العيد مناسبة دينية واجتماعية عظيمة تجدد الروابط الأسرية وتقوي أواصر الحب والتراحم والتصافي والتكافل الاجتماعي، حيث تسمو النفوس وترقى الأفئدة وتتجلى الأخلاق والسلوكيات الحميدة في أروع صورها فتزدهر العلاقات الإنسانية وتزول الأحقاد والضغائن وتعلو قيم التسامح والمودة والولاء والطاعة .. وهو واحة وارفة تستظل فيها النفوس من متاعبها وشقائها ونكدها وحزنها وهي تعيش لحظة فرح في هذا الزمن المتلاطم وسط زحمة الحياة وضجيجها.. والعيد كذلك فرصة طيبة لتعليم الأبناء معاني الرحمة والبر، والتزاور وصلة الأرحام وحب الناس، والتعاون على الخير وإعطاء الفقير والمسكين والمحتاج ، وهو محطة مهمة لنزود أطفالنا بتعاليم الدين الحنيف وقيمه السمحة .. وقد جعل الله عز وجل العيد بعد أداء الفرائض، وذلك للترويح عن النفس، وإدخال السرور على الأهل والأقارب والجيران، واستشعار قيم الإسلام ومعانيه السامية التي توازن بين حاجات النفس وحاجات الجسد، وبين الروح والمادة، ولا نغفل طبيعة النفس البشرية وحاجاتها الأساسية ورغباتها الفطرية، التي ترنو دائما إلى الترويح والتسلية ونسيان الآلام والهموم. وما أجمل أن يقضي الإنسان إجازة العيد في أحضان أسرته وأهله وذويه ومحبيه خصوصا إذا كان بعيدا عنهم طوال العام ، حيث تكون الفرحة فرحتان ، فرحة العيد وفرحة اللقاء بمن تحب . وما أجمل روعة العيد وأنت تصل أقاربك وأرحامك وتستأنس مع أصدقائك وتتبادل معهم أحاديث وذكريات الطفولة والعيد أيام زمان . ولكم حاز في نفسي وأنا أقضي العيد بعيدا عن أهلي وأقاربي وبعيدا عن جو القرية وهدوئها وسكينتها ودفئها الحنون . وصحيح أن التواصل عبر الأثير مع الأهل والأحبة يخفف معاناة الفراق ..لكن شوق التلاقي والتواصل عن قرب يظل هاجسا يسكن النفس ، فلكم شعرت بالحزن عندما تواصلت مع والدتي عبر التلفون ، وهي متلهفة لرؤيتي كما هي لصوتي وقالت لي: فرحتنا بالعيد تنقصها رؤيتك لتكتمل . كما أتذكر أحد زملائي بالأمس ونحن في العمل وهو يخبرني بحسرة أن أمه قالت له : لست بحاجة إلى فلوسك يا ولدي بل لرؤيتك وأن تكون معنا - على الأقل - في العيد .. إنها عبارة تحمل في طياتها الكثير من الشوق والحزن والألم .. لكنها ظروف الحياة المادية والاقتصادية التي تعيق الإنسان في أحايين كثيرة من السفر لرؤية أهله وكذلك مقتضيات العمل الذي يتطلب منا أن نؤجل فرحة العيد إلى أجل غير مسمى . وعلى الرغم من أن العيد ظل على مدى السنين والأزمان يمثل مظهرا من مظاهر وحدة القلوب وصفاء النفوس ، إلاّ انه اليوم لم يعد مثل ما كان في الأمس، فالعيد الذي أصبحت مظاهره تشكل مقياسا لوطأة الظروف الاقتصادية وتأثيراتها الاجتماعية كان إلى وقت قريب مناسبة يتشوق لها الكبار والصغار ولها طقوسها الخاصة التي يتلهف لها الجميع وينتظرون قدومها بفارغ الصبر .. ولعلي أتذكر - بالعودة إلى الماضي القريب - بعضا من ذكريات العيد ومظاهره وطقوسه الجميلة يوم أن كنا صغاراً ، نلهو ونلعب ونستمتع بأصوات الطماش (القريح) ونستأنس بأصوات (المرافع والدفوف) وهي تطوف بنا حول القرية والقرى المجاورة وغيرها من الطقوس والمظاهر التي اختفت وتلاشت معها معاني ودلالات ومظاهر كثيرة ما أحوجنا إليها اليوم في ظل هذا التفكك والتمزق على مستوى الأسرة الواحدة والبيت الواحد . ولا ننسى صور إخوان وأطفال لنا في العراق وفلسطين وهم يعيشون في فزع وهلع وجوع يعانون أقسى أنواع الذل والهوان في ظل الاحتلال الذي لا يرحم صغيرا ولا عجوزا ولا كهلا، إنهم يتساقطون شهداء في كل لحظة أمام مرأى ومسمع العالم الذي لا يحرك ساكنا. ولن تكتمل الفرحة بالعيد إلا بعد أن يجتمع شمل الأمة الإسلامية وتتوحد صفوفها وتعلو راية التوحيد خفاقة بين ربوعها، وننسى آلامنا وأحزاننا التي تتجسد يوميًا أمام أعيننا صباحًا ومساءً . الثورة