأس،حتى إن «المهري» يسيطر على فكر صاحبه ويحد معالم أيامه ومصيره!.. المهري جمل صحراوي من طراز فريد،وكائن حي يعرف متاهات الرمال وأبعاد أحوالها،إنه الحكم والخصم الذي اعتلى به السارد حتى أوصله إلى مقام يتناسب مع عمق الصحراء وآمادها المفتوحة. المهري «الجمل» مثل «أوخيد»« البطل» .. كلاهما يصارع الزمن بحثاً عن الحرية،وكلاهما يقع في أسر العبودية بمجرد التسليم للعزيزة،وهكذا نقرأ في «التبر» أن بريق الذهب يوازي الرمال!!،فيما الرمال والانتماء لمداها الحر هو التبر«الذهب الحقيقي». [email protected] رابط المقال على الفيس بوك