على مدى قرنين من الزمن لم تشهد الأراضي الصومالية الاستقرار السياسي نظراً لتقاطع المصالح الاقليمية والدولية في هذه المنطقة وسيطرة النزعة العشائرية والقبلية على العلاقة الاجتماعية بين مكونات المجتمع الصومالي..لم يشفع للصوماليين الأهمية الاستراتيجية لبلدهم من أن تتكاتف كل الجهود في جعل هذه المنطقة أكثر أمناً واستقراراً بل ان هذه الميزة كانت وبالاً على الصوماليين في زيادة حدة الصراع بهدف السيطرة على هذه المنطقة لتحقيق مصالح دولية أو اقليمية. الصراع الدولي على الصومال خلفية تاريخية بدأ الصراع الدولي على الصومال يأخذ طابعاً عسكرياً في عام 7881م بعد أن كانت هذه الدول الكبرى تتسابق على كسب ولاء القبائل والعشائر الصومالية حينما أسست بريطانيا محمية لها في الصومال وفي عام 8881م وقعت بريطانيا وفرنسا اتفاقية تم بموجبها تحديد المناطق التابعة لكل منهما ولم تبتعد ايطاليا كثيراً فقد اتخذت لنفسها محمية صغيرة في عام 9881م في منطقة جبل لاند ثم ضمت إليها في 6391م المناطق الحدودية مع اثيوبيا مايسمى بإقليم أوجادين. وبعد هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية تم ضم كل المناطق التي كانت تحت سيطرة ايطاليا إلى بريطانيا وسميت الصومال وتم منحها حكماً ذاتياً في عام 6591م وتحصلت على الاستقلال الكامل عام 0691م وعند استقلالها كانت أجزاء أخرى من الأراضي الصومالية قد تم ضمها لإثيوبيا وكينيا وهو ماتسبب في حدوث نزاعات مستمرة بين هذه الدول لأنها ظلت بؤر توتر في المنطقة وفي عام 7791م تم اعلان استقلال جيبوتي وهو ماكان يعرف بالصومال الفرنسي. صومال مابعد الاستقلال: صراع الداخل ومصالح الخارج منذ اعلان استقلال الصومال في 0691م سعت الحكومة الصومالية الجديدة إلى إقامة كيان سياسي موحد يضم كل المناطق الصومالية التي نالت استقلالها أو التي مازالت تحت سيطرة الدول الحدودية لها وهو مانتج عنه حرب طاحنة بين الصومال وإثيوبيا في عهد «هيلاسلاسي» انتهت لصالح الاثيوبيين ليطيح محمد سيادبري بحكم الرئيس الصومالي شيرماكي وتولى سيادبري سدة الحكم ووضع لحكمه اسساً شيوعية بدعم من الاتحاد السوفيتي وفرض سياسة القمع والشدة على كل معارضيه وأعاد بناء الدولة وتسليح الجيش ليخوض حرباً أخرى ضد اثيوبيا في محاولة لاستعادة اقليم أوجادين وحقق خلالها انتصارات لافتة إلا أن وقوف الاتحاد السوفيتي إلى جانب حليفها الجديد «منجستوهيلاماريام»، اثيوبيا والتنكر للحليف القديم سياد بري والضغوط التي مارستها امريكا والغرب ضد سياد بري جعلت القوات الصومالية تتراجع عماحققته من انتصارات وتتوتر العلاقة مع السوفيت وتبدأ معها صراعات داخلية ضد الرئيس الصومالي انتهت بالإطاحة به في عام 1991م بعد حروب دموية رافقتها مجاعة أودت بحياة عشرات الآلاف من الصوماليين لتدخل الصومال في دوامات من العنف بسبب تفكك الدولة وانعدام القانون والأمن وتنازع أمراء الحرب على مناطق الصومال وعدم قدرة أي فريق على حسم المعارك لصالحه حتى باستخدام القوة بسبب تنوع مصادر الدعم الاقليمي والدولي لامراء الحرب ليعلن محمد ابراهيم عقال عن قيام جمهورية أرض الصومال في شمال الصومال الذي كان يقود الحركة الوطنية الصومالية المحافظة ويسيطر المؤتمر الصومالي المتحد على الأجزاء الجنوبية والشرقية إلا أن هذه المنطقة لم تشهد أي استقرار وتواصلت الحروب الأهلية بين القبائل المتناحرة وأمراء الحرب ودعم خارجي غذى هذا الصراع حتى جاء التدخل الدولي عام 2991م أثناء المجاعة التي عمت البلاد فدخلت القوات الأمريكية مع عدد من الدول تحت غطاء حماية المساعدات الإنسانية إلا أن هذه القوات جوبهت برد فعل عنيف من قبل الفصائل الصومالية المعارضة للتواجد الأمريكي فتعرضت القوات الأمريكية لضربات موجعة عندما حاولت القبض على الجنرال محمد فارح عيديد وكان الحادث الشهير الخاص بسحل بعض الجنود الامريكيين في الشوارع وهو مادفع امريكا للخروج من الصومال في عام 4991م لتدخل بعدها الصومال في مرحلة أخرى من الاقتتال تخللها وفاة محمد فارح عيديد متأثراً بجراح إصابته في إحدى المعارك وتم تنصيب ابنه الجندي السابق في البحرية الأمريكية خلفاً له. توصل الصوماليون إلى وثيقة وطنية «دستور مؤقت» بموجبها تم اختيار عبدي قاسم صلاد رئيساً للصومال رغم اعتراض عدد من امراء الحرب في جنوبالصومال ورفضهم الاعتراف بحكومته وهو ماأدى إلى استمرار المعارك في الداخل الصومالي طوال فترة حكم صلاد حتى عام عام 4002م حيث تم اختيار عبدالله يوسف بديلاً عن صلاد حسن إلا أن النزاع الذي نشب بين اتحاد المحاكم الاسلامية والتحالف لإعادة السلم ومكافحة الإرهاب والذي انتهى إلى سيطرة المحاكم الإسلامية على مقديشو ومعظم مناطق الصومال أجّل من تنصيب عبدالله يوسف رئيساً مقيماً في مقديشو. انتصار المحاكم الإسلامية بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد والشيخ حسن طاهر أويس اعاد الاهتمام الدولي بالمشكلة الصومالية بسبب ارتباط المحاكم بعلاقة مميزة بالقاعدة رغم أن الصومال شهدت خلال سيطرة المحاكم الإسلامية أفضل فتراتها ونعمت بالأمن والاستقرار رغم قصر فترة حكمهم. الاهتمام أو قل القلق الدولي من سيطرة المحاكم الإسلامية دفع إلى الإيعاز لأطراف اقليمية بالتدخل مباشرة فشنت القوات الاثيوبية هجوماً كاسحاً على المحاكم الاسلامية بذريعة دعم الشرعية الصومالية ممثلاً بالرئيس عبدالله يوسف لتنتهي فترة المحاكم الإسلامية وتبدأ معها فترة جديدة من الصراع انتهت بظهور «جماعات الشباب المسلم» التي بدأت بالسيطرة على مناطق كثيرة في الصومال وانقسام المحاكم الإسلامية بين جماعات تتخذ من جيبوتي مقراً لها وأخرى في اريتريا وتم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة الصومالية وجناح جيبوتي تم بموجبه تقاسم السلطة وعاد بموجبه شيخ شريف إلى مقديشو في 01/21/8002م وعلى الرغم ممايحمله هذا الاتفاق من نقاط ايجابية إلا أن المشكلة لازالت قائمة بسبب رفض جناح أسمرا لهذا الاتفاق وظهور قوة عسكرية جديدة في الميدان «جماعات الشباب المسلم» و«الجبهة الاسلامية الصومالية» ترفض هذا الاتفاق وهو مايجعل امكانية التطبيق على الأرض صعباً. انهيار بنية السلطة الصومالية وضعفها حسب التقارير المقدمة إلى جلسة مجلس الأمن في 21/21/8002م وتسرّب أكثر من خمسة عشر ألفاً من قوات الأمن والفساد الذي التهم موارد الدولة الشحيحة جعل من هذه الاتفاقية مخرجاً مناسباً للسلطة الصومالية في إطالة عمرها ضمن اتفاقية جديدة وشرعية جديدة. الجانب الإيجابي في هذه الاتفاقية تمثل بانسحاب القوات الاثيوبية وقدوم قوات دولية بديلاً عنها في فترة 021 يوماً تنتهي في نهاية ديسمبر الحالي رغم صعوبة تنفيذ هذا البند خلال هذه الفترة القصيرة إلا أن موافقة اثيوبيا على الانسحاب خطوة في الاتجاه الصحيح لأن خروج القوات الاثيوبية ربما يعجل من سرعة الاتفاق بين الفصائل الموقعة على اتفاقية جيبوتي وبقية الفصائل المعارضة لهذا الاتفاق. إلا أن انجاح هذا الاتفاق يحتاج إلى إرادة دولية حازمة تجاه التدخل الاقليمي في الشئون الصومالية بهدف تصفية الحسابات فيما بينها على الأرض الصومالية ويمكن تناول العوامل الدولية والاقليمية التي اطالت مدة الحرب الصومالية في مقال آخر.