رغم مرور نحو شهر على إعادة فتح المدارس وبدء الدراسة بعد إجازة الصيف والتي أخذت معها شهر رمضان المبارك.. رغم مرور هذا الشهر- إن لم يكن أقل أو أكثر بأيام قلائل - إلا أن صرخة أحد أطفال صديق لي كنت «أتناول القات» في منزله وهو يقول لوالده: «بابا.. فين ثياب المدرسة؟!» مازالت هذه العبارة التي وصفتها ب «الصرخة» ترنّ في أذني وتتكرر في ذهني كلما تأملت أحوال الناس وبخاصة الموظفون ذوو الدخل المحدود مثل حالنا نحن غالبية الصحفيين، وهذه حقيقة تكذب «إشاعة» البعض بأن «معشر الصحفيين لديهم امتيازات مالية تجعلهم في مأمن من متاعب الحياة المعيشية التي يعاني منها غالبية أبناء شعبنا». وعلمت بعد أن سمعت هذا الطفل وهو في السنة الثالثة من المرحلة الابتدائية «أي أن عمره لايتجاوز ثمان سنوات» أن والده الذي هو صديقي الذي أنا كنت «مقيل» في بيته قد استلف مبالغ كبيرة لمواجهة احتياجات اثنين من أطفاله من طلبات المدارس من كراريس وأقلام وحقائب وأيضاً الملابس المدرسية التي ارتفع سعرها بشكل لايصدق خاصة ملابس الأطفال الذين هم في المدرسة الابتدائية.. ويفكر صديقي الآن كيف يعيد ما استلفه وراتبه بالكاد يكفي احتياجات الأسرة من أكل وشرب وكهرباء وماء خلاف فاتورة الهاتف وشريحة الموبايل الذي أصبح مرافقاً للكثير من المواطنين حتى «المتسولين» في الشوارع أو الجولات نجدهم يملكون جهاز موبايل!!! تصوروا ماذا كان الحديث بين الطفل «الابن» ووالده «صديقي» عندما سأله «فين ثياب المدرسة».؟ الابن: بابا.. أصحابي اشتروا ثياب المدرسة وأنا متى بتشتري لي الثياب؟! أجاب الأب: «إن شاء الله قريب قدنا اشتريت لكم الدفاتر والأقلام والحقائب بأكثر من عشرة آلاف ريال.. الفلوس خلصت». الابن: «أنت كل يوم تخزن ياباه!! خلي الفلوس واشتري لنا ملابس أيش تشتينا ما نروح المدارس؟!». الأب: «لايا حبيبي روح المدرسة ومعك قميص وسروال حق المدرسة حق السنة الماضية البسهم وعندما ألقي فلوس بشتري لكم ملابس جديدة ولاتصدق أمك, فلوس القات من صاحبي هذا الذي هو «عمك» في إشارة لي ».. الابن: «ياباه أنا مابلبس الثياب القديمة وبجلس في البيت لما تشتري لي ملابس جديدة». صدقوني هذا الحوار كما سمعته من طفل في الثامنة من عمره ماشاء الله.. وحينها شاهدت الدموع في أعين صديقي. جعلني كل ذلك أتساءل عدة أسئلة أولها وأبرزها: ألا يخاف التجار وبائعو ملابس الأطفال الله ويتقوه في الأسعار التي لايصدق أحد أنها مقابل ملابس الأطفال؟! لقد أصاب الطفل الحقيقة عندما قال لوالده «أنت تخزن كل يوم» كان على الأب أن يفكر أن لديه أطفالاً في المدارس ولديهم احتياجات تتطلب منه توفيرها بدلاً من التخزين وتبذير الآلاف من الريالات شهرياً في هذه الآفة اللعينة « القات» كما أن هناك ملاحظة مازلت أبحث عنها وهي «طريقة حديث هذا الطفل مع والده» حديث خلا من الأدب وكأن السنتين اللتين قضاهما في المدرسة «الأول والثاني ابتدائي» لم تعلمهما شيئاً عن أدب الحديث ليس مع الأب والأم فقط بل مع من هو أكبر منه. فالمدرسة ليست فقط مبنى لتعليم المناهج بل هي لتعليم الطفل مايجب عليه فعله وقوله في البيت والشارع.. تعليمه الأدب والأخلاق الذي علمنا إياه ديننا الإسلامي الحنيف. وأخيراً أقول باسم الكثير من الأطفال: «بابا فين ثياب المدرسة؟!».