سنان بيرق ليلٌ لا يُشبه الليالي… لا نجوم تلوّح بالأمل، ولا قمر يهدي، ولا يقين يمسك بالعقول المرتجفة. فقط بحرٌ يتربّص، ومركبٌ لا يُشبه شيئًا من وسائل النجاة، ومأمونٌ يعلو الموج كأنّه يُصلّي في محرابٍ بلا سقف… مركب صدئ مخصص لنقل الأبقار… خرج للتو من غياهب النسيان أرضه مبللة بروث الحيوانات، وهواؤه مشبع برائحة البول وعرق الحيوان… ومع ذلك، صعد إليه بشرٌ يحملون في قلوبهم ما هو أثقل من الروث: أحلام مكسورة، جوازات بلا سيادة، وكرامة تبحث عن نقطة تنفس. من ميناء عدن، مسرح الانتظار والخذلان، هربوا لا إلى وطن جديد، بل إلى "لحظة حياة مؤقتة خارج أسوار الموت المؤبد." ركضوا نحو سفينة الأبقار كما يركض المصلون نحو الخلاص… ركض مأمون لا كالهارب، بل كالمحارب الذي يؤمن أن البحر أرحم ممن أذلّوه على اليابسة. قالوا للقبطان: "نحن أبناء اليمن… صادرونا في صنعاء باسم السيادة، وخنقونا في عدن باسم الحرب… دعنا نركب، لا بحثًا عن وطن، بل عن لحظة تنفّس واحدة خارج أسوار الخذلان." ومع أول ورقة مالٍ رُفعت في وجه القبطان… سكت. ثم أمر بفتح أبواب الجحيم. ارتفعت روائح الروث، وتصاعد بخار البول، لكن أحدًا لم يتراجع. صعدوا كما يصعد الحالمون إلى شرفة المستحيل. ضحك أحدهم وقال: "هيا نصعد… فقد يخرج من هذا الزريبة إنسان." جلس مأمون بينهم… لا تربطه بهم إلا الرغبة في الحياة. وجهه إلى الأفق، يحفظ ملامح الموج، كما يحفظ المحكوم عليه بالسجن صورة السماء من خلف القضبان. وقال في نفسه: "من لا يخاف البحر، لم يُذلّه اليابس." مقتطف من رواية: الطريق إلى أمريكا