في الصباح كانت معظم الفضائيات العربية غير الحكومية وفضائيات أخرى لا علاقة لأصحابها بالعرب والعروبة.. كانت هذه الفضائيات تبث مباشرة من غزة والمدفعية الإسرائيلية والطائرات تمطر أرض غزة من كل جانب والمشهد يحكي تفاصيل الهمجية الإسرائيلية وكل من أجاز لها ما تفعله في أهل غزة. في هذا المشهد وقت الصباح لفت انتباهي أن أصوات الديوك في غزة لم تزل ترتفع غير مكترثة بما يحدث حولها، أو لعلها تقول شيئاً آخر بلغتها، المهم أنها لم ترضخ لجبروت القصف الإسرائيلي بمختلف أنواع الأسلحة، ولم تتنازل عن حقها في استقبال النهار بطريقتها، ولم تصمت في مواجهة هذا العدوان السافر على قطاع غزة. ظلت أصوات الديوك وغيرها من عصافير غزة تمارس طقوسها المعتادة وتقول ما بدا لها في ظل هكذا أوضاع رغم كثافة النيران ورغم شدة أصوات الانفجارات ورغم الحدائق المشتعلة التي تضيء آفاق المدينة وتلغي الفروق بين النهار والليل، حيث لا تنام العصافير ولا الديوك ولا ينام البشر في غزة من هول ما يجري. غير أن كل هذا الخراب والدمار وكل هذه الهمجية الاسرائيلية لم تستطع أن تسكت عصافير غزة عن تغاريدها في الصباح، ولم تستطع أن تسكت الديوك عن صياحها كل صباح. وأحسب أنها تلعن الصامتين جميعاً في هذا الوضع من البشر، وهي بذلك تسجل موقفاً لم يسجله الناس أصحاب المبادئ والقيم والشعارات.. كم هو المشهد بالغ الدلالة أن تقابل طيور غزة آلة الحرب الاسرائيلية بالمزيد من التغاريد والتسابيح لله الأقوى والأكبر من هذا العدو بما يملك من ترسانة أسلحة متطورة ومن القنابل الصوتية التي عجزت عن أن تلغي أصوات طيور الصباح في غزة. واحدة من القنوات الفضائية العربية سجلت هذا المشهد بوضوح تام بالصوت والصورة وقد اجتمعت أصوات الرعب والدمار وتحدثها أصوات الطيور حين لم تأبه بها ولم تعرها أدنى اهتمام، وظلت تردد تغاريدها، ولا أحد يعلم إن كانت تبكي من صمت الصامتين على العدوان الذي يزداد بشاعة كل يوم وترسل رسائلها بأنها لم ولن تسكت وإن اشتد العدوان وإن سكت العرب والمسلمون وسكت العالم وأجاز للاسرائيليين قتل الحياة في غزة بشراً وطيوراً وبيئة تُحرق بأنواع شتى من الأسلحة.. كان المشهد أكثر إيلاماً والعالم يستقبل الصباح بطقوس أخرى مختلفة عن استقبال غزة وأهلها لصباحهم مع العدوان. وشاءت الصدف أن يجري التقاط هذه الصور في مشهد جمع المتناقضات في طياته، حيث اجتمعت أصوات الموات وأصوات الحياة وصمت الرجال أو الذين يدّعون ذلك ولم تصمت الطيور ولم تزل تردد كل صباح لعنتها على العدو القادم بأسلحة الدمار ليقتل شعباً لا يملك سوى الإرداة في الحياة، وهي في ذات الوقت تلعن أولئك الذين أرعبتهم أسلحة اسرائيل وصمتوا خوفاً ورهبة ولم يرفعوا أصواتهم بكلمة تستحق أن تقال في وضع هكذا، وها هي تقول لن نصمت ولن نستسلم لهدير أصوات المدافع والطائرات وكل ما تلقي به اسرائيل على البشر والطيور من أسلحة ولن نتضامن مع الصامتين في العالم بالصمت. وليتضامنوا هؤلاء جميعاً مع الأصوات الرافضة للدمار والحرب والموت الذي ترسله آلة الحرب الصهيونية ولا تجد من يقول لها بجد هذا عمل بربري لا يجب السكوت عنه حتى من قبل الذين لا ينطقون أولا يستطيعون ذلك لمانع غير متعلق بالخوف أو بالموافقة على ما يجري لأهداف سرها عند أصحابها والراسخين في السياسة والعلم. وفي كل الأحوال يكفي أن تبقى عصافير وديوك وسائر طيور غزة صامتة في مواجهة العدوان وتستقبل الصباح كما تستقبله عصافير الدنيا رغم الفرق بين الصباحين...!!.