في زمن مضى كانت فرحة العيد أكبر، كنا نرى هذه الفرحة أكثر وضوحاً في عيون الناس وفي وجوههم وفي علاقاتهم وتواصلهم ببعضهم.. كان صوت الفرح صاخباً في العيد عند الصغار والكبار معاً، وكل يفرح بطريقته وأسلوبه وكان شرط لقاء الأهل والأحبة حاضراً بقوة لاكتمال فرحة العيد واكتمال السرور بهذه المناسبة التي كانت على درجة عالية من الأهمية. شرط لقاء الأحبة في العيد كان قوياً وضرورياً ومهماً مهما توفرت المقومات المادية الأخرى لهذه المناسبة لأن هذه المقومات لم تكن هي المشكلة ولا جزءاً منها إلا في النادر القليل وبالتالي لم يكن غياب البعض عن العيد بين الأهل والأقارب متعلقاً بشيء من هذه المقومات المادية وإنما لأسباب أخرى. وفي زمن أتى بعد ذلك تراجعت المقومات المادية وبدأت المشكلة تكبر وتزداد تعقيداً في جوانبها المادية ومن حينها بدأ الناس يغيرون شروط فرحتهم بالعيد بناءً على هذه المتغيرات التي طرأت على حياتهم وأوقاتهم فغيرت شروط فرحتهم ومواصفات أعيادهم ومناسباتهم السعيدة، وبدأ الكثير من الناس يتخلى عن طموحاته في العيد ونظرته للمناسبة وفقاً لهذا الطارئ الجديد. فشرط لقاء الأحبة في كل عيد تراجع ليصبح كل عيدين ومن ثم على المسافر البعيد عن أهله ان يختار أحد العيدين ليكون حاضراً بين الأهل ومع مرور الزمن ازدادت الأمور المادية تعقيداً، ونزولاً عند هذه التعقيدات الجديدة تباعدت مسافة اللقاء أكثر وأصبح كل عامين يكفي، وأصبحت مستلزمات العيد هي الهم وهي الشاغل الأكبر للمسافر وللمقيم معاً، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد لكنه باعد المسافات أكثر من كل ما مضى وتضاعفت الأعوام اللازمة للقاء في مناسبة العيد وانقرض شرط اللقاء لاكتمال الشرط بالاتصال يوم العيد للسؤال عن الأحوال والمعايدة والتهنئة بالعيد، وهي تهنئات أقل دفئاً وحرارة وربما أقل صدقاً لأنها أقل ما يمكن ان يحدث في هكذا مناسبة ومع كل هذا فهي في تراجع أيضاً حيث كانت في سنين مضت أكثر إلحاحاً وأكثر دفئاً وأكثر صدقاً بكل تأكيد.. أصبحت الظروف المادية هي التي تحدد دفء العلاقات بين الأهل والأقارب والأصحاب وتحدد صدقها وكل ما قد يقال عن هذه العلاقات يكون المؤشر المادي هو المتحكم والمحدد لطبيعة تلك العلاقات في العيد وفي سواه من أيام الله. في هذا الزمن يكتفي الكثير من الناس بتوفير متطلبات العيد ويكتفي هؤلاء بالتواصل عن بعد وبأقل مستويات التواصل فالمهم هو توفير هذه المتطلبات فقط وسوى ذلك ليس حاضراً فهذا أقل الواجب. هنا سقط شرط اللقاء لاكتمال الفرحة وأصبح هذا الشرط ترفاً وكلاماً ليس من ثقافة هذا الزمن وهنا أيضاً أصبحت الأعياد كلها أعياد العافية بعدما ذهب الكثير من المقومات المادية التي تحدد كيفية العيد ولونه وطعمه ونكهته وكل صفاته ومواصفاته. لا نريد أن نعكر ما تبقى من فرحة العيد لكن هذا التراجع في شروط ومواصفات العيد وكل التنازلات المقدمة من طرف واحد هو الإنسان في المعادلة التي يقف الإنسان فيها في طرف وظروفه ومتطلباته في طرف آخر، كل هذا يجعلنا نخاف ان يستمر هذا التراجع إلى ماهو أسوأ، ومع كل هذا يجب ان نتمسك بفرحتنا.