بتاريخ 13 يونيو/حزيران شنت "إسرائيل" عدواناً وهجوماً شرساً مفاجئاً على إيران, مستفيدةً من التقرير الكاذب للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبيل العدوان, الأمر الذي منحها وحلفائها الغطاء والشرعية لتنفيذ العدوان المخطط له منذ أمدٍ بعيد, وتقمصت دور "شرطي المنطقة" واستخدمت طائراتها الحربية والمسيرة وقدراتها الصاروخية، واستهدفت مسؤولين إيرانيين، وأعضاء الفريق المفاوض في الاتفاق النووي الدولي, وشخصيات عسكرية قيادية رئيسية وعلماء نوويين، ومواقع عسكرية هامة, ومدن وبنى تحتية وأبنية سكنية ومواطنين اّمنين. أرادتها حرباً سريعة خاطفة كعادتها بعيداً عن الحروب الطويلة, لكن سرعان ما ثبت فشلها, وتعرضت لردود وهجمات إيرانية غير مسبوقة الحجم والتأثير, وباتت تواجه كارثة عسكرية نتيجة جهلها بأعداد ونوعيات الصواريخ التي تملكها إيران, وسط مخاوفها الجدية من استمرار الحرب لمدة طويلة. ومع ذلك نالت عقابا" إيرانيا" نموذجيا" – لا زال مستمراً-، ولم يعد أمامها سوى التراجع والاستسلام, فيما سارع الأوروبيون بالوكالة والأصالة عن دولهم وعن الكيان الغاصب والولاياتالمتحدة, لتقديم العروض الجديدة وربما لتقديم التنازلات السياسية والتفاوضية في الملف النووي بهدف خطف الإنتصار قبل سقوط نتنياهو في مستنقع الهزيمة الكاملة, ولدفع إيران للقبول بوقف إطلاق النار, متعامين عن حقيقة استمرار الردود الإيرانية والتفاوض في جنيف في اّنٍ واحد, كترجمة حرفية لكلام المرشد الأعلى بأننا "لن نستسلم". يبدو أن "إسرائيل" قد وقعت في فخ أوهامها, واعتقدت أن هجومها الأول متعدد الأوجه سيكون صاعقاً وقادراً على تعطيل الرد الإيراني وأقله تأخيره وإضعافه, وراهنت في هجومها الثاني على تدمير وتعطيل أنظمة الدفاع الجوي الإيراني، واستباحة الأجواء الإيرانية كاملةً, لكن إيران صمدت واستوعبت الهجوم الأول وبدأت ردها عبر موجات متتالية من خلال عملية "الوعد الصادق - 3", وأطلقت مئات الصواريخ والطائرات المسيرة, واستطاعت بقوة ضرباتها ودقتها إرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية وإرهاقها, وباتت تتحكم بمسار المواجهة. لقد نفذت تل أبيب عدوانها بالاعتماد على محاولة تدمير مخزون إيران الصاروخي, رغم أنها لم تكن تتوقع عدد الصواريخ الإيرانية وأنواعها, وفوجئت واعترفت قيادتها العسكرية في اليوم السابع بصواريخ جديدة استخدمتها إيران للمرة الأولى, يالها من مغامرة ومخاطرة كلفت "إسرائيل" الكثير وكبدتها خسائر وهزائم على كافة المستويات العسكرية والسياسية والأمنية والإعلامية, وأكدت عجزها على حماية قطعان مستوطنيها. يدرك الإستراتيجيون العسكريون أن المعركة البرية وحدها تحصد الإنتصار, وبأنه لا يمكن للضربات المدفعية والجوية والصاروخية حسم أية معركة, وهذا ما لم تخطط له "إسرائيل" بقواتها العسكرية واعتمدت على المرتزقة وعملاء الموساد, وعلى زعزعة الإستقرار والمنظومة الأمنية داخل إيران, وبدا واضحاً أن مخطط العدوان الإسرائيلي ناقصاً وفاشلاً قبل تنفيذه أمام قوة إيران, ولا يعدو سوى مغامرةً غير معروفة النتائج. ويقودنا الواقع إلى التساؤل حول مدى استعداد تل أبيب المسبق لخوض هكذا مغامرة, أم أنها تدفع ثمن وكالتها الأمريكية – الغربية !, على أنها شرطي منطقة الشرق الأوسط, وأصبحت تدور في دوامة المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة والمصالح الاقتصادية للغرب الأوروبي, إذ تستفيد الولاياتالمتحدة من استمرار المواجهة بين إيران وإسرائيل, في حين اعتبرها الاتحاد الأوروبي كارثة اقتصادية، مع ارتفاع أسعار الطاقة، وصعوبة وصولها إلى أوروبا، ودخول الأوروبيين أكثر فأكثر تحت رحمة الولاياتالمتحدة, الأمر الذي دفع ماكرون للمطالبة بالترويج لليورو كبديل عن الدولار لحل مشكلة عدم الإستقرار الإقتصادي. من الواضح أن نل أبيب ورطت نفسها وتورطت بهمسٍ أمريكي غربي, وبات إعلامها الحربي يتحدث عن دقة الإصابات الصاروخية الإيرانية, خصوصاً بعد تدمير مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية وعدة هيئات حكومية، ومنشآت يُفترض بأنها محمية من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية . أثبتت إيران كفاءة قدرتها على استيعاب الهجوم الأول وما بعده بصمودها وردودها الجدية المؤلمة للكيان ولمن يقاتل إلى جانبه وداعميه وبات من المستحيل تحقيق أهداف جميع المعتدين اللذين تحول مركبهم مع الوقت إلى مركب قيد الغرق وبات تخفيف الحمولة ضرورياً وحاسماً، وبدأ ترامب بنفسه وبتراجعه عن بعض الأهداف الكبرى المعلنة في إيران, ولن يجد خياراً أفضل من رمي ماكرون أولاً وستارمر ثانياً والتخلص من نتنياهو ثالثاً, وسط احتمالية هروبه نحو الأمام ومواجهة الحرب الكبرى. لا تملك إسرائيل وحدها القدرة على جعل إيران توقف ردودها وعقابها، خاصةً إذا ما تحولت المواجهة إلى حرب استنزاف, ومن يصرخ أولاً , ومن ينفذ مخزون أسلحته المؤثرة أولاً, بعدما ثبت فعلياً انكشاف "إسرائيل" وعجزها أمام الرد الإيراني, وبات حاجتها ماسة للحصول على دفعاتٍ مستمرة من الأسلحة الأمريكية والغربية وبكميات كبيرة, أو ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما, إما الهزيمة الحتمية أواستخدام الأسلحة النووية. بات واضحاً أن الولاياتالمتحدة رسمت مخطط التصعيد في الشرق الأوسط واستخدمت "إسرائيل" ذراعاً عسكرية, رغم إدراكها العواقب الكارثية بالنسبة للمُخطط والمُنفذ والعالم, ومع ذلك اختبىء ترامب كاذباً وراء "عدم اتخاذه أي قرار", لكنه فعلها في فجر الأحد 22/حزيران ودخل الحرب بشكلٍ علني دون موافقة الكونغرس الأمريكي, وقامت قاذفات ترسانته الإستراتيجية بإستهداف منشاّت فوردو ونطنز وأصفهان النووية, ناسفاً المفاوضات النووية والحلول الدبلوماسية والقوانين الدولية, ومفجراً أزمةً وإنتقادات واسعة داخل الولاياتالمتحدة, لإقحامه الجيش والبلاد في حربٍ لا يمكن التكهن بعواقبها وتداعياتها, مطلقاً أيادي إيران وحقها في الدفاع عن نفسها بمهاجمة المصالح والقواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. لقد وّرط ترامب الكيان الإسرائيلي في العدوان على إيران, ويبقى السؤال الذي من وّرط ترامب نفسه ودفعه لدخول الحرب, وسط مخاطر جرّ المنطقة والعالم لحربٍ كبرى لا تحمد عقباها, وهذا يؤكد محدودية القيادة والنفوذ الأمريكيين وجنون الإعتماد على قرارات من يقفون وراء المجرمين ترامب ونتنياهو والمجموعة الأوروبية التابعة, بهدف لزعزعة الإستقرار العالمي وعرقلة تشكيل العالم متعدد الأقطاب، عبر إضعاف المنافسين والأعداء كروسيا والصين وإيران وباكستان وغيرها. 22/6/2025