عبدالباري عطوان .. اعتراف دولة الاحتلال الإسرائيلي امس بدويلة "ارض الصومال"، وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها يشكل تأكيدا لسياسة التفتيت والتقسيم التي تتبعها (إسرائيل) في المنطقة، وتهديدا خطيرا لوحدة دولها الترابية، وأمنها القومي، وخاصة الدول المطلة على البحر الأحمر، او تنتمي جغرافيا الى القرن الافريقي ابتداء من السعودية، والسودان، ومصر واليمن، والأردن في اقصى الشمال. هذا الاعتراف "المفاجئ" بترسيخ وتأييد تقسيم دولة الصومال العربية المسلمة، لا يمكن ان يأتي "دون مقابل"، و"إسرائيل" معروفة، ليس ببخلها فقط، وانما بابتزازها أيضا، وتطلعاتها "الجيواستراتيجية" التي تقوم على نظرية، إعطاء القليل والحصول على الكثير ماديا وسياسيا وعسكريا. دولة الاحتلال الإسرائيلي تطمح الى تحقيق عدة مكاسب عسكرية واستراتيجية ستكون على حساب العرب والمسلمين والاشقاء الافارقة يمكن تلخيصها في النقاط التالية: * أولا: كانت، وما زالت، هناك خطط إسرائيلية لتهجير مئات الآلاف من أبناء قطاع غزة الى "ارض الصومال"، وقد أجرت حكومة نتنياهو اتصالات سرية مبكرة مع "رئيس" هذه الدويلة التي أعلنت انفصالها عن الوطن الام عام 1991 بعد حالة من الفوضى التي سادت بعد المؤامرة الامريكية لأسقاط نظام الرئيس الموحد سياد بري، مقابل القبول بالمهجّرين من اهل غزة، وهناك تسريبات تؤكد ان خطط الترحيل الجوي والبحري باتت جاهزة للتطبيق العملي. * ثانيا: تسعى دولة الاحتلال الى التسلل الى إيجاد موضع قدم عسكري في مضيق باب المندب وخليج عدن، وإقامة قواعد عسكرية للسيطرة على "بحر العرب" والبحر الأحمر، وعلى الجزر المقابلة، سواء في سوقطرة او المهجورة في الجانب الغربي المواجهة لليمن التي أصبحت جبهة مقاومة مفتوحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفشلت كل الغارات الإسرائيلية في وقف الصواريخ اليمنية الفرط صوتية او الانشطارية الرؤوس التي أغلقت مطاري اللد (بن غوريون) في يافا، او "رامون" في النقب، وارسلت ملايين المستوطنين الى الملاجئ بصورة شبه يومية على مدى عامين. * ثالثا: تأمين خطوط التجارة الإسرائيلية البحرية الى أسيا وشرق افريقيا، التي تمثل 85 بالمئة، من صادراتها، وهي الملاحة التي توقفت كليا بسبب اغلاق البحر الأحمر في وجه السفن الإسرائيلية تجارية كانت او عسكرية من قبل القوات والصواريخ اليمنية تضامنا مع المجاهدين في غزة. * رابعا: التحكم الإسرائيلي في قناة السويس وابتزاز السلطات المصرية، وتوفير الحماية لسد النهضة الاثيوبي من خلال وجودها العسكري في قلب القرن الافريقي، أي في قواعد عسكرية جرى الاتفاق على اقامتها مقابل الاعتراف. * خامسا: تهديد جميع الصادرات النفطية العربية، سواء تلك القادمة عبر مضيق هرمز، او في الموانئ الإماراتية والسعودية، والعُمانية، واليمنية المطلة على بحر العرب، او حتى تلك السعودية القادمة عبر خطوط الانابيب التي بنتها الرياض وتمتد من الابار النفطية في شواطئ الخليج الى ميناء ينبع على شاطئ البحر الأحمر لتجنب المرور في مضيقي "هرمز" الذي تتحكم فيه ايران، او مضيق باب المندب، الذي تسيطر عليه السلطات اليمنية في صنعاء. *** اكثر دولتين عربيتين مهددتين من قبل هذه الخطوة العدوانية الاسرائيلية المتمثلة في التسلل الى جنوبالبحر الأحمر عبر بوابة "دويلة" أرض الصومال هما المملكة العربية السعودية ومصر، فالأمن القومي الاستراتيجي للبلدين سيكون مهددا إسرائيليا وبشكل مباشر، ومن المؤسف انهما اكتفيا كالعادة بالإدانة والاستنكار، تماما مثلما فعلا في مواجهة مخططات التفتيت الإسرائيلية التي استهدفت وما زالت السودان الشقيق وما ترتب عليها من مآسي لاحقا. كنا نتوقع ان تبادر الدولتان مصر والسعودية الى الدعوة فورا لعقد مؤتمر قمة عربي افريقي عاجل لإتخاذ موقف موحد، ووضع الخطط لقطع الطريق مبكرا على هذا التسلل الإسرائيلي الخطير الى القرن الافريقي ومداخل البحرين الأحمر والعربي، وتهديد أمن ووحدة أراضي دولة الصومال الشقيقة، العضو في الجامعة العربية والاتحاد الافريقي. تفتيت الصومال بعد تفتيت السودان، وسورية في الطريق، يأتي في اطار مخطط إسرائيلي امريكي محكم الاعداد، ولعل الاعتراف بدولة "ارض الصومال" هو التطبيق العملي الرسمي الأول، وربما سيكون مقدمة لتفتيت المملكة العربية السعودية نفسها واليمن، وربما مصر أيضا، والاعتراف بالدويلات الصغيرة التي ستنبثق عنه، فدولة جنوباليمن وعاصمتها عدن تطل برأسها بقوة هذه الأيام، وقد تتلوها دولة حضرموت والمهرة، وسوقطرة، استقلالا او انضماما بالقوة، ولا ننسى دويلة "قسد" الكردية شمال شرق وغرب سورية. الصورة قاتمة ومرعبة، والتخاذل الرسمي العربي في ذروته، والتغول الإسرائيلي يتوسع بدعم امريكي.. اللهم قد بلغنا.. اللهم فاشهد.