حاولت التوقف أمام مغزى دلالات الإعلان الإسرائيلي لاستعدادها باعتراف جمهورية أرض الصومال على لسان مسئول كبير في الخارجية الإسرائيلية يدعى ييغال بالمور المكلف بملف العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، مع العلم أن تصريحا من هذا النوع لا ينبغي أن يمر بنا مرور الكرام ، ولا سيما انه صدر من دولة قوية مثل إسرائيل يعرف بقوة علاقتها مع الامبراطورية الأمريكية وقادرة من خلال لوبها القوي في الولاياتالمتحدةالأمريكية السعي لتقسيم الصومال مجددا ،لأن إسرائيل تدرك أن تحقيق مصالحها الإستراتيجية تكمن في إضعاف الصومال ككيان وهو إستراتيجية قد تتقاطع مع حلفائها الدوليين وعلى رأسها أمريكا وحلفائها الإقليميين مثل كينيا وإثيوبيا . إن محاولات الاختراق الصهيوني تعود إلى ما بعد فترة انهيار الدولة في عام 1991 مستغلة من ظروف الحروب الأهلية إذ تحركت تحت غطاء إنساني، فأقامت مراكز عدة في العاصمة مقديشو لأول مرة، وفي بعض الأقاليم الأخرى لتقديم المساعدات إلى الصوماليين والتي يتولاها صندوق إغاثة الصومال، وهو صندوق تدعمه وزارة الخارجية الأمريكية والمنظمة الصهيونية العالمية والمؤتمر اليهودي، ومنظمة "بني بريث"، ومنظمة "جونيت" اليهودية، وعدة منظمات وجمعيات صهيونية أخرى في الولاياتالمتحدة. وقد تم تأهيل هذه المراكز بخبراء إسرائيليين وصلوا إلى الصومال في أواخر عام 1992، وبلغ عددهم 250 شخصًا. وحاولت إسرائيل نسج علاقات مع قادة الفصائل الصومالية، ولوّحت بمساعدات عسكرية واقتصادية وصحية مباشرة، وذلك من خلال مشاركتها في المؤتمر الدولي الثاني لتنسيق المساعدات الإنسانية للصومال في أديس أبابا في كانون الأول/ ديسمبر 1992. جمهورية أرض الصومال ومحاولات التواصل مع إسرائيل وقد أثار الإعلان عن تأسيس جمهورية أرض الصومال جدلا كبيرا في داخل الصومال، وإقليميا ودوليا، وسط مخاوف من تفكك بعض دول المنطقة التي تعيش حالة حرب أهلية مماثلة للحالة الصومالية، لكن قادة الحركة الوطنية الصومالية، أصروا على الانفصال، فيما اعتبرت بعض الأطراف السياسية الصومالية المسألة بأنها مجرد «ورقة ضغط سياسية» للتفاوض مع الفصائل التي سيطرت على العاصمة مقديشو للحصول على حصة أكبر في السلطة الجديدة التي بدأت تتشكل في الصومال، إلا أن الحرب الأهلية التي اجتاحت جنوب الصومال عقب سقوط حكومة سياد بري، ثم التدخل الدولي الذي قادته الولاياتالمتحدة في الصومال، أدى إلى نسيان مسألة انفصال المناطق الشمالية، وظل التركيز قائما على الجنوب الذي يمثل الثقل السكاني والسياسي والاقتصادي في الصومال. وقد بذلت أرض الصومال مساعي كبيرة لدى دول الجوار، كذلك المنظمات الإقليمية لمنحها الاعتراف، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل ، وبعد فشل صومال لاند في مساعيها الرامية للحصول على اعتراف دولي منذ عام 1991 ، حاولت استجداء إسرائيل محاولة لكسب دعمها و كتب رئيس جمهورية أرض الصومال السابق أحمد إبراهيم عجال في عام 1995م رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين دعا فيها إسرائيل مد اليد مع حكومته وإقامة علاقات ودية بين البلدين وحاول عجال في رسالته إقناع تل أبيب في اعتراف دولته بتضخيم خطر الأصولية الإسلامية القادمة من السعودية واليمن والسودان وتنويه الأهمية الإستراتيجية الذي يمثله مضيق باب المندب الذي يتاخم صومال لاند. و في مقابلة مع الجزيرة في عام 2005 م ، نفى رئيس جمهورية أرض الصومال الحالي أي علاقة مع إسرائيل في الوقت الحالي ، لكنه نبّه أن حكومته حرة في إقرار إقامة علاقات مع إسرائيل حين ترى ذلك ولا يستطيع أحد في منع هذا الأمر مشيرا إلى أن كثيرا من الدول العربية قامت بإقامة علاقات مع إسرائيل ولا مشكلة في الأمر . وكشفت وكالة "صومال لاند بريس" قبل أيام عن ما وصفت اجتماعا تاريخيا مغلقا تم عقده في كندا في هذا الشهر بين ممثلين عن جمهورية أرض الصومال ومسؤولين إسرائليين على مستوى الحكومي ورجال أعمال ومهتمين بقضايا الشباب وصرحت أن الاجتماع طرح اقتراحات في الاعتراف بجمهورية أرض الصومال بعد ما يقرب من 20 عاما من العزلة الدولية . إذا نحن الآن أمام هرولة نظام هرجيسا نحو إقامة العلاقة مع الصهاينة في ظل التجاهل الدولي لمطالبهم الانفصالية ، وكثير من أبناء صومال لاند يؤيدون للتواصل مع إسرائيل بحكم أنها الأقدر على جلب الاعتراف لدولتهم . وفي ما يتعلق بالتضحية بعلاقتهم مع الدول العربية نتيجة أي علاقة مع إسرائيل ، كثيرون يعتقدون أن الاعتراف أهم بكثير من أي علاقة مع العرب لأن الاعتراف يفتح الأبواب أمام الاستثمارات الخارجية والاستغلال من الموارد الطبيعية مما يقلل تأثيرات عزلة اقتصادية قد يلجأ إليها دول الخليج لمعاقبة جمهوريتهم الوليدة مستندين إلى عدة حقائق من أهمها ، تضرر القطاع المواشي الذي هو أهم واردات صومال لاند للخليج بسبب الحظر المتكرر التي تفرضه دول الخليج على هذا القطاع والتغيرات المناخية التي تؤثر سلبا على قطاع الثروة الحيوانية في المستقبل الأمر الذي يحتم على حكومة جمهورية أرض الصومال وشعبها البحث عن اقتصاديات بديلة عن الثروة الحيوانية قبل فوات الأوان ولا يتأتى ذلك دون الحصول على اعتراف دولي ، كما أن الدول الخليجية لم يستثمروا في أرض الصومال مما لو حدث لكان اليوم ورقة ضغط لديهم يلوحون بها ما إذا توجهت أرض الصومال إلى إسرائيل . و ما يروج من أن علاقة صومال لاند مع العرب أولى من أي علاقة مع إسرائيل فيه كثير من البالغة ولا يروجها إلا المفتونين بالعروبة التي ارتد عنها العرب أنفسهم فالعرب هم الذين بدؤوا الهرولة نحو إسرائيل والتطبيع المجاني معها ولا يوجد مبرر أخلاقي لمعاقبة صومال لاند إذا توجهت صوب إسرائيل بهدف الحصول على اعتراف دولي طال انتظاره بحكم امتلاكها بالكثير من مفاتيح القرار العالمي ودورها القوي أيضا في توجيه الرأي العالمي في هذه الأيام. وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي أبداها الإسلاميون في هرجيسا ودعوتهم جمهور المواطنين للاستعداد للثورة على إدارة الإقليم والمقاومة فى حالة ظهور أية مؤشرات على إمكانية تحقيق اعتراف إسرائيلي على أرض الواقع ، إلا أن تأثيرهم على الواقع لا يمكن التنبؤ به في ظل الإفلاس والشطط الذي يعانيه المشروع الإسلامي في الصومال وعدم امتلاكهم بديل يمكن التعويل عليه . لكن مع تأكيدنا لحق صومال لاند للبحث عن الاعتراف في ظل تضاؤل احتمالات حلحلة المعضلة الصومالية ، إلا أن العلاقة مع الصهاينة لن تكون بالسهولة التي قد يظنها بعض ساسة هرجيسا لأن سياسة الإسرائيلية تنبني دائما على المقايضة ، والتي يعني فرض شروط مجحفة مقابل الاعتراف أسهلها الحصول على جميع امتيازات عقود تنقيب البترول والمعادن وامتيازات صيد الثروة السمكية ، وأصعبها بناء قواعد عسكرية دائمة في ميناء بربرا وهو مطلب لطالما سعت إليه الإسرائيليون والأمريكان منذ التضامن اليمني مع مصر في حربها مع إسرائيل في عام 1973 من خلال إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية . وهو مطلب تخلت عنها أمريكا بعد تمركزها في الخليج وجيبوتي لكن إسرائيل لن تتخلى عن مساعيها ليكون لها موطئ قدم في الصومال لأن ذلك يمثل ضغطا نفسيا واستراتيجيا على الدول العربية وربما دخول إيران في الخط وتنافسها الإسرائيليين في القرن الإفريقي يجعل تل أبيب تبحث عن قواعد جديدة للتمركز وقد يكون هناك شكوك إسرائيلية حيال علاقتها الإستراتيجية مع أسمرا التي تستضيف حاليا قواعد عسكرية صهيونية في أراضيها بعد توجه أسمرا للتواصل مع إيران وهو ما قد يكون نذير شؤم للعلاقة بين أرتريا وإسرائيل في المستقبل. كما لا يستبعد وجود ضوء أخطر قد حصلت تل أبيب من حلفائها الغربيين للاعتراف بجمهورية أرض الصومال ومما يعزز الشكوك من هذا النوع ما تبنت به إدارة بوش من المهادنة مع انفصال صومال لاند في عهدها، حيث تبنت بسياسة قبول الأرض الواقع والتعامل معها وتركت أمر اعتراف صومال لاند للاتحاد الإفريقي وهو ما فهم بأنه كان ليونة طرأت في الموقف الأمريكي تجاه الاعتراف القانوني لصومال لاند ، كما أشاد عدد من الدوائر البحثية الغربية وشخصيات سياسية بانجازات صومال لاند في استتاب الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي وإرساء دعائم الديمقراطية. وفي شهر يوليو 2007م صادق البرلمان الفدرالي الألماني قرارا دعا فيه على المستشارة الألمانية أنجيليا ميرجل العمل على درء الخطر القادم من الجنوب والذي يهدد استقرار جمهورية أرض الصومال وكان من بين الحلول التي تم طرحها في هذا الصدد خيار الاعتراف القانوني . وفي تقرير أصدرته مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث في العام الماضي تحت عنوان "radical islam in east africa" "الإسلام الراديكالي(الأصولي) في شرق إفريقيا "أوصت باعتراف صومال لاند لتكون شريكا متقدما في الحرب على الإرهاب . ووفي مقال للباحث الأمريكي j. peter pham مدير معهد نيلسون للدراسات بجامعة جيمس مدسون ونائب مدير مؤسسة دراسات الشرق الأوسطية والإفريقية في عام 2007م تحت عنوان "somaliland: on the road to independent statehood" "صومال لاند: في طريقها نحو الاستقلال" دافع اعتراف جمهورية أرض الصومال لاعتبارات عدة أهمها: أولها: كونها قد تكون قاعدة مهمة لجهود العسكرية لمكافحة الإرهاب لموقعها الجغرافي الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر وحاجة قوات ناتو لتسهيلات ميناء بربرا لعمليات مطاردة الإرهاب. ثانيا:كون اعتراف صومال لاند لا يساهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة من خلال تأسيس مؤسسات الدولة وخلق رفاهية تنموية فحسب ، بل قد تكون عاملا مشجعا لتوحيد المنطقة ورفاهيتها ، كما تكون تنفسا بحريا لحليف واشنطن في المنطقة إثيوبيا التي تفقد منفذا بحريا منذ انفصال أرتريا عنها. ثالثا:كونها تذخر بموارد طبيعية وفرص تجارية قد تجتذب الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاع النفط وتجعل صومال لاند سوقا إقليميا تجاريا يدور في دائرة المصالح التجارية الأمريكية . اعتبارات اهتمام إسرائيل بصومال لاند إن اهتمام إسرائيل في هذه الفترة في بناء علاقة مع صومال لاند ، تستبطن مجموعة من الأهداف والاعتبارات لعل من أبرزها : أولاً: الاعتبارات الأمنية، فثمة مخاوف إسرائيلية من مد الجماعات الجهادية المسلحة في الجنوب الصومالي ، التي تنظرها إسرائيل تهديدا مباشرا لأمنها القومي ومصالحها في القرن الإفريقي ولا سيما بعد اجتياح حركة الشباب الموالية للقاعدة في كثير من المناطق في وسط وجنوب الصومال وتضاؤل فرص نجاح الحكومة الانتقالية المدعومة من الغرب ويمكن أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لاستخدام جمهورية أرض الصومال قاعدة متقدمة لضرب واحتواء الجماعات الإسلامية المسلحة و نقل موقع "سكوب" العبري عن الخبير "الإسرائيلي" في الشئون الشرق أوسطية تسيفي مزائيل قوله: "إن التهديدات الموجودة من قبل المحاكم الإسلامية بالصومال ليست محلية فقط ولكنها إقليمية؛ لأن سيطرتها على الصومال تشكل خطرًا على القارة الإفريقية".. وحذّر مزائيل الذي كان يشغل في السابق منصب السفير "الإسرائيلي" في مصر من أن وصول المحاكم إلى الحكم في الصومال يعد تهديدًا خطيرًا لدولة إثيوبيا الدولة التي تعد الذراع الأمريكي في القرن الإفريقي؛حيث تعكس تلك التصريحات خلاصة الموقف "الإسرائيلي" من الأزمة الصومالية وهي الرغبة في القضاء على المحاكم الصومالية ذات التوجهات الإسلامية لخطرها على مستقبل "إسرائيل" في المنطقة والسعي في الخفاء لتهريب من تبقى من يهود الفلاشا ل"إسرائيل". ثانياً: الاعتبارات الاقتصادية والتجارية: إن تأمين المصالح الاقتصادية من أهم استراتيجيات الإسرائيلية في إفريقيا لتحصل حصة الأسد من حجم تبادل التجاري واستثمارات الموارد الطبيعية التي تذخر بها المنطقة وقد تكون جمهورية أرض الصومال منطقة جاذبة لإسرائيل من هذا المنظور لما تتمتع من ثروة حيوانية وسمكية ، إلى جانب الموارد الطبيعية التي تحتاج استثمارات خارجية لاستغلالها . و كشف الخبير الاستراتيجى حسين حمودة في التقرير الاسترتيجى الأفريقى (الإصدار الخامس) والذى يغطى عامي (2007/2008) والصادر عن مركز البحوث الأفريقية التابع لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية ،أن رجل أعمال إسرائيلي مقيم في أثيوبيا قام بدور الوسيط لتشجيع التبادل التجاري الإسرائيلي مع "جمهورية أرض الصومال" ، وذلك في سياق مساعي إسرائيل لتأجير ميناء "بربره الصومالي" أو على الأقل الفوز بتعهد "جمهورية أرض الصومال" بتقديم التسهيلات اللازمة لاستخدام ذلك الميناء لأغراض تجارية كما هو معلن وربما لأغراض أخرى تهم إسرائيل . ثالثاً: اعتبارات إستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، حيث تحاول شد الخناق على العالم العربي من خلال مدّ يدها الأخطبوطية إلى الصومال التي يمكنها من الالتفاف حول باب المندب بأنشطة عسكرية وأمنية مكثفة، وتأسيس سياسة الذراع الطويلة الإسرائيلية في بحر الأحمر، كما أن وجودها في الصومال سيمكنها أيضا من تكثيف مخططاتها الجهنمية لإثارة بؤر للتوتر والصراع على أطراف النظام الإقليمي العربي في جواره الأفريقي ، ولا سيما المناطق الرخوة مثل اليمن والسعودية على غرار ما تفعله الآن في السودان من دعم حركات التمرد للعمل على تفكيك السودان . الخلاصة:- على ما يبدو إن استمرار معضلة الصومال وعصيها على كل الحلول الإقليمية والدولية وتغلغل أفكار القاعدة الجهادية في الحركات الإسلامية المسلحة في الصومال وما في الأوساط الدولية من إمكانية تحول الصومال إلى نقطة انطلاق لعمليات القاعدة تمثل مبررات لبعض القوى الدولية والإقليمية للجوء خيار التفتيت للجسد الصومالي حتى لا تقوم قائمة لدولة صومالية قوية قد تكون في قبضة إسلاميين متطرفين . الرهان الوحيد الذي يمكن أن يبطئ اعتراف جمهورية أرض قد يكون مخاوف بعض دول الإقليمية المهمة مثل إثيوبيا التي تتوجس من الاعتراف بصومال لاند بما تفتح من استحقاقات عرقية وطائفية في داخل كيانها . وأما إسرائيل فقد تكون غبر آبهة بأي هاجس إقليمي أو دولي إذا اقتضت مصالحها الإستراتيجية إلى الاعتراف بصومال لاند وهذا السيناريو مرجح لأن من أهم حسابات إسرائيل تفتيت الوطن العربي على أسس طائفية وعرقية ومناطقية أو بعبارة أخرى تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم إلى دول فتات ولا يعقل أن تكون الصومال الجريحة اليوم بمنأى عن الإخطبوط الصهيونية في ظل عجز أبنائه الذين لا حول لهم ولا قوة إلا الانتظار بما تخبأه الليالي والأيام القادمة من أحداث جسام "ولله الأمر من قبل ومن بعد" وإليه نشتكي ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس. نقلا عن الصومال اليوم