اليوم هو الثامن عشر من العدوان الإسرائيلي السافر على ابناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة دون أن تلوح في الافق بارقة أمل تشير إلى إنهاء تلك المذابح والمجازر والجرائم المشينة وحرب الابادة التي ترتكبها الآلة العسكرية المدججة بأحدث أسلحة الفتك والتدمير ضد الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العُزل على الرغم من ما تركه هذا العدوان البربري والوحشي من آثار آليمة ومآسٍ يندى لها جبين الانسانية . (18) يوماً بالتمام والكمال تحولت فيها مدن وقرى في قطاع غزة إلى «صعيد زلقا» بيوت دمرت وطرق خربت ومساجد ومستشفيات ومدارس حطمها القصف بالطائرات والدبابات والبارجات البحرية حتى سويت بالأرض. ولعل ما تنقله الفضائيات ووسائل الاعلام غني عن البيان والتوضيح عن هول الكارثة التي حلَّت بهذه البُقعة العربية في الايام الماضية، ومع ذلك مازال العدوان مستمراً وشلالات الدم تنزف بغزارة والكيان الصهيوني يوسع عملياته الاجرامية عبر دفعه بالآلاف من جنوده لاجتياح الاحياء السكنية الآهلة بالسكان ومداهمة منازلها بالقوة وإذلال كل من فيها وإرهابهم وتعريضهم لكل اساليب البطش والتنكيل والتصفيات الجسدية منتهكا بذلك كل الاعراف والمواثيق الدولية والقيم الاخلاقية والانسانية على نحو لا مثيل له في كل العصور. والمؤسف حقاً أن تتواصل فصول هذا العدوان الوحشي ويتوسع نطاقه الذي يحصد الأبرياء دونما جنحة أو ذنب في ظل صمت دولي مريب وموقف عربي مخجل يظهر الجميع وقد تخلوا عن مسؤولياتهم حيال ما يجري من فظائع بحق مليون ونصف المليون من البشر يتعرضون للإبادة الممنهجة في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الضمير العالمي الذي بدا متخاذلاً أو متواطئاً أو عاجزاً حيال تلك المأساة والهستيريا الإسرائيلية التي تفرغ احقادها ونوازعها الدموية وتقوم باستعراض عضلات جيشها الجرار الذي وصف ذات يوم بالأسطورة التي لا تقهر على شعب أعزل لا يملك أي وسيلة من وسائل الدفاع عن النفس بل إنه محاصر من الغذاء ورغيف الخبز.. وفي وضع كهذا هل يصح لإسرائيل ادعاء أن ما تقوم به هو دفاع عن النفس أو حرب مشروعة؟ بعد أن ثبت أن ما تقترفه من قتل وتدمير واستخدام مفرط للأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين هو وصمة عار في جبينها وفي وجه كل من وفر لها الغطاء لاستباحة أرواح تلك النفوس البريئة من ابناء الشعب الفلسطيني الذين قدموا بصمودهم درساً رائعاً جسدوا فيه حقيقة أن إرادة الشعوب أقوى من كل اسلحة الفتك والدمار وأنه ومتى علت الهمة وصدقت العزيمة تصبح التضحيات - مهما بلغ حجمها - رافداً ومحفزاً على المزيد من البذل في مواجهة الخطوب والظروف الصعبة . وفي ذلك أكثر من دلالة يقودنا مغزاها إلى ان ضعف النظام العربي الرسمي لم يفقد هذه الأمة صلابتها وعزيمتها وقدرتها على الدفاع عن حياضها وحقها في العيش الكريم ولم تكن تلك الدموع التي ذرفها بعض أبنائها حسرة على قوافل الشهداء من الأطفال والشيوخ والنساء الذين اغتالتهم آلة الحرب الإسرائيلية في غزة سوى تعبير حقيقي عن نبض هذه الأمة التي هزتها من العُمق مشاهد تلك الأفواج من الشهداء الأبرياء الذين خذلناهم وسمحنا لعدونا وعدوهم أن يستبيح حقهم في الحياة. فهل من النخوة والمروءة أن نكتفي - كعرب - بالصراخ والنحيب على بعضنا.. فيما يُترك الاجرام الصهيوني يُوغل في تماديه وعنجهيته وحربه القذرة على إخوان لنا يستصرخون فينا قيم الانتماء من أجل إنقاذهم بموقف مشرف.. لا تحجبه تباينات عارضة أو خلافات ثانونية أو رؤى قُطرية ضيقة، وما لم نسطر مثل هذا الموقف المشرف اليوم، فمتى يمكن ذلك؟؟