عندما نتكلم عن الفرق الإسلامية، والتي ورد ذكر كثير منها في «الملل والنحل» للشهرستاني ف«الفرق بين الفرق» للبغدادي، فإننا نتلكم عن الاستعداد الذهني للناس، والعامة منهم على وجه التحديد، أولئك الذين يتّبعون في العادة صوت كل ناعق. ولقد استطاعت بعض الدعوات أن تخاطب هذه العامة على قدر عقولها.. والعامة ذات توجه نفسي مادي حسّي أكثر منه معنوي عقلي تستجيب لمن يخاطب غرائزها. لقد كثر الخروج على الدولة العباسية، وكان «بابك الخرني» قد خرج على الخليفة العباسي الذي انتدب لقتاله قواداً ممتازين منهم محمد بن يوسف الثغري الذي خرَّ صريعاً في معركة حامية الوطيس؛ فرثاه أبو تمام بأجمل مرثية في الشعر العربي؛ تلك التي يقول مطلعها: كذا فليجلّ الخطب وليقدح الأمر وليس لعين لم يفض ماؤها عذر إن بابك الخرني، ادعى أنه نبي، وأنه جاء برسالة سماوية هدفها الأول والأخير سعادة الإنسان، وأن الإنسان الذي لا يعيش جنة الدنيا لا يلقاها في الآخرة أبداً؛ ومن أجل ذلك فقد أحلّ المحرمات، كالزنى وزواج المحارم وشرب الخمر. وإن المال شركة بين الجميع لابد أن يستمتع به الغني والفقير على حد السواء، فتبعه جمعٌ وآمنوا بدعوته واستجابوا له، وفي كل عصر - تقريباً يخرج خوارج للتبشير إما بمذهب جديد أو عقيدة جديدة. وفي زيارتي للهند وقفت في مكتبة صغيرة لها عنوان عربي، وبعدما عرف صاحب المكتبة أني ضيف عربي مسلم بدأ يدعوني إلى الدين البهائي باعتباره عقيدة تؤمن بالأديان جميعاً وتدعو إلى التسامح؛ فلا فرق بين يهودي أو مسلم أو نصراني إن كان محمد قد سرق - بحسب زعمه - أفكار اليهودية والنصرانية أثناء زيارته للشام. قلت إن واجب الإعلام والعلماء الأعلام كشف زيف هذه الدعوات الباطلة؛ لأنها من مكونات الفتنة التي تهدف إلى ضرب السلام الاجتماعي.. وما أكثر الفتن التي تتربص ببلادنا.