عصابة حوثية تعتدي على مواطن في إب بوحشية مفرطة    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب يمني    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي الوهابية في الاخوان المسلمين
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 02 - 2013


احمد صالح الفقيه
ارتبطت حركة الاخوان المسلمين ارتباطا وثيقا بالانظمة الوهابية في السعودية الخليج منذ الخمسينيات بحكم حربهم المشتركة على الانظمة القومية العربية، حتى افترقت بهم الطرق بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، حيث اعتبرت تلك الانظمة بحق ان تنظيم القاعدة من منتجات الاخوان، ومن ثم فان العلاقة بالحركة تعرضها لخطر جسيم من غضب الولايات المتحدة والغرب.
وبحكم هذه العلاقة الطويلة فان الوهابية تعلم الكثير عن الاخوان. ومن هنا اقدم اليم للقارئ الكريم هذا الفصل من كتاب أبو رائد المالكي الوهابي الموسوم (أسباب ظهور الخوارج في بلاد التوحيد). يقول الكاتب:
بدأت الدعوات الثورية في العصر الحديث على يد جمال الدين الأفغاني ثم تلميذه محمد عبده ثم توالت بعد ذلك فمن أقدم الجماعات الحزبية الثورية في العصر الحديث وأشهرها جماعة الإخوان المسلمين التي تم تأسيسها على يد حسن البنا عام 1928م ومن هذه الجماعة تولدت أكثر الجماعات وقد كان لها قصب السبق في إحياء العاطفة الإسلامية غير المنضبطة والتي لازلنا نعاني من ويلاتها ، كما كان لها دور في التصدي لكثير من حركات التغريب ، و هم مع هذا قد جعلوا من أهم أهدافهم إقامة الدولة الاسلامية! ، قال صاحب كتاب " للدعاة فقط " وهو يتحدث عن رفض الجماعة لكل من لم يتقيد بخططها " إلا أن يقبلوا التقيد بخطط الجماعة والسعي لإقامة أهدافها وهي إقامة دولة إسلامية " ، ولهم منهج خاص للوصول إلى هذا الهدف ، لكن الواقع يكشف أن هنالك بون شاسع بين التنظير والواقع العملي عند هذه الجماعة ، ولذلك نجد أن الحكومات لازالت تخاف من تسلطهم على كراسي الحكم رغم ضعف الجماعة في الآونة الأخيرة حيث لم يعد لها دور في كثير من الأحداث بل أصبح دورها محصوراً في التنظيم العالمي وهو اسم على غير مسمى ، وكذلك التنافس على بعض الكراسي في بعض المؤسسات التعليمية و الخيرية ، ويمثل أحد أعضائها وهو سيد قطب الفكر التكفيري في هذا العصر قال القرضاوي في كتابه " أولويات الحركة الإسلامية " (ص110) " في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من فكره والتي تنضح بتكفير المجتمع "
يقول سيد قطب في الظلال (3/1642) عند تفسير قوله تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } " من النص القرآني ! الواضح الدلالة ومن تفسير رسول الله  وهو فصل الخطاب ، ثم من مفهومات المفسرين الأوائل والمتأخرين تخلص لنا حقائق في العقيدة والدين ذات أهمية بالغة نشير إليها هنا بغاية الاختصار : إن العبادة هي الإتباع في الشرائع بنص القرآن وتفسير رسول الله  فاليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً بمعنى الاعتقاد بألوهيتهم أو تقديم الشعائر التعبديه إليهم ومع هذا فقد حكم الله – سبحانه – عليهم بالشرك في هذه الآية وبالكفر في آية تالية في السياق لمجرد أنهم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها فهذا وحده – دون الاعتقاد والشعائر – يكفي لاعتبار من يفعله مشركاً بالله الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين . " ا.ه
وبالرجوع إلى تفسير النبي  للآية وإلى تفسير العلماء أتباع السلف الصالح الذين عرفوا شبهة الخوارج وأبطلوها نجد خلاف ما قرره سيد فقد جاء في سنن الترمذي :
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ *
فلا بد إذاً – في هذه المسألة – من شرط الاستحلال ولا يحكم بالكفر المخرج من الملة بمجرد الطاعة كما قرر ذلك سيد ، حيث قال " فهذا وحده – دون الاعتقاد والشعائر – يكفي لاعتبار من يفعله مشركاً بالله الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين " .
فكما ترى أن الحديث نص قاطع في اشتراط الاعتقاد وفي الأصل زيادة بيان لهذه المسألة التي ضل فيها طائفتان ، الخوارج والمرجئة .
وفي الظلال (3/1197) يقول سيد " وأمام هذا التقرير الأخير نقف لنتدبر هذا الحسم وهذه الصراحة في شأن الحاكمية والطاعة والاتباع ....... أن من أطاع بشراً في شريعة من عند نفسه ولو في جزئية صغيرة فإنما هو مشرك . وإن كان في الأصل مسلماً ثم فعلها ، فإنما خرج بها من الإسلام إلى الشرك أيضاً مهما بقي بعد ذلك يقول : أشهد أن لا إله إلا الله بلسانه بينما هو يتلقى من غير الله ويطيع غير الله . وحين ننظر إلى وجه الأرض اليوم – في ضوء هذه التقريرات الحاسمة – فإننا نرى الجاهلية والشرك ولا شيء غير الجاهلية والشرك ، إلا من عصم الله ، فأنكر على الأرباب الأرضية ما تدعيه من خصائص الألوهية ولم يقبل منها شرعاً ولا حكماً إلا في حدود الإكراه ."
وهذا تصريح منه بتكفير السواد الأعظم من المسلمين اتباعاً للعواطف التي لم يبرع الإخوان المسلمون في غيرها فهل تنبه سيد لهذا الأمر الجلل ولم يتنبه له علماء الأمة الذين عرفوا حقيقة الشرك وحقيقة التوحيد ، حتى يتجرأ ويصرح بهذا التصريح الخطير.
وقد فصلت في الأصل وفي رسالة مستقلة بعنوان " حقيقة الإخوان المسلمين " ، انحراف هذه الجماعة عن منهج أهل السنة والجماعة وسأذكر هنا بعض الشواهد على ذلك وفي مسألة واحدة هي من أهم مسائل الدين .
الجهل بالتوحيد عند قادة الإخوان المسلمين، وعدم الدعوة إليه كما دعا الأنبياء :
ولبيان هذا الأمر سوف أنقل كلاماً لرجل يعد أكثرهم معرفة بالتوحيد بل إنه من المنادين بتغيير خط سير الجماعة وبضرورة التربية على العقيدة ، (انظر كتاب لماذا أعدموني) .
هذا الرجل هو سيد قطب الذي يقول في كتابه المسمى بالظلال (3/1492 ) " فأما تلك الأصنام التي عُرف أنهم يعبدونها فما كان ذلك قط لاعتقادهم بألوهية لها كألوهية الله – سبحانه – ولقد صرح القرآن الكريم ! بحقيقة تصورهم الاعتقادي فيها وبسبب تقديمهم الشعائر لها في قوله تعالى { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفاً } فهذا كان مبلغ تصورهم لها مجرد شفعاء عند الله ، وما كان شركهم الحقيقي من هذه الجهة !!! ولا كان إسلام من أسلم منهم متمثلاً في مجرد التخلي عن الاستشفاع بهذه الأصنام !! ، وإلا فإن الحنفاء الذين اعتزلوا عبادة الأصنام هذه وقدموا الشعائر لله وحده ما اعتبروا مسلمين !! ، إنما تمثل الإسلام في الاعتقاد والشعائر وإفراد الله سبحانه بالحاكمية – في أي زمان وفي أي مكان – هم مشركون لا يخرجهم من هذا الشرك أن يكون اعتقادهم أن لا إله إلا الله – مجرد اعتقاد – ولا أن يقدموا الشعائر لله وحده فإلى هنا يكونون كالحنفاء الذين لم يعتبرهم أحد مسلمين ، إنما يعتبر الناس مسلمين حين يتمون حلقات السلسلة أي حين يضمون إلى الاعتقاد والشعائر إفراد الله سبحانه بالحاكمية ، ورفضهم الاعتراف بشرعية حكم أو قانون أو وضع أو قيمة أو تقليد لم يصدر عن الله وحده وهذا وحده هو الإسلام لأنه وحده مدلول شهادة : أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، كما عرف هذا المدلول في الاعتقاد الإسلامي وفي الواقع الإسلامي سواء ، ثم أن يتجمع هؤلاء الذين يشهدون أن لا إله إلا الله على هذا النحو وبهذا المدلول في تجمع حركي بقيادة مسلمة وينسلخوا من التجمع الجاهلي وقيادته الجاهلية" أ.ه
والأحناف الذين لم يحكم سيد بإسلامهم في كلامه السابق ،منهم زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ قال الحافظ " وَكَانَ مِمَّنْ طَلَبَ التَّوْحِيد وَخَلَعَ الْأَوْثَان وَجَانَبَ الشِّرْك , لَكِنَّهُ مَاتَ قَبْل الْمَبْعَث , وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ النبي , وقَالَ : " وَلَقَدْ رَأَيْته فِي الْجَنَّة يَسْحَب ذُيُولًا " وفي حديث آخر ذكره الحافظ ، قَالَ : " غَفَرَ اللَّه لَهُ وَرَحِمه , فَإِنَّهُ مَاتَ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم ".
فهذا هو سيد قطب الذي قيل فيه زوراً و بهتاناً إنه أحسن من تكلم عن معنى لا إله إلا الله وليس هذا مكان الكلام عن ابن قطب وما عنده من طامات فإن لذلك مكاناً آخر، لكن الذي يهمنا هنا أن نبين خطورة هذا الكلام وأنه بعينه حجة القبوريين في هذا الزمان الذين يبررون أعمالهم ، وأنها لا تبلغ بهم الشرك الأكبر بقولهم : إن المشركين الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يعبدون الأصنام وأما الذين يدعون الأولياء ويطوفون بالقبور فهم لا يعبدون الأولياء وإنما يريدون شفاعتهم . والمشركون الأولون لم يحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكفرهم بسبب هذا الأمر كما قرر سيد قطب لكن القبوريين يجعلون السبب ، أنها أصنام وسيد يجعل السبب عدم التحاكم إلى شرع الله !.
وهذا خلاف ما عليه العلماء المحققون ، لذلك نجد أن ابن قطب ومن على شاكلته لا يأبهون بشرك القبوريين ،لأن حقيقة الشرك الأكبر عندهم في مسألة الحاكمية وليس في مسألة الشفاعة وهذا ضلال وأي ضلال .
يقول الشيخ العلاّمة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب مبيناً حقيقة شرك المشركين خلاف ما ذكره ابن قطب ( تيسير العزيز الحميد ص274) " أراد المصنف في هذا الباب – أي باب الشفاعة – إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك وأن الشفاعة التي يظنها من دعا غير الله ليشفع له كما يشفع الوزير عند الملك منتفية دنيا وأخرى "
وفي (ص 282 ) قال " فعرفت أن الفارق بينهم وبين الرسول e هي مسألة الشفاعة "
ومما يبين ذلك للأسف الشديد قول المرشد العام للإخوان المسلمين عمر التلمساني في كتابه ( شهيد المحراب ص231) قال " لقد أثبت القرآن صراحة لا تلميحاً ولا مجازاً أن بقايا الصالحين وآثارهم يمكن التوسل بها في استجلاب الخير ودفع الضر مهما تقادم بها العهد ".
سبحانك ربي هذا بهتان عظيم ، وفي نفس الصفحة قال " فما لنا والحملة على أولياء الله وزوارهم والداعين عند قبورهم ومقاماتهم "
قلت : ما رأينا عند تلك القبور إلا تقديم النذور والطواف بها ودعاء أصحابها فهل يظن التلمساني أن إنكار الشرك فيه إساءة إلى الأولياء أم أنه وصل إلى مرتبة المرشد العام وهو لا يعلم ما يحصل عند تلك القبور ، لكن الظاهر كما سيأتي أنه يعلم لكن الطامة أنه لا يعلم أن هذا هو الشرك الذي توعد الله صاحبه بالخلود في النار .
وفي (ص 233) قال " ويتغالى بعض الناس في منع زيارة المساجد التي فيها مدافن بعض أولياء الله مستندين إلى حديث رسول الله e " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد "" أ.ه
وفي (ص 227 ) قال " فلا داعي إذاً للتشديد في النكير على من يعتقد في كرامة الأولياء واللجوء إليهم في قبورهم الطاهرة والدعاء فيها عند الشدائد وكرامة الأولياء من أدلة معجزات الأنبياء "
فماذا أبقى هذا المرشد لأهل الشرك والضلال بعد دعوته هذه إلى اللجوء إلى القبور لتفريج الشدائد كما قال سلفه " إذا ضاقت عليكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور " وقول الآخر " يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر " والله سبحانه يقول { أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } . أم أن ذلك على طريقة صاحب البردة إذ يقول :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم .
فهاهم الإخوان قد تركوا منهج الأنبياء في الدعوة إلى التوحيد بل أصبحوا ينكرون على سالكي هذا الطريق ، وأنا أعلم أن أصحابه سيتأولون كلامه ، وهذا ديدن أهل البدع ، يتأول بعضهم كلام بعض ، وهذا خلاف الاجماع ، فإنه لا يتأول إلا كلام المعصوم ، لكن ينبغي أن يلاحظ أن هنالك فرقاً بين أن نتأول كلاماً خطأ ، فنجعله حقاً ، وبين أن نعتذر لصاحبه إذا كان يعد من أهل السنة بكلام له يخالف ما أخطأ فيه .
ويقول التلمساني في كتابه " ذكريات لا مذكرات " ص250 : ناقلاً عن البنا قوله " اعلموا أن أهل السنة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهذا أصل العقيدة ، والسنة والشيعة فيه سواء وعلى النقاء أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينهما "
يقول جابر رزق في كتابه " حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه "ص 185 تحت عنوان تهمة التعصب من مقالة نشرتها " مجلة الأمة" إن حسن البنا عندما تقدم مرشحاً لانتخابات البرلمان كان وكيله الذي يمثله في مقر إحدى اللجان الانتخابية رجلا قبطياً " ، أي نصرانياً .
وفي كتاب " تصور الإخوان المسلمين للقضية الفلس طينية " قال المؤلف عبد الفتاح العويس ص 23 .
" ولكي يدلل الإخوان المسلمون على عدم تعصبهم أشركوا معهم في عضوية اللجنة السياسية التابعة للإخوان المسلمين والتي أنشئت عام 1948م اثنين من النصارى هم : وهيب دوس واخنوخ لويس اخنوخ " وفي مجلة لواء الإسلام العدد الأول السنة الخامسة والأربعون رمضان 1410 ص 39 قالت المجلة " والإمام حسن البنا عندما شكل اللجنة السياسية العليا للإخوان المسلمين كان ضمن أعضائها ثلاثة من المسيحيين هم الأساتذة : لويس اخنوخ ، وهيب دوس ، ثابت كريم ."
وفي كتاب الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ (1/409) ألقى حسن البنا كلمة في اجتماع لجنة إمريكية بريطانية مشتركة من اجل قضية فلسطين .
قال: ..الناحية التي سأتحدث عنها نقطة بسيطة من الوجهة الدينية لان هذه النقطة قد لا تكون مفهومة في العالم الغربي ولهذا فإني أحب أن أوضحها باختصار :
فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية !! لان القران الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم !!! والإسلام شريعة إنسانية قبل إن يكون شريعة قومية ! وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقا (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) وحيثما أراد القران أن يتناول مسألة اليهود تناولها من الوجهة الاقتصادية والقانونية ! فقال تعالى (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم .. ) .
يقول هذا وهو يقرأ قوله تعالى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ } ](82) سورة المائدة [، وقوله تعالى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} ](120) سورة البقرة [ .
حقيقة الشمولية والتدرج عند الإخوان المسلمين :
الإخوان المسلمون من أبعد الناس عن تحقيق معنى الشمولية في الإسلام فالشمولية عندهم تابعة لأهواء الناس ورغباتهم فهم كثيراً ما يقولون لأفرادهم لا تحسبوا أن الإسلام مجرد دروس ومواعظ بل لابد أن لا نغفل دور الترويح والمزاح والطرف فهذا جانب يقره الإسلام ولا يمنعه . ثم تراهم يقضون أوقاتهم في ذلك اللهو وكأن مشكلة الشباب تكمن في قلة وسائل اللهو والترويح وأنهم لايجدون من يطربهم ويمثل لهم فترى المربين زعموا يحثون الشباب على سماع الأناشيد وإقامة المسرحيات والفكاهات !!! .
أما التدرج فحقيقته عندهم السكوت عن المنكر واقتناص الفرص المناسبة في المستقبل لإنكار ذلك المنكر يقولون لأنه لابد من تقديم الأهم على المهم ثم تجدهم لا فعلوا الأهم ولا المهم . وربما ما عرفوا الأهم ولا المهم .
جماعات العنف المنشقة عن جماعة الاخوان المسلمين:
لقد اتخذت أكثر الجماعات المنشقة عن الجماعة الأم أصلا تفارق به الجماعة الأم ومن أول الجماعات التي تسمى بجماعات العنف والتي اتخذت التغيير باليد والسلاح منهجاً لها ، جماعة شباب محمد بقيادة صالح سرية وعرفت إعلامياً باسم " الفنية العسكرية " بسبب قيامها عام 1974ه بالهجوم على كلية الفنية العسكرية التي كانت تستضيف اجتماعاً للقيادات السياسية بوجود الرئيس أنور السادات ، وكان الهدف من هذا الهجوم قلب نظام الحكم .
ثم توالت بعدها باقي التيارات التي تسمى بالجماعات الجهادية والتي تهدف إلى إعلان الجهاد ضد السلطات السياسية المحلية ، وليس كما يتبادر من الاسم ، وهذا الذي يسمى عند بعض الباحثين بالجهاد التقليدي .
فكان أن تكونت جماعة " المسلمون " والتي عرفت إعلاميا باسم "التكفير و الهجرة " التي أسسها شكري مصطفى بعد خروجه من السجن عام 1971م .
والتي نفذت حادث اغتيال حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري ، وكانوا يكفرون بالمعاصي كالزنا وشرب الخمر ويأمرون بالعزلة ولا يرون جهاد الحكام والخروج عليهم لأنه لا طاقة لهم بذلك وأنه يجب الانتظار حتى يهلك الكفار بعضهم بعضاً ثم يستولون هم على السلطة .
وهذه من المفارقات التي يقع فيها مبتدعة العصر ، ومثل ذلك ما ذكر عن جماعة ( الإخوان[47] ) أنهم كانوا يرون أن الخروج على الحكام المعاصرين باختلاف صورهم وقتالهم في عقر دارهم دون هجرة إلى مكان ما، يعدّ خلافاً للسنّة...
ومن ذلك ما ذكره صاحب كتاب الجهاد والقتال في السياسة الشرعية ، قال : حيث أن دار الكفر هي التي يغلب عليها أحكام الكفر فوجوب إشهار السلاح على الحاكم ومقاتلته إذا أظهر الكفر البواح إلا أن ذلك يكون إذا كانت الدار دار إسلام، وكانت أحكام الإسلام هي المطبقة، ثم ظهر من الحاكم الحكم بالكفر البواح، لأن حديث عبادة بن الصامت يقول:" إلا أن تروا كفراً بواحاً "، ورواية الطبري تقول:" إلا أن تروا كفراً صراحاً " أي إن رأيتم الكفر البواح والكفر الصراح بعد أن لم تكونوا ترونه، أي كان الإسلام مطبقاً ثم أظهر الحاكم الحكم بأحكام الكفر البواح والكفر الصراح . أما إذا كانت الدار دار كفر وكانت أحكام الإسلام غير موضوعة موضع التطبيق فإن القتال حينئذ غير مشروع!! ".
ثم تكون تنظيم الجهاد عام 1977م ومر بمراحل وكان من أبرز قياداته محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب " الفريضة الغائبة " وفيه يقول " فإن حكم إقامة حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين، وتكون أحكام الله فرضاً على المسلمين وبالتالي قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين، لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأيضاً إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فواجب علينا القتال، ولقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية ، وإعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهي الدولة الإسلامية " ويقول أيضاً " وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التي خرجوا بها من ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل من تابع سيرتهم " ويقول أيضاً " وقد استقرت السنّة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة .... وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين، فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلي عن شرائعه .. إذن فما موقف المسلمين من هؤلاء "
وهم يركزون في كتاباتهم على مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ومسألة الطائفة الممتنعة عن أداء الشرائع ، ويحتجون بقول شيخ الإسلام " كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين " وكذلك مسألة الترس والولاء والبراء ومواجهة العدو الصائل وسيأتي بحث هذه المسائل لا حقاً .
وتنظيم الجهاد بالتعاون مع الجماعة الإسلامية هو الذي نفذ حادث اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981م وهو الذي يعرف الآن بجماعة الجهاد التي كان يرأسها أيمن الظواهري .
والجدير بالذكر أن القيادات التي تولت إمارة هذه الجماعات البدعية كانوا من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والعشرين وأكثرهم كانوا مهندسين وأطباء ، فاللهم رحمتك!! .
إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في سيرها الخلل .
أما " الجماعة الإسلامية " فقد برزت بشكل واضح عام 1979م بعد أن رفضت معاهدة السلام مع اليهود كما أنها أعلنت تأييدها مع بعض الجماعات الأخرى للثورة الإيرانية التي قادها الخميني عليه لعنة الله باعتبارها حركة ثورية على أنظمة الحكم ! ، ثم تعرض بعض أفرادها للإعتقال ثم اتحدت مع جماعة الجهاد لفترة من الزمن ولا يزال يرأسها عمر عبد الرحمن .
وهذه الجماعات تسعى إلى إنشاء حكم إسلامي في مصر بالقوة ، ويتلخص الهدف الأساسي للجماعة في الإطاحة بالحكومة المصرية وإقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية !!.
لكن الجماعة الإسلامية أعلنت عن تغيير منهجها في الفترة الأخيرة ، وقد شهد عاما 1997، 1998 ازدياد شقة الخلاف بين جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية بسبب إعلان قادة الجماعة الإسلامية في مصر مبادرة وقف العنف، والتي تم تبنيها رسمياً في 25 مارس 1999 من قبل الجماعة، وبسبب موقفها من توحيد تنظيمات الأفغان العرب تحت مظلة "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" أو " القاعدة " ، كما سيأتي لاحقاً.
و منذ 1985 أدركت الجماعات الجهادية أهمية أفغانستان كقاعدة للعمل والتدريب العسكري، فبدأت كوادر هذه التنظيمات من أفراد وقياديين في التدفق عليها، ويمكن القول إنه حتى عام 1996 لم يكن هناك أي حديث بين قادة الجماعات المصرية عن توحدها تحت مظلة "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين"، ولكن تركزت الجهود على توحيد الصفوف على أساس وحدة الأهداف خاصة أن أكثر الخلافات بينها غير جوهرية .
وقد احتدم الخلاف بين الجماعة الإسلامية وباقي الجماعات الجهادية بصدور تصريحات واضحة من الشيخ عمر عبد الرحمن وعشرة من قياداتها في شهر أكتوبر 1998 يهاجمون فيها "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين"، ويدعون إلى تشكيل جبهة أخرى مضادة لها تعتمد الأساليب السلمية في الدعوة للإسلام والدفاع عنه .
فحتى فصائل الأفغان العرب وهم العرب الذين جاهدوا في إفغانستان أيام الإحتلال السوفيتي تختلف في تحديد العدو الرئيسي، فبينما ترى بعض الفصائل أن الأنظمة الحاكمة في بلدانها هي العدو الحقيقي ، وذلك امتدادًا للخط الجهادي التقليدي في أن قتال العدو المباشر والقريب وهو المرتد أولى من قتال البعيد وغير المباشر وهو الكافر الأصلي ، بينما تراه فصائل أخرى في اليهود والنصارى أي إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارهما العدو الأساسي والأخطر، في حين تراه فصائل ثالثة في العدو الحالّ في أية منطقة تتم فيها عملية محاربة للمسلمين أو الأقليات الإسلامية، كالوضع في كشمير، أو البوسنة، أو الشيشان .
والإتجاه الآخر هو الاتجاه الذي تتبناه " الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين " أو " القاعدة " والتي ظهرت في فبراير 1998م وقد حمل البيان التأسيسي توقيع أسامة بن لادن ، وزعيم جماعة الجهاد المصرية أيمن الظواهري وجماعتين من باكستان وأخرى من بنجلاديش ومسؤول شورى "الجماعة الإسلامية" رفاعي أحمد طه الذي انسحب بعد ذلك، وتضمن البيان فتوى "توجب على المسلمين قتل الأمريكيين ونهب أموالهم أينما كانوا"، وتختلف التقديرات حول قوة هذا التنظيم وعدد أتباعه المنتشرين في جميع أنحاء العالم من الأفغان العرب .
والجدير بالذكر أن ليس كل العائدين من أفغانستان يحملون الفكر الجهادي التقليدي أو الفكر الجهادي الذي تتبناه القاعدة [48] .
الأفغان العرب [49]:
كانت بداية ظاهرة الأفغان العرب مع انتهاء الحرب الأفغانية 1992م، حيث كان على المتطوعين العرب الذين اشتركوا في الجهاد الأفغاني ضد الروس، والذين قدرت بعض المصادر أعدادهم بحوالي ستة آلاف – ليسوا كلهم ممن تحولوا فيما بعد أفغانًا عربًا بالطبع – أن يبحثوا عن ساحات أخرى غير أفغانستان؛ لتصريف الرصيد المعنوي والديني، ولتوظيف الطاقات والخبرات الجهادية والقتالية فيها.
أما المفهوم أو المصطلح المعبِّر عن الظاهرة فقد كان أسبق ظهورًا؛ إذ ظهر في سياق الأحداث الجزائرية 1990م، حيث تناقلت أجهزة الإعلام أخبارًا عن أحداث عنف سياسي قامت بها مجموعات من الشباب الجزائري تدرَّب في أفغانستان، وأطلقت عليهم "الأفغان الجزائريون"، ثم تردَّد المفهوم في بلاد أخرى مرتبطًا بأحداث عنف سياسي مماثلة، ومنذ ذلك الوقت والظاهرة مُثارة يرتفع الاهتمام بها مع كل حادثة من حوادث العنف السياسي، ثم يخبو مرة أخرى، غير أنها موجودة؛ ولذلك هي محل دراسة وموضع اهتمام من جهات متنوعة . والجدير بالذكر أن هذا المفهوم والاصطلاح فيما يبدو مقبول أو على الأقل لم يَسْعَ الأفغان العرب لنفي إطلاقه عليهم أو استخدامه في التعبير عنهم، وهو ما يعطي للباحث المشروعية العلمية في استخدامه بوجه عام، دون تحميله بالضرورة بكل دلالات السياق الذي ظهر فيه.
ونقصد بالأفغان العرب مجموعات من المجاهدين العرب من غير الأفغان الذين شاركوا في الجهاد ضد السوفييت والحكم الشيوعي في كابول، والذين اتجهوا لمقاتلة حكومات بلادهم أو حكومات دول أجنبية، بعد أن انتهت مبررات الجهاد الأفغاني، ويمكن تسميتهم "مجاهدون بلا حدود" أو "مقاتلون عبر الدول" أو "المقاتلون متعدِّدوا الجنسيات"، وهم من الظواهر التي برزت بعد انتهاء الحرب، وكانوا أحد المتغيرات المهمة التي ساعدت على انهيار الاتحاد السوفييتي، وتطوَّرت في إطار المتغيرات المتعلقة بما يطلق عليه ظاهرة العولمة؛ ولذلك فلم يقيموا اعتبارًا يُذكر لظاهرة السيادة المرتبطة بفكرة الدولة القومية، ومن ثَم لا يعتبرون الحدود السياسية بين بلاد العالم الإسلامي أو حتى على المستوى العالمي حائلاً عن نصرة القضايا العادلة من وجهة نظرهم، ومن ثَم يتجهون لنصرة إخوانهم المسلمين عامة، ومن تيارات العنف خاصة الذين يتصورنهم يتعرضون للإبادة، أو واقعين تحت ضغوط خارجية أو داخلية، ويتجهون لمحاربة ما يرونه قوى الظلم والشر على المستوى العالمي.
فالأفغان العرب بالأساس خلاصة ما تبقَّى من المجاهدين غير الأفغان الذين احتضنتهم معسكرات بيشاور، وجلال آباد، وقندهار، ومعسكرات الحدود الباكستانية – الأفغانية ما بين 1979 – 1992م، ووفقًا لما يذهب إليه البعض فإن الأفغان العرب – رغم اختلاف جنسياتهم – يشكِّلون نوعًا من التنسيق فيما بينهم، وبالتالي أصبح لهم وجود مستقل عن دولهم .
وتأسيسًا على ما سبق يمكننا أن نحدد مفهوم وظاهرة الأفغان العرب وفق المؤشرات الثمانية التالية:
1- الأفغان العرب ليسوا من المواطنين الأفغان بل من الشباب العربي والمسلم الذي التحق بالمجاهدين الأفغان، وبعد عودتهم إلى بلادهم – أو بلاد أخرى – اتجهوا إلى ممارسة أعمال العنف السياسي والقتال، مستفيدين من خبرتهم ومهاراتهم العسكرية التي اكتسبوها أثناء الحرب وبعدها في أفغانستان، وبالتالي لا مجال للخلط بينهم وبين حركة طالبان أو أية مجموعة من مجموعات الأفغان..
2- ينتمي معظم الأفغان العرب إلى أجيال شابة، أي من فئة عمرية غالبًا ما تتراوح بين 20 – 35 عامًا، وهذا يعني أنهم عندما ذهبوا إلى أفغانستان ربما كانت أعمارهم تتراوح بين 15 – 20 عامًا، وهي مرحلة تكوين فكري، حيث عاشوا سنوات عدة في المعسكرات الأفغانية في الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وتدرَّبوا على الأسلحة الخفيفة والثقيلة، إلى جانب الخبرات العملية المتنوعة، إضافة إلى تلقينهم جرعات مكثَّفة من الأفكار التي تركز على استخدام القوة لإحداث التغيير المطلوب، وهذه إحدى الإستراتيجيات التي تستند إليها فلسفة الجماعات الإسلامية التي تتبنى العنف . ويرى بعض علماء النفس أن هؤلاء الشباب عندما يقدمون على تنفيذ عملياتهم لا يراودهم أدنى شك في شرعية عملهم، وأنه مبرر دينيًّا؛ بسبب عمليات "غسيل الدماغ"، والتلقين الفكري الذي تعرضوا له في هذه السن المبكرة في معسكرات التدريب الأفغانية وسط أجواء الحرب، فقد تشكَّلت عقولهم، ووجهت سلوكياتهم بناء على هذه العمليات التي قام بها بعض قادة حركتي الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين خاصة .
3- تأسَّست البنية التنظيمية المنتجة لظاهرة الأفغان العرب على جانبين الأول: الجانب الإغاثي، فالمتطوعون العرب في إطار الإغاثة "الإسلامية" شكَّلوا القطاع الأكبر، وقدَّموا العون للاجئين الأفغان المقيمين على الحدود الباكستانية – الأفغانية، أو داخل أفغانستان ذاتها، ويقدَّر عددهم في بداية التسعينات ب13 ألف متطوع من الأطباء والمهندسين والمدرسين وغيرهم، والثاني: الجانب القتالي يمثِّله مجموعات المتطوعين المقاتلين الذين دعَّموا الفصائل الأفغانية الذين جاءوا من معظم البلاد العربية، إضافة إلى متطوعين من أقليات إسلامية في بلدان أوربية وآسيوية، وقد تلقُّوا تدريبهم على أيدي عناصر تنتمي إلى الجماعات التي تتبنى العنف في بلدانها، وطبقًا لأحد التقديرات حول أعدادهم فإنها قد تصل إلى نحو 6 آلاف شخص.
4- تلقَّت عناصر الأفغان العرب المقاتلة ثلاثة أنواع من الإعداد خلال سنوات الحرب الأفغانية وما تلاها، تتمثل في إعداد عسكري واستخباراتي وأيديولوجي، فعلى صعيد الإعداد العسكري تلقّوا تدريبات تتصِّل بخوض حرب استنزاف، وما يتطلبه ذلك على مستوى العمليات العسكرية من القدرة على القيام بأعمال حرب العصابات، والمدن، والتفجيرات بمختلف مستوياتها، والقنص، والاغتيال، وغير ذلك، أما الإعداد الاستخباراتي فيتصِّل باستكمال الجوانب السابقة من استطلاع، ورصد، ومراقبة، واتصال، وتبادل معلومات، وتلقِّي التكليفات. أما الإعداد الفكري فيركِّز على توصيل مفاهيم ومضامين معينة، تتعلق بالتعامل مع الحكومات، والمجتمعات، والقوى السياسية والدينية المختلفة.
5- أسفرت خبرة الحرب الأفغانية عن آثار متعددة ترجمت الملامح الهيكلية للوليد الجديد – الأفغان العرب – من أهمها: من ناحية أولى: إقامة علاقات واسعة مع الجماعات الإسلامية التي تتبنى العنف على مستوى عالمي، ومن ناحية ثانية: إقامة شبكة علاقات واسعة بأثرياء العرب الذين قاموا بتمويل عمليات القتال في أفغانستان، ومن ناحية ثالثة: استخدام البيئة الأفغانية كفرصة للتدريب العسكري، ومن ناحية رابعة: تطوير علاقات واسعة مع الحركات والأحزاب الأفغانية الذين وفَّر بعضهم مظلَّة الحماية على هذه العناصر، وحال دون تسليمهم لحكوماتهم ، مثلما فعل الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، وحركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان .
6- انعكست الخبرات السابقة للجماعات الإسلامية التي تتبنى العنف على ملامح أداء الأفغان العرب بعد ذلك خاصة في تقويته، وتكامل أبعاده، وتتمثل الخبرة في خمسة عناصر: الأول: إعداد "الطليعة المجاهدة" أو الكادر القتالي ذي المهارات العالية. والثاني: القدرة على التخطيط المحكم، وجمع المعلومات عن الأهداف، ومسرح العمليات وعناصره الثابتة والمتغيرة، والقدرة على متابعة الهدف. والثالث: تطوير القدرات الاتصالية الداخلية والخارجية. والرابع: تطوير نظام الأمن التنظيمي الصارم، والربط بين القيادات في الداخل والخارج. والخامس: استخدام الكادر "الجهادي الطليعي" المدرَّب في أفغانستان وإعادة زرعه داخل الدولة المستهدفة، سواء لتولي قيادة بعض العمليات أو المشاركة فيها مع عناصر أخرى بما لديها من خبرات واسعة، الأمر الذي ظهر في عملياتهم الإرهابية ضد حكومات بعض الدول العربية وضد أهداف أمريكية.
7- لا يدخل في نطاق ظاهرة الأفغان العرب كل من شارك في الجهاد الأفغاني من "المجاهدين العرب"، فكثير من المجاهدين العرب المشاركين في القتال ضد السوفييت عاد إلى بلاده، واندمج بعضهم في الحياة السياسية العامة، وقد نجحت حكومات عربية عدة، مثل: اليمن، والأردن، ودول خليجية في استيعاب معظم مواطنيها الذين شاركوا في الجهاد ، لذلك ينبغي على الحكومات العربية أن تسعى إلى استقطاب هذه النوعيات وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم وذلك بترتيب لقاءات لهم مع العلماء وأهل الخبرة .
8- يدخل ضمن الأفغان العرب قادة الحركات الإسلامية التي تتبنى العنف الذين مكثوا في أفغانستان لفترات ممتدة، والكثير من المتطوعين العرب حتى وإن لم يشاركوا في القتال، فالذي يجمعهم مع وجودهم بداية في أفغانستان تقارب رؤاهم الفكرية والحركية، ودعوتهم لاستخدام العنف لتغيير الحكومات، ولمحاربة قوى الكفر العالمي وفق تصورهم، حتى وإن لم يمارسوا أنفسهم القتال. ويرى بعض المهتمين أنه لا ينبغي المبالغة في حجمهم؛ إذ يعتقد أن نسبة الجماعات الجهادية المنظمة التي شاركت في الجهاد الأفغاني من العرب الذين توجهوا إلى أفغانستان ضئيلة من حيث العدد، وإن كانت مرتفعة المهارة من الناحية النوعية، و بعضهم الآخر يشير إلى النجاح الواسع الذي تلاقيه هذه الظاهرة في الانتشار، والتعمق الأفقي والرأسي، أي من حيث الكمية والعدد، أو من حيث النوعية، والكفاءة، والعدة ، فلا يظن أن كل الأفغان العرب قد تم تنظيمهم في جماعات سرية ، بل الواقع يشير إلى أن أكثرهم لم يتم تنظيمة وإنما يقومون ببعض العنف من ذات أنفسهم تجاوبا مع الوضع العام والشعور بالظلم والكبت والاضطهاد الذي تم إقناعهم بوجوده وهم في معسكرات التدريب ، انتهى .
قلت : وهذا هو سر خطورة تنظيم القاعدة فهو تنظيم عنقودي أو كما يقال تنظيم هلامي أو زئبقي حيث أنه لا يرتبط بمكان أو قيادة محددة ، وتنبع خطورته في أن أهدافة المتمثلة في مواجهة القوة الأمريكية الظالمة لقيت قبولاً عند كثير من المتحمسين ، وقد دأب بعض المحللين إلى ربط تحركات هذا التنظيم بقوى صهيونية وأمريكية لما رأوا بعض انجازات هذا التنظيم التخريبية والتي تفوق الخيال ، وفي الحقيقة أن هذا الصنف من المحللين لم يتنبهوا إلى أن تنظيم القاعدة أو قيادته المتمثلة في ابن لادن إنما هو فكرة تحررية حسب المنظور الغربي ولا يمكن لأمريكا أو الصهيونية العالمية أن تزرع مثل هذه الفكرة في قلب العالم الإسلامي ولو جنت من ورائها المكاسب الجمة ، وما يذكره هؤلاء المحللون من أدلة تؤيد وجة نظرهم ، إنما هي جزء من عناصر مسرحية قديمة قام على إخراجها أمثال صاحب كتاب أحجار على رقعة الشطرنج ، وإنما الدور الحقيقي للصهيونية العالمية هو استغلال الأحداث بشكل بارع ، والله أعلم .
هذا ملخص الحصاد المر الذي جنيناه من وراء التنظيمات السرية ، فلا زال المدعو يَنْضم في أول أمره إلى إحدى النشاطات التي يديرها مجموعة من الإخوان المسلمين أو السروريين القطبيين ثم يتدرج معهم في الحلق التى ظاهرها الرحمة ، كتاب وسنَّة ، وباطنها العذاب ، تربية على أصول تلك الجماعات ، التي وإن اختلفت في بعض الجزئيات لكنها جميعها اتفقت على تربية الشباب على عدم الرضا عن الحكام وعدم الرضا عن العلماء .
وقد ذكرت في الأصل أبرز الجماعات التي تعتبر محاضن للشباب والتي بيدها إدارة النشاطات التربوية ومنها تخرج علينا تلك النماذج المنحرفة التي تدمر الأخضر واليابس .
قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان وفقه الله :
" ومن آخر ذلك ما نعايشه الآن من وفود أفكار غريبة مشبوهة إلى بلادنا باسم الدعوة على أيدي جماعات تتسمَّى بأسماء مختلفة مثل: جماعة الإخوان المسلمين ، وجماعة التبليغ ، وجماعة كذا وكذا ، وهدفها واحد ، وهو أن تزيح دعوة التوحيد، وتحل محلَّها ، وفي الواقع أنَّ مقصود هذه الجماعات لا يختلف عن مقصود من سبقهم من أعداء هذه الدعوة المباركة كلهم ، يريدون القضاء عليها لكن الاختلاف اختلاف خطط فقط ، وإلا لو كانت هذه الجماعات حقاً تريد الدعوة إلى الله فلماذا تتعدى بلادها التي وفدت إلينا منها؟ وهي أحوج ما تكون إلى الدعوة والإصلاح ، تتعداها وتغزوا بلاد التوحيد تريد تغيير مسارها الإصلاحي الصحيح إلى مسارٍ معوجٍّ ، وتريد التغرير بشبابها ، وإيقاع الفتنة والعداوة بينهم .
لأنهم رأوا ما تعيشه بلادنا من الوحدة والتلاحم بين قادتها ، وبين أفرادها وجماعتها ، رأوا في بلادنا دولة إسلامية في عقيدتها ومنهجها ، تحكم بالشريعة وتقيم الحدود ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر.
فأرادوا أن يسلبوها هذه النعمة ، ويجعلوها كالبلاد الأخرى تعيش الفوضى ، وفساد العقيدة ، وإلا فما هو هدفها من غزو بلادنا بالذات ، و التركيز عليها ، وترك البلاد الفاسدة .
وإذا كانت هذه الجماعات قد غررت ببعض شبابنا فتأثروا بأفكارها وتَنَكَّروا لمجتمعهم وتشكَّكوا في قادتهم وعلمائهم وانطفأت الغيرة على العقيدة فيهم ، فتركوا الاهتمام بها ، وصاروا يهرفون بما لا يعرفون ، وينعقون بما يسمعون .
فإن في هذه البلاد – ولله الحمد- رجالاً يغارون لدينهم ، ويدافعون عن عقيدتهم ، ويردون كيد الأعداء في نحورهم ، ولا ينخدعون بالأسماء البَرَّاقة ، ولا يتأثرون بالحماس الكاذب " [50].
بعض جماعات التكفير والجهاد ، تعلن تراجعها عن سياستها والتغيير لبعض أفكارها :
من الظواهر التي بدأت تبرز مؤخراً ما يسمى بالتراجعات والتي بدأتها الجماعة الإسلامية بمصر ، وها نحن نراها عندنا من طرف بعض مشايخ التكفير ، لكن المتأمل في تصريحات القوم وما كتبوه يجد أن التراجعات لم تكن تراجعات عقدية وإنما هي تراجعات تتعلق بالأسلوب يحكمها مبدأ المصالح والمفاسد والمرحلية .
لذلك تراهم في خطاباتهم يؤكدون على ثلاثة أمور :
1) عدم مناسبة الأسلوب المطبق ، ومن ذلك المواجهة بالسلاح .
2) مراعاة المصالح والمفاسد .
3) مراعاة المرحلية في الدعوة ومن ذلك تأخير القتال .
وقد جاءت الأبحاث التي أعدها وأقرها قادة مجلس شوري الجماعة الإسلامية من داخل السجون [51] وهم: كرم زهدي وناجح إبراهيم وأسامة حافظ وعاصم عبدالماجد وفؤاد الدواليبي وعلي الشريف وحمدي عبدالرحمن وعصام دربالة لتؤكد توصل قادة الجماعة إلي قناعة تامة دفعتهم إلي تغيير أسلوبهم وحوت الأبحاث الأربعة الصادرة في نحو600 صفحة أربعة عناوين:
- مبادرة وقف العنف.. رؤية واقعية ونظرة شرعية .
- تسليط الأضواء علي ما وقع في الجهاد من أخطاء .
- حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين .
- النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين.
وقد كان من أبرز ما حوته هذه الأبحاث ما تضمنته من الاعتراف الصريح بالأخطاء التي وقعت الجماعة فيها في الماضي, واستناد قادة الجماعة في موقفهم التاريخي الجديد والمهم إلي اقتناعهم وكل شركائهم في الداخل والخارج بهذه الخطوة للمواءمة مع ظروف الحياة.
وفي بيان لقادة الجماعة قالوا : إن المبادرة التي أطلقناها ليست مقايضة بين دين وعرض زائل من الدنيا.. وليست مقايضة بين السعي لإعلان دين الله وشرعته وبين دنيا رخيصة ألقيناها خلف ظهورنا, ولكن موقف اقتتال منعته الشريعة الغراء لمفاسده العظيمة, وواجب شرعي تصدينا له بكل شجاعة.. وهو لا يتنافي مع واجب آخر يلزمنا جميعاً, وهو السعي لإعلاء دين الله وإقامة شريعته.
وتطرق البحث الشرعي إلي قضية المصلحة والمفسدة, وذكر أن كثيراً من الفقهاء منعوا من إقامة الحد في دار الحرب لما خشوا مفسدة انضمام المحدود للأعداء, فراراً من الحد, فرجحوا مصلحة الحفاظ علي المؤمنين علي مصلحة الزجر التي في الحد .
أصول الخوارج التي بنوا عليها :
الدارس للفرق يجد أن كل فرقة انحرفت عن السنَّة لابد لها من أصول تبني عليها حتى أن الناظر في بعض أقوالهم يتعجب من مخالفتها لنصوص واضحة في الكتاب والسنة يعرفها العامي قبل المتعلم فيظن أن القوم أصحاب أطماع دنيوية ، لكن الدارس لهذه الفرق يعلم حقيقة الأمر وأن البدعة توصل صاحبها إلى ما هو أبعد من ذلك ، نسأل الله العافية .
قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى 13/30) :
"وكانت البدع الأولى مثل بدعة الخوارج إنما هى من سوء فهمهم للقرآن لم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه"
ومن أبرز صفات الخوارج الغلو في التكفير ونحن لا ننكر التكفير فهو حكم الله ورسوله ولكن ننكر الغلو فيه:
فقد بوب الإمام البخاري في صحيحه : بَاب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَالَ إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ *
فينبغي أن نعرف أن أهل البدع سواء كانوا من الخوارج أو المرجئة قد جاء في وصفهم كما عند مسلم من حديث يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ "
وفي الصحيحين من حديث علي رَضِي اللَّه عَنْه " يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وهذا الوصف لاشك أنه ينطبق على خوارج العصر .
قال شيخ الإسلام كمافي مجموع الفتاوى (13/210) :
" ثم حدث فى آخر عصر الصحابة القدرية فكانت الخوارج تتكلم فى حكم الله الشرعى ، أمره ونهيه وما يتبع ذلك من وعده ووعيده وحكم من وافق ذلك ومن خالفه ومن يكون مؤمناً وكافراً وهى مسائل الأسماء والأحكام وسموا محكمه لخوضهم فى التحكيم بالباطل وكان الرجل اذا قال لا حكم الا لله قالوا هو محكم أى خائض فى حكم الله فخاض أولئك فى شرع الله بالباطل" .
والمطلع على كتاباتهم يجد أنهم يبنون على أصول لهم ، وأكثر ما يدندنون عليه عدة مسائل منها :
الحكم بغير ما أنزل الله وهي أم المسائل عندهم – صفة دار الكفر أو دار الحرب – الولاء والبراء – عدم العذر بالجهل – الجهاد ودفع الصائل و يعنون به الخروج على الأئمة – الإمامة وصفات الإمام الأعظم – الطائفة المنصورة – حكم الطائفة الممتنعة عن أداء بعض الشعائر – مسألة الترس وغيرها .
وفي مجموع الفتاوى (28/496 ) قال رحمه الله:
" فهؤلاء أصل ضلالهم إعتقادهم فى أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً ثم يرتبون على الكفر أحكاماً إبتدعوها ، فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم فى كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية "
ومما رتبوا على ذلك قولهم إن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر قولاً واحداً ويعنون به تحكيم القوانين ، فالحاكم بغير ما أنزل الله ولو في مسألة واحدة كافر ، وحيث إنه لا يوجد في هذا العصر من يحكم بالشريعة في جميع أموره ، فالنتيجة أن جميع الحكام كفَّار خارجون من ملة الإسلام ، وبلادهم دار حرب أو دار كفر بلا استثناء .
والتحقيق أن مسألة الحكم بغير ما أنزل الله فيها تفصيل عند العلماء وأن تحكيم القوانين الخلاف فيه على أربعة أقسام ، قسمان منهما ليسا من أقوال أهل السنة بل من أقوال الخوارج والقسمان الآخران من أقوال أهل السنة كما مر معنا وسيأتي زيادة بيان لهذه المسألة.
وهم في كثير من تقريراتهم يعتمدون على العمومات والإطلاقات ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية مبيناً خطورة العمومات وترك التفصيل:
فعليك بالتفصيل والتمييز فال إطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا ال أذهان والآراء كل زمان .
قال الشوكاني في (نيل الوطار 7/186) " وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابذتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب ( أي أحاديث السمع والطاعة للحاكم ولو كان جائراً ) وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقاً وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنَّة " .
وقال الإمام الشاطبي في الاعتصام (1/245) " من اتباع المتشابهات الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها ، وبالعمومات من غير تأمل هل لها مخصصات أم لا وكذلك العكس بأن يكون النص مقيداً فيطلق "
و الخلط في هذا الأمر ، أتى من عدم تنزيل النص العام على الوجه الصحيح. فالنص العام ينزَّل على جميع صوره التي يشملها ، بعد بذل الجهد في البحث عن ما يمنع من الأخذ بذلك العموم .
ولا يظن أحد أنه يلزم أن يكون ذلك المخصص أو المقيد نصاً آخر . ليس الأمر كذلك ، فهذا المخصص أو المقيد قد يكون السنَّة العملية التي سار عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ، أو جريان عمل السلف من بعده .
قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 7/392) " ولهذا قال أحمد : يحذر المتكلم في الفقه هذين الأصلين المجمل والقياس وقال : أكثر ما يخطيء الناس من جهة التأويل والقياس ، يريد بذلك ألا يحكم بما يدل عليه العام والمطلق قبل النظر فيما يخصه ويقيده ولا يعمل بالقياس قبل النظر في دلالة النصوص هل تدفعه ، فإن أكثر خطأ الناس تمسكهم بما يظنونه من دلالة اللفظ والقياس ، فالأمور الظنية لا يعمل بها حتى يبحث عن المعارض بحثاً يطمئن القلب إليه وإلا أخطأ من لم يفعل ذلك ، وهذا هو الواقع في المتمسكين بالظواهر والأقيسة ولهذا جعل الاحتجاج بالظواهر مع الإعراض عن تفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه طريق أهل البدع وله في ذلك مصنف كبير "
فخوارج العصر يتوصلون بالأخذ بالعمومات إلى تكفير الحكام ثم الخروج عليهم ، فإن لم يكن ، فتزيين الخروج ، باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدع بكلمة الحق ، وكذلك إلى تكفير المسلمين باسم الولاء والبراء وتحقيق التوحيد ، وأخيراً تفجير وتخريب وقتل للمعصومين باسم الجهاد !! .
وانظر رعاك الله ما أعظم شرك عندهم وتأمل كيف يغفلون عن مراتب الأحكام وكيف يحكمون بالعمومات ، ولهذا أمثلة كثيرة ، وقد اخترت لك هذا المثال :
قال بعضهم في كتابه (الطريق إلى استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة على ضوء الكتاب والسنة ) :
" إن استفحال أمر الشرك والإلحاد في الأمة وضعف نور التوحيد فيها رغم إن كثيراً من الدعاة والأحزاب والتجمعات الإسلامية المعاصرة قد غفلت عن التوحيد؛ غفلت عن أصل الأصول الذي لا يصح أصل ولا بناء من دونه، وشُغلت عنه بالدون وبالفروع، وبأمورٍ لا ترقى درجة المباح أو المندوب ..!!
بل كثيراً منها وجدناها تمارس الشرك وتقع بما يضاد التوحيد، بصورة تبني الديمقراطية وإفرازاتها وغيرها من الشعارات الشركية والوثنية التي يترتب عليها مزالق وانحرافات عقدية خطيرة لا تُحمد عقباها ..! .أ.ه
والتكفير بالديمقراطية قال به كبيرهم والمنظر لهم صاحب كتاب الجامع والعمدة ، فقد كفر الأمة بالتسلسل من أجل الديمقراطية :
فهو يكفر الحاكم وحاشيته ووزراءه وأعوانه وشرطه وأعضاء برلمانه ومن رشح الأعضاء من الشعب بل ومن زين لهم ذلك ولو لم يفعله.
وخلاصة قوله بلفظه " كل هذا كفر أكبر ممن فعله أو دعا إليه وزيَّنه للناس أو رضي به وإن لم يفعله " .
قال " وبكل أسف فقد تابع الشيخ ابن باز في إجازته المشاركة في البرلمانات الشركية بعض أهل العلم بدعوى إنها ضرورة، وهذا هو التقليد المحرم المذموم، والذي سنبسط فيه القول في الباب الخامس من هذا الكتاب إن شاء الله. "
ثم قال " ولتعلموا يا إخواني أن الديمقراطية هي دين أمريكا التي تعتبر نفسها حامية الديمقراطية في العالم "
إذاً فالنتيجة الفاسدة عند هؤلاء الخوارج ، أن الديمقراطية دين ، وحينئذ فكل ديمقراطي يدين بغير الإسلام، إذاً كل ديمقراطي كافر.
وقد كفر بعضهم صراحةً الإخوان المسلمين وحركة حماس والحركة الإسلامية في كردستان وغيرهم لمشاركاتهم البرلمانية .
وحقيقة الحال كما وصفها بعضهم عند الكلام على العلمانية فقال " وجدير بنا أن نقف قليلاً عند قول شيخ الإسلام إن الردة عن شرائع الدين أعظم من خروج الخارج الأصلي عنها، لنقول: إن هذا هو ماأدركه المخطط اليهودي الصليبي كما سبق في وصية زويمر فقد يئس المخطط من إخراج المسلمين عن أصل دينهم إلى المذاهب الإلحادية والمادية فلجأ بعد التفكير والتدبير إلى ماهو أخبث وأخطر: لجأ إلى اصطناع أنظمة تحكم بغير ماأنزل الله وفي الوقت نفسه هى تدعي الإسلام وتظهر احترام العقيدة، فقتلوا إحساس الجماهير وضمنوا ولاءها وخَدّروا ضميرها، ثم انطلقوا يهدمون شريعة الله في مأمن من انتفاضتها، ولذلك لايجرؤ أرباب هذه الأنظمة على التصريح بأنهم ملحدون أو لا دينيون بينما يصرحون مفتخرين بأنهم «ديموقراطيون» مثلاً."
لذلك التبس حال هذه البرلمانات على كثير من الناس ، خاصة أنهم يرون من يرفعون شعارات "الإسلام هو الحل" ونحوه، فيندفعوا لانتخابهم وهو لا يعرفون حقيقة هذه البرلمانات وواقعها ووظيفة نوابها وما يمارسونه فيها، فمنهم من يتعامل معهم وينتخبهم على أساس أنهم يقدمون خدمات لمناطقهم كبناء مستشفيات أو مطالبة بشق طرق أو رفع المظالم ونحو هذا ، فهل يجوز مع هذا التكفير بالعموم أو التكفير بالتسلسل .
فبني حروراء خوارج العصر في حقيقة الأمر لم يتعلموا أصول العلم لأنهم لم يتلقوا العلم على أهله وكما قيل من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.