كشف رئيس حملة "لن نصمت" الدكتور عبد القادر الخراز، تفاصيل سحب 7.2 مليون دولار في واحدة من أكبر عمليات الفساد المالي المُوثَّقة مؤخراً في اليمن، والتي تورَّط فيها "الصندوق الاجتماعي للتنمية" و"بنك الأمل" في صنعاء لصالح ميلشيات الحوثي. وقال أستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة في حوار مع "الصحوة نت"، "ان عملية السحب للأموال تمت خلال مرحلتين في محاولةٍ منهجية لاختلاس أموالٍ دولية مباشرةً بعد تعيين مدير جديد للصندوق الاجتماعي في العاصمة المؤقتة عدن".
وتحدث الدكتور "الخراز" الذي يقود حملة متابعة فساد التمويلات الدولية باليمن، عن أدواراً مريبة لمنظمات أممية كبرى تتهمها الحملة التي يقودها ب"التماهي" مع مليشيا الحوثي، وتحويل المساعدات الإنسانية إلى دعمٍ للحرب والتجنيد، بدلاً من إغاثة المحتاجين.
وأشار إلى ما وصفها ب "القناة الجوية الموازية" الغامضة في مطار صنعاء التي مازالت الطائرات الأممية تصله بشكل منتظم، وكشف عن اعتزامهم نشر وثائق جديدة تثبت عمليات الاختلاس.
ودعا الخراز، المجتمع الدولي ودول التحالف لوقف "الغطاء الإنساني" الذي يُستغل من قبل ميلشيات الحوثي المصنفة جماعة إرهابية للسيطرة على أجزاء واسعة من البلاد.
الى الحوار..
كشفتم مؤخرًا بالوثائق عن عملية فساد مرتبطة ببنك الأمل والصندوق الاجتماعي.. هل يمكن أن توضحوا تفاصيل ما توصلتم إليه؟
العملية تتعلق بسحب نقدي تم عبر أحد حسابات الصندوق الاجتماعي للتنمية في بنك الأمل بصنعاء، بمبلغ 7.2 مليون دولار. تمت على مرحلتين بدأت يوم 11 أغسطس 2025. هذا التاريخ مهم جداً، لأنه قبل يومين أو ثلاثة أصدر رئيس مجلس الوزراء تعيينًا لمدير جديد للصندوق في عدن، وتم توجيه مذكرات لاعتماد توقيعه على جميع حسابات الصندوق في كل البنوك، بما فيها البنك المركزي. عملية السحب هذه تمت بعد هذا القرار، وهي فساد واضح ومنهج من أفراد يمسكون بالصندوق في صنعاء، في محاولة لسبق قرار اعتماد التوقيعات الجديدة واختلاس الأموال، وهناك تواطؤ من بنك الأمل وإدارته، رغم أن البنك كان قد أُبلغ مسبقًا. لحسن الحظ، البنك المركزي في عدن أوقف هذا الحساب بعد اكتشاف العملية.
ما الذي أثبتته الوثائق بشكل قاطع؟ الوثائق التي نشرنا جزءاً منها (مذكرة الصندوق في عدن) تثبت عملية السحب، وقد حددنا أسماء المسؤولين عن ذلك ابتداءً بمدير الصندوق (الديلمي) وصالح الرازحي، وشخص آخر لقبه "المهدي"، ومدير بنك الأمل، وهناك أسماء أخرى وفق وثائق لدينا سننشرها قريباً.
ما مدى تحققكم من صحة وثائق السحب النقدي بين الصندوق الاجتماعي وبنك الأمل؟ وما الخطوات التي تتبعونها قبل نشر أي وثيقة؟
الوثائق التي لدينا هي وثائق عملية سحب المبالغ وسننشرها قريباً. ما نشرناه هو الوثيقة الأساسية الصادرة من الصندوق الاجتماعي في عدن، والتي تؤكد عملية السحب وأن البنك المركزي في عدن قام بإيقاف الحساب نتيجة هذه العملية المخالفة للقانون والتي تعتبر اختلاساً وتلاعباً بأموال اليمنيين ومشاريعهم.
نحن ننتظر الإجراءات القانونية التي يفترض فتحها، لأن العملية فاجأت الجميع، بما في ذلك المانحين الدوليين، ولدينا وثائق أخرى على سحوبات بمبالغ كبيرة بالريال اليمني والدولار وسننشرها قريباً، ولكن هناك تحقيقات وإجراءات قام ويقوم بها البنك المركزي، مثل وقف الحسابات الفردية للمتورطين.
لماذا نشرتم وثيقة صادرة من الصندوق الاجتماعي بعدن تحديدًا؟ وما دلالتها في تأكيد القضية؟
الوثيقة صادرة عن الصندوق نفسه في عدن، وهي إثبات للعملية وللإجراءات المتخذة. نحن ننشر بالوثائق التي توضح وتؤكد ما نذكره. هذه الوثيقة توضح التفاصيل والإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في عدن ضد من قاموا بهذه العملية. ما أضفناه نحن هو تحديد الأسماء المسؤولة سواء في الصندوق أو في بنك الأمل.
هل تمثل عمليات السحب النقدي بالدولار نمطًا متكرّرًا لدى مؤسسات تعمل تحت سلطة الحوثيين؟
يبدو أنها تشكل نمطاً، خاصة في الفترة الحالية التي تشهد إجراءات من البنك المركزي في عدن وعمليات نقل للمؤسسات. لاحظنا من خلال الوثائق عمليات سحب نقدي بمبالغ كبيرة جداً، وظهرت بشكل كبير في الصندوق الاجتماعي للتنمية، سواء بالريال أو الدولار، وخاصة بعد التعيين الجديد لمدير الصندوق في عدن.
ما أخطر نقاط الفساد التي تكشفها الوثائق المتعلقة بالصندوق الاجتماعي وبنك الأمل؟
الخطر هو سحب نقدي بهذا الحجم من حساب مؤسسة حكومية، في وقت لا تُسدد فيه مرتبات الناس، هذه عملية اختلاس المفروض أن يرفض البنك مثل هذه السحوبات المشبوهة، لكن هناك تواطؤ مع هذا الفساد. هناك ملايين ومليارات الدولارات في حسابات أخرى للصندوق في بنك الأمل، وهو بنك يفترض أن يكون بنك الفقراء، حيث إن المسؤولية الأخلاقية والقانونية تمنعه من السماح بهذه السحوبات التي تسهل وصول أموال المشاريع المخصصة للمحتاجين والقرى لأفراد محددين، وهذا هذا فساد مالي وأخلاقي.
هل يمكن إعطاؤنا لمحة عن طبيعة الوثائق التي ستنشرونها لاحقًا؟
الوثائق التي سننشرها تشمل أوامر السحب النقدي، والأسماء التي وقعت على المذكرات واستلمت الأموال، وسندات الاستلام من بنك الأمل والصندوق الاجتماعي. ليست فقط وثائق ال 7.2 مليون دولار، بل حتى عمليات سحب بمبالغ أخرى.
برأيكم، لماذا تلجأ بعض المؤسسات لعمليات السحب النقدي الكبيرة بدل التحويلات البنكية؟
لأنها ببساطة عملية اختلاس أموال، السحب النقدي بهذا المبلغ الضخم وبالدولار وبأسماء أشخاص ليس له مبرر، وكأنها "نفقات مصاريف" وهذا غير منطقي عندما يكون المبلغ 7 ملايين دولار. البنك نفسه لا يجوز له قبول صرف مثل هذا المبلغ نقداً، خاصة في وقت يعاني الناس من سحوبات محدودة للغاية، وهذا يعد تلاعب واضح واختلاس لأموال الشعب المخصصة للمشاريع والأسر المحتاجة.
إذا تحدثتم عن اختلالات توزيع المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين... ما أبرز الأمثلة التي توضح حجم هذه الاختلالات وتأثيرها على المدنيين؟
هناك اختلالات كبيرة والحوثيون يتحكمون في المشاريع، ويأخذون نسباً مباشرة منها حتى تلك الموجهة للمناطق الشرعية، عبر مقاولات لشركات تتبع قيادات حوثية، كما يستغلون المساعدات لدعم المجهود الحربي مالياً وفي التجنيد، حيث يوجهونها لمناطق يأخذون منها أطفالاً وشباباً للتجنيد، وليست للأسر المحتاجة ونحن نرى أسراً محتاجة تأكل من القمامة في صنعاء. لدينا وثائق سابقة تظهر وجود مساعدات من برنامج الغذاء العالمي في جبهات الحوثيين، كما أن تمويلات نزع الألغام (التي يزرعها الحوثيون) سُلّمت بنسبة 80% لهم عبر برنامج الأممالمتحدة الإنمائي. وكذلك سيارات إسعاف منظمة الصحة العالمية شوهدت تنقل جنوداً حوثيين. هذه اختلالات تحتاج تحقيقاً.
كيف تقيمون دور بعض المنظمات الدولية في مناطق الحوثيين؟ وهل هناك مؤشرات على أن بعض الدعم يُستغل بطريقة تعزز سيطرة الجماعة؟
للأسف كثير من المنظمات الدولية، خاصة الأممية، تتماهى مع مليشيا الحوثي وتخضع لإشرافها، وتحول مشاريع وأموال عبرها، وتعطيها نسبة، بل وتعطي مرتبات لقيادات حوثية، وكشفت تقارير عن مرتبات تبلغ نحو 10 آلاف دولار لبعض القيادات من منظمات مثل اليونيسيف والصحة العالمية وبرنامج الغذاء. حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية، عندما صنفت الحوثي إرهابياً ووقفت تمويلها لبرنامج الغذاء العالمي، اكتشفت أن كثيراً من الأموال تذهب لدعم الحوثي، هذه المنظمات أصبحت طرفاً في الحرب، وليست محايدة. أمثلة أخرى على تمويل تشغيل الناقلة البديلة لخزان صافر في البحر الأحمر، والتي يستخدمها الحوثي لتهريب الوقود، يتم عبر تمويلات إنسانية من برنامج الأممالمتحدة الإنمائي لشركة أوروبية لتشغيلها. كل هذا يدعم سيطرة الحوثي.
هناك تقارير عن منظمات تابعة للحوثيين تتلقى دعماً من الخارج... كيف تفسرون طبيعة هذا الدعم، وما انعكاساته؟
نعم، مثل منظمة "مواطنة" التي ترأسها رضية المتوكل نحن كشفنا أنها تتلقى دعماً من رجل الأعمال جورج سوروس يقارب 200 ألف دولار سنوياً. وهناك منظمات أخرى تظهر حيادًا بينما تعمل بسرية لصالح الحوثيين مثل مركز صنعاء، ومنظمات اخرى، تظهر وكأنها مع الشرعية لكنها تساعد الحوثي بشكل خفي هذه إشكاليات كبيرة، والمطلوب التحقيق والمحاسبة.
لماذا تلجأ مؤسسات الحوثيين إلى النفي بدل فتح تحقيقات؟ وما الذي يكشفه ذلك؟
الحوثي لا يمكن أن يفتح تحقيقاً حقيقياً لأنه شريك في الفساد. بل يحاول التغطية وإخفاء الأدلة، ويعاقب من يسرب المعلومات. لدينا حالات لموظفين في منظمات تم اعتقالهم أو اختطافهم بسبب اعتراضهم على الفساد مع الحوثي، مثل هشام الحكيمي من منظمة "أنقذوا الأطفال" الذي تم اعتقاله وقتله بعد إبلاغ مديرة المنظمة عنه لأمن الحوثيين وهناك تخادم ومصالح تمنع كشف التحقيقات.
تتكرر مؤخرًا حركة طائرات كبيرة تهبط في مطار صنعاء بشكل شبه يومي... برأيكم، ما طبيعة هذه الرحلات؟ وهل لديكم مؤشرات حول ما يتم نقله؟
نعم، نشرنا تقريراً بعنوان "القناة الجوية الموازية: بؤرة تهديد أمني واستغلال للغطاء الإنساني". عندما بدأنا الرصد في يوليو 2025، كانت هناك أكثر من 39 طائرة خلال عشرة أيام، الآن تصل إلى حوالي 30 طائرة شهرياً (طائرة يومياً في المتوسط)، منها طائرات شحن كبيرة. هذه حركة غير طبيعية. يجب مراقبة هذه الحركة ومعرفة المواد المنقولة، كيف تصل طائرة ب 90 راكباً؟ هذا غير مبرر. في الحالات الإنسانية العادية، يكفي طائرتان أسبوعياً. نشتبه في أن هذه الرحلات قد تنقل أسلحة، أو تقنيات اتصالات، أو معدات لطائرات مسيرة، أو أموالاً، أو مواد أخرى. بعض هذه الطائرات تخفي إشاراتها فوق البحر، مما يدل على خطورة المسألة ويحتاج رقابة مشددة.
هل تفكرون في تحويل هذه الملفات إلى تحقيقات موسعة قد تُرفع لمنظمات دولية؟
نطالب دول التحالف بفتح تحقيق شامل في هذا الملف، ومحاسبة كل من يتلاعب بالغطاء الإنساني ويتماهي مع الحوثيين سواء من الأممالمتحدة أو غيرها. ويجب وقف التمويلات التي تذهب للحوثي، وإعطاء التمويلات للشرعية، أو أن تقوم دول التحالف نفسها بعملية الإغاثة إذا تعذر على الشرعية. لا يمكن أن يكون هناك حل في اليمن دون الضغط على الحوثي في هذا الإطار، وهناك وثائق كثيرة تعترف بها حتى جهات أمريكية.
ما الملف الأكبر الذي تعملون عليه حاليًا والذي تعتقدون أنه سيكشف شبكة فساد أوسع؟
يجب أن يكون هناك ضغط أمريكي حقيقي، بعكس الادارة الامريكية السابقة يبدو ان الإدارة الأمريكية الحالية كشفت كثير من الاختلالات في التلاعب بالتمويلات التي تعطيها لليمن. يجب أن يعيد الكونغرس والرأي العام الأمريكي والأممالمتحدة النظر في هذا التعامل. مليشيا الحوثي شريكة للمنظمات في تقاسم "الكعكة" على حساب معاناة الشعب اليمني. المطلوب أمريكية ودولية للتحقيق والمحاسبة.