منذ قديم الزمان ومنطقة القرن الإفريقي حاضرة بقوة في أجندة الأطماع الدولية الاستعمارية، ولذا كانت ولا زالت واحدة من أكثر المناطق سخونة على ظهر البسيطة وسط غياب التوازنات وتسيُّد الفوضى الإقليمية وهي الضريبة الطبيعية لاستحقاقات لعنة الجغرافيا الجاعلة من هذه المنطقة بمثابة مجمع الأمن الإقليمي وبوابة العبور الوحيدة نحو عمق القارة السمراء والعالم، باعتبارها تطل على البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي وتتحكم في طريق الملاحة البحرية بين الشرق والغرب بشقيها العسكري والاقتصادي، حيث بوابة الدموع- مضيق باب المندب- في حين مثّل اكتشاف النفط في الخليج العربي والنفط الإفريقي الواعد عاملا إضافيا ومبررا كافيا لدخول لاعبين جدد على الخط لمزاحمة أوروبا في مناطق نفوذها التقليدي، ولكل واحد منهم أسبابه وممارساته وسياساته وطموحاته لتمكين نفوذه وفرض أجندته... في هذه الوقفة السريعة سنحاول مقاربة السيناريوهات المحتملة لطبيعة هذا الصراع واحتمالات المواجهة أو التوافق، وتحديدا فيما يتعلق بالمشاريع ذات التأثير المباشر على المنطقة، كالأمريكي والإسرائيلي والإيراني، إضافة إلى أن هناك مشاريع منافسة كالصيني والأوربي والروسي، لكنها تظل فرعية وذات تأثير منخفض كما أنها بشكل أو بآخر مشاريع تابعة في قوة التأثير على ديناميكية تفاعل المشاريع الرئيسية. تجدر الإشارة أيضا إلى أن هناك توافقا عجيبا فيما يتعلق بتنامي ظاهرة القرصنة والإبقاء على حالة الفوضى والصراع، ولكن في حدود تحول دون خروج الأمور عن السيطرة وكذا فيما يتعلق بحدود النفوذ والوجود ومساعي السيطرة على القرن الإفريقي والبحر الأحمر وباب المندب والمياه الإقليمية للمنطقة والاستفراد بثرواتها الطبيعية، لكن ذلك يبدو على النقيض تماما فيما يتعلق بالإرهاب والجماعات الإسلامية المتشددة والقاعدة والتوازنات والتحالفات التي يجب أن تكون عليها المنطقة. الأجندة الأمريكية لم تشغل المنطقة لسنوات طويلة حيزا كبيرا في دائرة اهتمامات السياسة الأمريكية الخارجية رغم وجودها القديم بهذه المنطقة حيث لم تكن تجد في النفوذ الفرنسي أو البريطاني تهديدا مباشرا لمصالحها، لا سيما وأن النفوذ البريطاني ظل منساقا ومتناغما على طول الخط مع التوجهات الأمريكية، غير أن انتهاء الحرب الباردة وسقوط القطبية الثنائية وبروز القطب الواحد. فعودة تعدد الأقطاب مؤخرا وما صاحب ذلك من فشل ذريع للتدخل الأمريكي المباشر على أكثر من صعيد دولي وانحسار نفوذه الكوني وظهور فاعلين دوليين وإقليميين لم يعد ممكنا تجاوزهم أو تجاهلهم وبروز مفاعيل جديدة لأزمات لم تكن متوقعة بما فيها القاعدة والقرصنة وتنامي العداء واتساع رقعة الرأي العام المناهض للسياسات الأمريكية، بما خلفته من مآسي وكوارث لم يعد بالإمكان حلحلتها. ناهيك عن تداعياتها السلبية على المصالح الأمريكية؛ كل هذا كان مبررا كافيا لتغيير بوصلة وأدوات التعاطي الأمريكي ولكن بما يتلاءم وإنجاز مشاريعه الكونية التي عجز عن تحقيقها بالتدخل العسكري المباشر أملا في إعادة الوهج إلى القطبية الأحادية. عوامل عديدة أدت إلى هذا التحول الطارئ أهمها: ازدياد أهمية المرتكزات الإستراتيجية التي تقوم عليها العلاقات الأمريكية الإفريقية في عصر العولمة بما يتناغم مع محددات القرن الإفريقي الثابتة، كالموقع والثروة وخطوط التجارة بما لها من أهمية في منظومة السياسة الكونية الأمريكية. ناهيك عن تغير الرؤية الأمريكية حيال الأزمات والصراعات التي تعاني منها المنطقة وإدراكها أهمية التركيز على المدخل السياسي والعسكري بما يخدم مصالحها الحيوية في منطقة القرن والبحيرات العظمى، مستفيدة من فشل وإخفاق التركيز الأوروبي على المدخل الاقتصادي والتنموي. المشروع الأمريكي في طابعه العام يطمح إلى حماية خطوط التجارة البحرية عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر والوصول إلى مناطق الثروة ومصادر الطاقة ومحاصرة النظم غير الموالية واحتوائها ومحاربة التطرف والأصولية والحد من انتشار الأسلحة ودعم الأنظمة المتبنية للتصور الأمريكي حيال الإرهاب، خصوصا وأن هذه المنطقة من المناطق التي تتكاثر فيها التهديدات لمصالح أمريكا وحلفائها بصورة تجعلها ضمن الإستراتيجية الخاصة بالاحتواء خلال المرحلة المقبلة "2009– 2015م". آلية التنفيذ مثلت عملية تفجير سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام في آب/ أغسطس 1998م وما صاحبها من ضربات عسكرية أمريكية لمصنع الشفاء السوداني بدعوى استخدامه في صناعة أسلحة كيميائية لصالح ابن لادن نقلة نوعية على صعيد تزايد الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة والمتعاظم بصورة لافتة ما بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001م وما تمخض عنها من توجه نحو محاربة ما يسمى بالإرهاب ووضع السودان والصومالواليمن على قمة المرحلة الثانية لهذه الحرب بدعوى أنها توفر ملاذات آمنة للقاعدة وعناصرها الفارين من أفغانستان، وبالتالي إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في جيبوتي في حزيران/ يونيو 2003م وطرح مبادرة مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا وتأكيد مركزيتها في محاربة الإرهاب. كل ذلك لم يكن سوى مقدمة لما هو أكبر من القاعدة والإرهاب وهو ما بدا واضحا مع نهاية العام 2004م عندما أطلق البيت الأبيض مشروع القرن الإفريقي الكبير بالتزامن مع إعلان مشروع الشرق الأوسط الكبير والكشف عن التوجه لإنشاء القيادة العسكرية المركزية "آفريكوم" في شباط/ فبراير 2007م لتولي مهام على مستوى القارة الإفريقية باستثناء مصر، تمهيدا للانفراد الأمريكي برقعة الشطرنج للشرق الأوسط والقرن الإفريقي والبحر الأحمر والبحيرات العظمى وهو طموح قائم ومستمر بغض النظر عن هوية حكام البيت الأبيض. القرن الإفريقي الكبير، في خضم الأحداث العاصفة بالمنطقة والسعي الأمريكي المتواصل لاستغلالها لصالح أهدافه الإستراتيجية، يبدو أنه سيكون من أكثر الساحات الكونية سخونة في العقد المقبل، إذ من المتوقع حسب المصادر الأمريكية أن يضم دول القرن الإفريقي التقليدية: جيبوتي والصومال وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان بعد فصله المتوقع في استفتاء العام 2011م إلى جانب دول البحيرات العظمى: كينيا وأوغندا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية وراوندا وبورندي. القرن الإفريقي الكبير في طابعه العام يحمل أبعادا تتعدى توفير قاعدة إمدادات خلفية لمشاريع أمريكا في الشرق الأوسط إلى إعادة ترتيب المنطقة بما ينسجم مع المصالح الأمريكية الإستراتيجية في إفريقيا والشرق الأوسط وبما يكمِّل صورة الشرق الأوسط الكبير فيما يتعلق بخارطة النفط والغاز والإرهاب التي هي واحدة في مبانيها ومعانيها سواء في الشرق الأوسط أو أوراسيا أو شرق إفريقيا؛ في حين نجد أن الإرهاب مجرد عامل تابع، فيما النفط وهو الأساس في قائمة الاستثمارات الأمريكية المستقبلية عامل مستقل. والرهان هنا على النفط الإفريقي باعتباره المخزون الأكبر عالميا لا سيما في المنطقة الممتدة من السودان إلى سواحل كينيا وهو المحرك الأساسي لهذا المشروع. في التفاصيل يطمح المشروع إلى الربط بين المناطق الحيوية ذات البعد الجيواستراتيجي كشرق إفريقيا والبحيرات العظمى بما يضمن الهيمنة على التفاعلات المستقبلية في هذا الجزء الهام من العالم على خلفية النجاح الأمريكي في التركيز على المدخل السياسي والعسكري على حساب الفشل الاقتصادي والتنموي الأوروبي، بالتوازي مع توحد المخاوف الأمريكية والأوروبية من تنامي العلاقات الصينية الإفريقية ودخول إيران كلاعب أساسي، وما ترتب على ذلك من تخفيف لحدة التنافس الأمريكي- الأوروبي في السنوات الأخيرة لصالح أمريكا وتدعيم مواقفها في صراع الكبار وتحقيق رغبتها في الانفراد بالنفط الإفريقي ومحاصرة الإرهاب والدول المارقة كإيران وإريتريا ما بعد 2007م والرغبة في إقامة منطقة تحوي مجموعة المصالح الإستراتيجية الأمريكية وتؤمنها. المشروع الأمريكي في بدايات ظهوره سعى إلى تحقيق هدفين هما: زيادة قدرات المنطقة في مجال إدارة الأزما وحل الصراعات، وتحسين الأمن الغذائي. وهو ذات الطموح للمشروع الأوروبي حيال شرق إفريقيا في 2006م لكنهما أصيبا بالفشل الذريع، ما دفع واشنطن إلى ابتكار آليات جديدة لتحقيق طموحاتها وأهدافها والتي صارت تستهدف إنشاء بنية تحتية لمصلحة شركات التعدين والنفط والصناعات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية وضمان الانفراد بالنفط باعتباره البديل المستقبلي لنفط الخليج العربي وبحر قزوين المهدد بالنضوب ومحاصرة نمو النفوذ الصيني والإيراني، وخلق مناطق نفوذ تحقق المصالح الأمريكية، لا سيما وأن القرن والبحيرات لا يمكن فصلهما عن مجمل المصالح الأمريكية في المنطقة برمتها... قاعدة آفريكوم عوامل عديدة أدت إلى التوجه لإنشائها وجعل إحدى دول القرن الإفريقي المقر الرئيسي لها، أهمها: فشل التدخل العسكري في الصومال، وفشل التدخل بالوكالة أيضا عبر إثيوبيا، وتمكن إيران من تحويل نقاط الإخفاق الأمريكية إلى مكاسب سواء فيما يتعلق بنسج علاقات وطيدة مع السودان أو متنامية مع اريتريا وعدد من الفصائل الإسلامية الصومالية، بالتوازي مع تنامي أعمال القرصنة وظاهرة الإرهاب الدولي في الصحراء الإفريقية ومخاوف تحول الصومال إلى قاعدة إستراتيجية للقاعدة بعد محاصرتها في باكستان، في الوقت الذي انصب اهتمام إدارة أوباما على أفغانستان ومحور باكستان- الهند- إيران باعتباره المدخل الرئيسي لإحكام القبضة على شرق وجنوب آسيا وقاعدة الانطلاق لمحاصرة القاعدة والقوى الإسلامية المتطرفة، مع بروز العديد من العوائق الحائلة دون ذلك والمنتجة بصورة أو بأخرى تداعيات كارثية بدت علاماتها واضحة في تزايد عنف القاعدة وأخواتها ونجاحها في نقل عناصرها إلى منطقة القرن والبحيرات العظمى وبناء قواعد هناك وسط رغبة جامحة لتحويل موريتانيا إلى قاعدة إنطلاق، والسودان والصومال، مع احتمال ضم اليمن إلى قاعدة مواجهة قادمة استعدادا لعرقلة المشروع الأمريكي الإفريقي. المبررات الأمريكية السابقة تظل في حقيقتها ثانوية لسبب بسيط هو تزايد الاعتماد الأمريكي على مصادر الطاقة الإفريقية وزيادة الضغوط على قوات كينتكوم واريوكوم نتيجة الحرب الدائرة في العراقوأفغانستان. ولذا لم يكن أمام البيت الأبيض من خيار لتخفيف الضغط على قواته العاملة في أفغانستانوالعراق سوى التوجه إلى إنشاء قيادة آفريكوم المركزية مستفيدا من وجود قاعدة له في جيبوتي لاسيما وأن قوانينها لا تعارض الوجود الأجنبي على أراضيها كما لها تواجد عسكري بحري وجوي قُبالة السواحل الصومالية؛ ناهيك عن النجاح في استغلال أزمات المنطقة لصالح الحصول على امتيازات خاصة شملت الموافقات الصريحة بشأن إنشاء قواعد عسكرية أو تكثيف التواجد العسكري وكله سيصب في النهاية لصالح وضع اللبنة الأولى لمشروع القرن الإفريقي الكبير. إنشاء القيادة من ناحية أخرى يشكل انعطافة مهمة على صعيد الاهتمام الأمريكي بإفريقيا عموما والقرن الإفريقي خاصة، ومنحه وزنا أكبر في علاقة بتنامي حاجة أمريكا للنفط الإفريقي، وهي أيضا خطوة ضرورية في سياق الحرب الوقائية ضد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والحيلولة دون حصول القاعدة على ملاذات آمنة في القرن الإفريقي والبحيرات العظمى حيث تشعر واشنطن أن هذه المنطقة تشكل قاعدة خلفية للقاعدة والمصدر الرئيسي للتهديدات المحتملة مستقبلا للمصالح الأمريكية... الأجندة الإسرائيلية الاهتمام الإسرائيلي بمنطقة القرن الإفريقي والبحيرات العظمى منسجم كليةً مع الاهتمام الأمريكي كون هذه المنطقة تشكل أهم موقع استراتيجي من الناحية الأمنية منذ ولادة الدولة العبرية ونقطة الارتكاز لتحقيق الاتصال بوسط وجنوب إفريقيا وتحقيق مصالح إسرائيل الاقتصادية والأمنية، ولذا نجدها شديدة الحرص على إيجاد عمق لها في البحر الأحمر والقرن الإفريقي بما في ذلك إنشاء قواعد عسكرية في بعض دوله، كإريتريا بما يتيح لها رصد أي نشاط عسكري عربي ضدها، واستخدام التفوق الإسرائيلي لكسر أي حصار عربي مستقبلا ضد إسرائيل وسفنها في البحر الأحمر ومدخله الجنوبي، وكسر دائرة العزلة العربية؛ وبالتالي ضمان الاتصال والأمن للخطوط البحرية العسكرية والتجارية من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط والحيلولة دون أن يكون البحر الأحمر بحرا عربيا خالصا. استخدمت إسرائيل العديد من الأساليب لتمرير أجندتها مستغلة وجود أقليات يهودية في منطقة القرن الإفريقي بما لها من دور في تغذية الصراعات العرقية والطائفية والحدودية وتوظيفها لصالح السياسات الإسرائيلية واللعب على المتناقضات الفجة واستغلال كل الثغرات حتى يبقى قادة الأقليات الحاكمة في المنطقة مرتبطين بتل أبيب وسياساتها. كما استغلت علاقاتها مع إثيوبيا وإريتريا على سبيل المثال ضد السودان واليمن إلى جانب دعمها طموحات الانفصال كما في بونت لاند الصومالية ومحاولة استغلالها الحرب الدائرة هناك للفوز بتأجير ميناء بربرة أو على الأقل الفوز بتعهد صومالي لاند بتقديم تسهيلات وامتيازات لاستخدام الميناء؛ ناهيك عن مساعيها الدؤوبة للحيلولة دون وجود حكومات قوية، خاصة ذات التوجه العربي أو الإسلامي والترويج لوجود علاقات وثيقة بين الإسلاميين والقاعدة والقراصنة وتشكيل ورقة ضغط على السودان ومصر من خلال مساعي تدويل منابع نهر النيل وضرب القوى الإسلامية واستكمال مخطط نقل يهود الفلاشا من المنطقة وسط رغبة جامحة في السيطرة والتغلغل الكامل في شؤون دول شرق إفريقيا والبحر الأحمر وتأمين نطاق الأمن الحيوي الجنوبي لإسرائيل حيث المدخل الجنوبي للبحر الأحمر واكتساب وسيلة ضغط جديدة على الدول العربية لدفعها نحو التطبيع المجاني والسلام الاقتصادي والانخراط في المواجهة المحتملة مع إيران. الأجندة الإيرانية لإيران طموح قديم في الوصول إلى البحر الأحمر والقرن الإفريقي، ولذا لم يكن غريبا أن يحتل هذا الطموح مكانة خاصة في قائمة اهتمامات السياسة الإيرانية الخارجية في السنوات الأخيرة وتحديدا ما بعد وصول محمود أحمدي نجاد إلى الحكم في 2005م، وما صاحب ذلك من توجه ممنهج لنقل الحرب من مضيق هرمز والخليج العربي إلى خليج عدن وباب المندب بدلالة خروج التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للمنطقة من دائرة السرية والمراوغة إلى دائرة العلن، والتدخل المباشر بما ينسجم وتوسيع نطاق ما أسمته طهران "الجهاد البحري" باعتباره يشكل المدخل الرئيسي لإستراتيجية السيطرة على الممرات المائية تحسبا لأي انفجار محتمل مع الغرب حول ملفها النووي، ناهيك عن طموحات فتح ممرات بحرية وبرية تسهل الوصول إلى مناطق الأزمات في الشرق الأوسط عبر تأمين وجود إيراني قريب من هذه المناطق وتوفير أوراق ضغط جديدة للمساومة في الشرق الأوسط. أسباب عديدة أدت إلى تسليط الضوء على المشروع الإيراني في المنطقة المتغول على خلفية مفاعيل التدخل الأمريكي المباشر ما بعد حربي الخليج الثانية والثالثة بما لهما من إفرازات على صعيد الجدل العربي الرسمي حول المشروع الإيراني وخطورته على المنطقة والتحولات السياسية الخارجية لإيران القائمة على التدخل المباشر وسط غياب فاقع لأي مشروع أفرو- عربي متفق عليه- مؤثر ومكافئ- والاكتفاء في كثير من الأحيان بدور المتأثر. في حين أتاحت الإخفاقات الأمريكية في منطقة القرن الإفريقي والبحيرات العظمى، على خلفية عدم وفاء واشنطن بالتزاماتها تجاه حلفائها هناك، لطهران فرصة طالما حلُمت بها لنسج علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية خصوصا مع السودان واريتريا وبعض الفصائل الصومالية الإسلامية وغيرها وتعزيز وجودها العسكري البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وقُبالة السواحل الصومالية تحت ذريعة محاربة القرصنة. إلى جانب وجود قاعدة عسكرية إيرانية في ميناء عصب الاريتري والقيام بتهريب الأسلحة إلى الحركات المتمردة في اليمنوالصومال، وتسهيل نقل عناصر القاعدة من أفغانستان إلى جنوباليمن وكذا تدريب عناصر التمرد الحوثي بمعسكر دنقللو الاريتري وإلحاحها المتكرر على صنعاء لتدوير وتنشيط ميناء ميدي.. إلخ. كل هذا إن دل على شيء فهو يدل على أن إيران بدأت من الناحية العملية بنقل معركتها إلى منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر ما دفع العديد من المراقبين للنشاط الإيراني غير الطبيعي مؤخرا في المنطقة إلى الجزم بأن البحر الأحمر مرشح في المرحلة المقبلة ليكون حلبة جديدة لمواجهات مسلحة إقليمية دولية، بما لذلك من تداعيات كارثية على الصومال والسودان واليمن وربما دول إفريقية أخرى على خلفية الحراك الإيراني غير المسبوق لفتح جبهات جديدة في القرن الإفريقي، خصوصا وأن الاتفاقية الأمنية الإسرائيلية الأمريكية المبرمة قبل مغادرة بوش الابن البيت الأبيض بستة أشهر- منتصف 2008- قد بدأت سريانها من خلال إستراتيجية جديدة يتم رسمها في البحر الأحمر والمحيط الهندي حيث الصراع الدولي المحتمل لسبب بسيط هو قيام تلك الاتفاقية على منهجية تجزئة الأمن الاستراتيجي لمنطقة البحر الأحمر، وهو ما تتحسب له إيران جيدا. كما تدرك بأن هذا ليس سوى مقدمة لحصارها بحريا في وقت باتت فيه تعاني شبه عزلة عربية وإسلامية ودولية، بدلالة إقدامها في منتصف نوفمبر الماضي على تعزيز قواتها البحرية المتواجدة في البحر الأحمر وخليج عدن بالأسطول الرابع. الأجندة الإيرانية في إطارها العام ترمي إلى تعقيد حياة الأمريكيين في الجزيرة العربية والقرن الإفريقي وإحباط المخطط الغربي لتشديد الحصار البحري عليها في مياه الشرق الأوسط وإيجاد قاعدة انطلاق نحو شرق إفريقيا حيث تدور حروب مكملة لما يجري في العراقوأفغانستان وصولا إلى خلق إستراتيجية أمنية إقليمية تضطلع فيها إيران بدور المهيمن الطارد لأي وجود قوي من قبل قوة أخرى، وبالتالي جر أمريكا إلى طاولة مفاوضات جديدة... التحرك الإيراني لفرض أجندته يأتي في سياق إستراتيجية واسعة يتداخل فيها الإقليمي بالدولي، ولذا لا تأخذنا الدهشة أمام ما نشاهده من توافق غريب وعجيب بين الأجندة الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية وشراكة استراتيجية أجلى من ابن جلى على تفكيك واقع المنطقة في شكل تغيير في الخرائط السياسية، وعن طريق الدمج الكتلوي المعتمد أساسا على التناقضات المذهبية والطائفية والعرقية وصولا إلى حافة التصادم الذي ينتهي بالتقسيم والتفتيت والاحتراب والتشرذم، وهو الدافع الحقيقي طبعا للتدخل الإيراني في شؤون المنطقة المستمد قوته ليس من القدرة على فعل التدخل في المحيط الخارجي، وإنما من صلب الشراكة القائمة بين الأجندات الثلاثة. المصدر: عرب اونلاين